دعائي لربي

 

قلت المدون سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القديرالمقتدرالملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تَشفني شفاءا لا يغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري وأن تحلل عُقَدْ لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك يا ربي اللهم آمين .

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

أحكام حضور المساجد المؤلف عبد الله بن صالح الفوزان

 

 أحكام حضور المساجد المؤلف عبد الله بن صالح الفوزان 

أحكام حضور المساجد عبد الله بن صالح الفوزان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعودا لإسلامية 

مقـدمـة الطبعة الثانية 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . .

 

أما بعد . .

 

فهذه هي الطبعة الثانية لكتابي "أحكام حضور المساجد" بعد نفاد طبعته الأولى، وإلحاح الكثيرين بإعادة طبعه.

 

وقد قرأت الكتاب وزدت عليه أحكاماً أخرى، وأضفت بعض الفوائد وصححت ما فيه من أخطاء، كما عنيت بوضع الفواصل في مواضعها المناسبة.

 

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه. كتبه

 

عبد الله بن صالح الفوزان

 

في ضحى يوم الخميس 20/12/1421هـ

 

مقـدمـة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد:

 

فإن الصلاة جماعة في بيوت الله تعالى من واجبات الدين، وسنن الهدى. يجتمع للمصلي فيها شرف المناجاة لله تعالى، وشرف العبادة، وشرف البقعة. ولقد رتب الإسلام على حضور المساجد أجراً عظيماً تحدثت عنه نصوص كثيرة.

 

وإذا كان حضور الجماعة بهذه المنـزلة، فإنه يجب على قاصد المسجد لأداء هذه العبادة العظيمة أن يتحلى بأشرف الصفات، وأحسن الخصال، مما ورد في أحكام حضور المساجد مما دل عليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله e؛ تأدباً مع الله تعالى، واحتراماً للبقعة، ومراعاة لإخوانه المصلين، وتطبيقاً للسنة.

 

وإن من الملاحظة أن كثيراً ممن يقصدون المساجد لأداء الصلاة يخلون بأشياء كثيرة تتعلق بالمساجد، سواء قبل دخولها أو بعد دخولها. فهناك أخطاء، وهناك مخالفات، وهذا يرجع – في نظري – إلى سببين:

 

الأول: ضعف الإيمان عند جمع من الناس مما أدى إلى الجهل بأحكام كثيرة تتعلق بالمساجد، أو العلم بها مع الزهد فيها والرغبة عن العمل بها.

 

وإن الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به أمر جدّ خطيرة، وقد ورد عن النبي e أنه قال: "إن الله يبغض كلّ عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة"([1]). وإني أخشى أن يكون التساهل بأحكام المساجد تساهلاً بالصلاة ذاتها.

 

السبب الثاني: تحول هذه العبادة العظيمة – وهي الصلاة – إلى عادة عند كثير من الناس؛ تجد أن الذاهب إلى المسجد كالذاهب إلى مكان آخر، لا يجد فرقاً بين الاتجاهين، إن لم يهتم للثاني أكثر من الأول.

 

إن الصلاة التي كانت قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، أصبحت عند كثير من المصلين عبارة عن حركات منظمة تفتقد الخشوع والطمأنينة والإقبال الحقيقي على مالك يوم الدين. وأنّى لصلاة كهذه أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتؤدي وظيفتها في حياة الناس وسلوكهم . .!

 

إن مرتكب الكبائر يجلس في المسجد ويتلو آيات الله، فتمر عليه آيات الربا، وآيات الأمر باتباع الرسول e وغيرها، دون أن تهزّ من نفسه أو تنبه شعوره !!([2]).

 

أقول: لهذين السببين وغيرهما رغبت في جمع ما  حضرني من أحكام حضور المساجد وآدابه في بحث مستقل؛ حرصاً على إحياء السنة، وتذكير الناس بما غفلوا عنه، وحثاً على العمل بها، كما هو شأن السلف الصالح من هذه الأمة.

 

وحرصت على إيراد أصح الأقوال في كثير من المسائل، مبتعداً عن الخلاف ومناقشات الأدلة، إلا ما يدعو له المقام كما تراه في بعض المسائل.

 

وفي تخريج الأحاديث اقتصر على الصحيحين إن كان الحديث فيهما، وإلا فالسنن، وقد أزيد على ذلك إن كان ثم فائدة، فإن لم يكن فيها ذكرت غيرها، وغرضي من ذلك الاختصار؛ لئلا أثقل هوامش الكتاب.

 

وإذا رأيت – أيها القارئ الكريم – طولاً في بعض الأحكام وقصراً في أخرى فلأن طبيعة الموضوع تفرض هذا وتقتضي ذاك. وهكذا الشأن في فصول الكتاب.

 

وقد جعلت هذا الكتاب في تمهيد، وثلاثة أبواب.

 

أما التمهيد فيشتمل على مطلبين:

 

الأول: في تعريف المسجد وفضل بنائه وما ينبغي فيه.

 

والثاني: في حكم صلاة الجماعة والتحذير من التهاون فيها.

 

وأما الباب الأول – وهو أطول الأبواب – فهو في أحكام حضور المسجد للصلوات الخمس وقد جعلته في فصلين:

 

الأول: في أحكام الخروج إلى المسجد.

 

الثاني: في أحكام حضور المسجد.

 

وأما الثاني فهو في أحكام حضور الجمعة؛ لأن لها أحكاماً تزيد على الصلوات الأخرى، وقد جعلته في فصلين – أيضاً -:

 

الأول: في أحكام الاستعداد للجمعة.

 

الثاني: في أحكام حضور مسجد الجمعة.

 

وأما الباب الثالث: فتكلمت فيه على أحكام حضور المرأة للمسجد؛ لأنها وإن كانت تشارك الرجل في جملة من أحكامه؛ إلا أن لها أحكاماً تخصها.

 

والله نسأل أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه واهب ذلك لمن شاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

 

 

كتبه

 

عبد الله بن صالح الفوزان

 

تمهـيد

 

يشتمل على مطلبين:

 

المطلب الأول

 

في تعريف المسجد، وفضل بنائه، وما ينبغي فيه

 

المسجد لغة: على وزن (مَفْعِل) – بكسر العين -: اسم لمكان السجود، وبالفتح: اسم للمصدر.

 

قال في "الصحاح": (المسجد بالفتح: جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود . . والمسْجِد والمسْجَد: واحد المساجد . . . )([3]).

 

وقال في "تثقيف اللسان": (ويقال للمسجد: مسيد، بفتح الميم، حكاه غير واحد)([4]). فتحصل في ذلك ثلاث لغات: كسر الجيم، وفتحها، ومسيد بالياء موضع الجيم.

 

أما المسجد شرعاً: فكل موضع من الأرض، لقوله e: "جعلت لي الأرض مسجداً"([5]) أي: موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره.

 

وهذا يدل على أن الأصل في الأرض الطهارة حتى تعلم نجاستها، وأن كل أرض طاهرة طيبة للصلاة، إلا ما دل الدليل على استثنائه كالمقبرة والحمام ومعاطن الإبل ونحو ذلك.

 

وتعريف المسجد شرعاً بأنه كل موضع من الأرض ذكره الزركشي الشافعي وتبعه على ذلك الجرّاعي الحنبلي([6]). لكن هذا تعريف المسجد لغة – كما مضى – لا شرعاً كما سيأتي إن شاء الله -.

 

أما المسجد شرعاً فهو بقعة من الأرض تحررت عن التملك الشخصي، وعادت إلى ما كانت عليه لله تعالى، وخصّصت للصلاة والعبادة([7]).

 

وهذا ما جعله الزركشي مسجداً في العرف حث قال: (ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، حتى يخرج المصلّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه، وكذلك الربط والمدارس فإنها هيئت لغير ذلك)([8]).

 

ولعل مراده بذلك العرف الشرعي، فإن العلماء أجمعوا على أن البقعة لا تكون مسجداً حتى يقفها مالكها وقفاً صحيحاً مؤبداً، لا اشتراط فيه ولا خيار. سواء وقفها واللفظ، أو وجد من القرائن الفعلية ما يدل على ذلك؛ كأن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه([9]).

 

فإن لم يوقف فليس بمسجد ولو اتخذ للصلاة، وذلك كما لو اتخذ رجل معذور شرعاً في التخلف عن الجماعة مصلى في بيته، أو اتخذت المرأة مصلى في قعر دارها، وكذا ما يوجد في الدوائر الحكومية، أو المدارس من أماكن يصلى فيها فليست بمساجد، فلا تعطى حكمه.

 

قال البغوي بعد إيراد حديث (أمر رسول الله e ببناء المساجد في الدور . .)([10]): (وفي الحديث دليل على أن المكان لا يصير مسجداً بالتسمية حتى يسبّله صاحبه، ولو صار مسجداً لزال عنه ملك المالك)([11]).

 

وقد اختلف العلماء في مصلى العيد – وهو المكان المخصص لصلاة العيد سواء أحيط بسور أم لا – هل يعدّ مسجداً فيعطى أحكام المساجد؟ قولان:

 

الأول: أن مصلى العيد ليس بمسجد، فلا يأخذ أحكامه، إلا ما يتعلق بطهارة البقعة، وتواصل الصفوف، والاقتداء بالإمام، وهذا قول جمهور العلماء؛ لأن مصلى العيد ليس له جماعة راتبة يقيمون الصلاة المفروضة، وما لا تقام فيه الصلاة المفروضة لا يعتبر مسجداً، فلا تكون له أحكام المسجد([12]).

 

القول الثاني: أن مصلى العيد مسجد، إذا جعله صاحبه وقفاً، فيأخذ أحكام المسجد من تحريم البيع والشراء فيه ودخول الحائض، ونحو ذلك، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة. وهو قول عياض الدارمي([13]). قال في الفروع: (والصحيح أن مصلى العيد مسجد)([14]). واستدلوا بقول أم عطية – رضي الله عنها -: (أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور، ويعتزلن الحيّض المصلى)([15]).

 

ووجه الدلالة: أن فيه أمر النبي e الحيض باعتزال المصلى، فدل على أنه مسجد، له حكم المساجد، ولو لم يكن كذلك لما منعت منه الحائض . . .

 

وأجاب الجمهور عن ذلك بأن أمر الحيّض باعتزال المصلى ليتميزن، ولئلا يلوثن المصلى، وليتسع لغيرهن([16]).

 

والقول بأن مصلى العيد مسجد قول قوي، وذلك لوقفة لله تعالى للصلاة فيه، ولا فرق بين أن يكون لصلاة عيد أو راتبة؛ لأن الرسول e أمر الحيّض باعتزاله، والمرأة الحائض لا تعتزل إلا المسجد، لا تعتزل مصلاها في بيتها أو مصلى رجل في بيته. وعلى هذا فيصلي الإنسان إذا دخل مصلى العيد([17]).

 

أما مصلى الجنائز – إن وجد لها مكان خاص – فليس بمسجد؛ لأن صلاة الجنازة لا ركوع فيها ولا سجود([18]).

 

ومما يأخذ حكم المسجد: رحبة المسجد – وهي ساحته ومتّسعه – والغالب أنها متصلة به، يشملها سوره، سواء كانت في وسط المسجد وخلفها وأمامها أروقة، أو كانت الأروقة في جهة القبلة فقط، كما في أكثر المساجد([19]).

 

وكذا مكتبة المسجد؛ وهي غرفة تبنى في رحبته غالباً، فلها حكم المسجد إن كان بابها في وسط المسجد، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ويصح الاعتكاف فيها، فإن كان بابها خارج المسجد فليست منه، وكذا لو كانت خارج سور المسجد، بأن بنيت بجواره وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه([20]).

 

وقد ورد في بناء المساجد أو المساهمة في بنائها أدلة كثيرة، تدل على أن ذلك من أجل الطاعات، وأفضل القربات؛ لأن المساجد بيوت الله تعالى، وهي الوسيلة لإقامة صلاة الجماعة، ولها وظائف عظيمة في نظر الإسلام.

 

قال تعالى: ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين[([21]).

 

وقوله: ]يعمر مساجد الله[ شامل للعمارة بالبناء والعمارة بالعبادة؛ لأن باني المسجد يتقرب إلى الله تعالى ببنائه، فهو يعمر المسجد لطاعة الله تعالى.

 

وعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: إني سمعت رسول الله e يقول: "من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة" وفي رواية: "بنى الله له مثله في الجنة"([22]).

 

وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: "من بنى لله مسجداً ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة" وفي رواية:  "ولو كمفحص قطاة"([23])، وفي حديث جابر – رضي الله عنه –  بلفظ:  "كمفحص قطاة أو أصغر . ."([24]).

 

ومفحص القطاة: هو الموضع الذي تفحص التراب عنه، أي: تكشفه وتحيه لتبيض فيه([25]). وخصّ القطاة بهذا؛ لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل، إنما تجعل مجثمها على بسيط من الأرض. فلذلك شبه به المسجد([26]).

 

قال في فتح الباري: (وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة؛ لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه، ويؤيده رواية جابر هذه، وقيل: بل هو على ظاهره، والمعنى: أن يزيد في مسجد قدراً يحتاج إليه، تكون الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد، فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر . . . )([27]).

 

وتنبغي العناية ببناء المسجد بتهيئة المساحة الكافية، والاهتمام بتحديد جهة القبلة، وأن يتولى البناء أيد مسلمة أمينة، وأن تبنى بما يتناسب مع البنيان الحديث، ويجب الحذر من زخرفة المساجد والتباهي بذلك – كما هو الواقع اليوم – وذلك من علامة الساعة، وقد نصّ العلماء على كراهة ذلك، وصرح بعضهم بالتحريم([28]).

 

وقد ورد عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"([29]).

 

قال البخاري: قال أنس: يتباهون بها، ثم لا يعمرنها إلا قليلاً، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. أ هـ. والتباهي بها: العناية بزخرفتها، والتسابق في ذلك.

 

وقد نهى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن زخرفة المساجد؛ لأن ذلك يشغل الناس عن صلاتهم، مع ما فيه من الإسراف والتبذير، فقال – رضي الله عنه – عندما أمر بتجديد المسجد النبوي – مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال -: "أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر، فتفتن الناس"([30]).

 

قال النووي: (يكره زخرفة المسجد ونقشه وتزيينه؛ للأحاديث المشهورة، ولئلا يشغل قلب المصلي)([31]).

 

ولعل المراد بذلك كراهة التحريم لما في ذلك من إضاعة المال، والتسبب في إشغال المصلين، وإبعادهم عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى. وقد ذكر كثير من أهل العلم زخرفة المساجد من البدع في الدين([32]).

 

قال ابن بطال بعد أن ذكر آثار تدل على كراهية المغالاة في تشييد المساجد وتزيينها قال: (وهذه الآثار مع ما ذكر البخاري في هذا الباب تدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنائها . . . وكان عمر رضي الله عنه قد فتح الله الدنيا على أيامه ومكنه من المال فلم يغير المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي e، ثم جاء الأمر إلى عثمان، والمال في زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقصّة([33])، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يقصّر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما من الرسول بكراهة ذلك، وليفتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد في معالي أمورها، وإيثار البلغة منها([34]).

 

ويجب الحذر من الإسراف في توابع المسجد أو مكملاته من محرابه وأبوابه ونوافذه وفرشه وإنارته ومكبرات الصوت، ووسائل التبريد، فلابد أن يكون ذلك بالقدر الكافي، والحذر مما يزيد على كفاية.

 

وينهى عن زخرفة المحراب، أو كتابة شيء من الآيات أو تعليق الساعات ونحو ذلك مما يكون في قبلة المصلي، قال الإمام مالك – رحمه الله -: "أكره أن يكتب في قبلة المسجد بشيء من القرآن والتزويق" وقال: "إن ذلك يشغل المصلي"([35]).

 

وينبغي أن يكون المسجد مربعاً أو مستطيلاً؛ لتتساوى فيه الصفوف، وتتضح جهة القبلة لمن رأى المسجد، كما ينبغي الحذر من عمارة المسجد على هيئة توحي بالتشبه، حتى إن من رأى بعضها لا يدري أهي مساجد أم لا، بسبب أشكالها الغريبة([36])، والله المستعان.

 

كما يجب البعد عن الإسراف والمبالغة في تطويل المنائر أو تعددها – كما في بعض المساجد – مما يكلف مبالغ عظيمة، قد تكفي لبناء مساجد أخرى، ومكبرات الصوت تغني عن رفع المنائر أو تعددها، بل قد تغني عنها البتة.

 

كما ينبغي الحذر من وضع الهلال في رأس المنارة، فإنه شعار اتخذه المسلمون في وقت مضى، وهو مقتبس من غير المسلمين، الذين اتخذوا لزخرفة بعض مبانيهم([37]).

 

ولابد أن تكون فرش المسجد من الألوان الهادئة. التي ليس فيها شيء من التصاوير ولا الزخرفة، لأن صور الصلبان والحيوان تكثر في الفرش لا سيما ما يصنع للمساجد.

 

ويجوز وضع المدافئ الكهربائية في المسجد، فإن كانت في غير جهة القبلة فهو أولى وإلا فقد أفتى بعض العلماء بجواز وضعها في قبلة المسجد أمام المصلين؛ لحاجة الناس إليها في أيام الشتاء([38])، وإن أتي بدلها بالمدافئ الكهربائية الزيتية فهو أفضل؛ لأنه لا أثر لها إلا الحرارة.

 

المطلب الثاني

 

في وجوب صلاة الجماعة والتحذير من التهاون فيها

 

 

 

للاجتماع المشروع في العبادات شأن كبير عند الله تعالى، وله فوائد كثيرة اجتماعية وفردية دينية ودنيوية، ومن هذه الاجتماعات صلاة الجماعة في المسجد، يجتمع فيه أهل المحلة الواحدة كلّ يوم وليلة خمس مرات. فيحصل التواصل والتعاون، ويظهر عز الإسلام وقوة المسلمين.

 

يتم في هذا الاجتماع تعليم الجاهل، وتنشيط العاجز، والتعاون على البر والتقوى والتنافس في أعمال الخير؛ من العطف على الفقير والعاجز وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والبركة.

 

ولقد كثرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب صلاة الجماعة وأدائها مع عباد الله في المساجد التي بنيت لها، وأنه ليس لأحد  من عباد الله رخصة إذا سمع النداء أن يدع الجماعة ويصلي في منـزله أو مكان عمله إلا من عذر.

 

قال الله تعالى: ]وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فيكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم[([39]).

 

ووجه الدلالة من الآية على أن صلاة الجماعة واجبة: أن الله تعالى أمر بإقامة صلاة الجماعة وهم في حالة الحرب والخوف. ولو كانت الجماعة سنة – كما يقول بعض الناس – لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف. ولكن لما أمر الله تعالى بها في هذه الحال، وسمح بأن يترك لها أكثر واجبات الصلاة دل ذلك على أن وجوبها في حال الأمن أولى، وإلا فلو صلوا فرادى لم يكونوا بحاجة إلى ترك بعض الواجبات، فإن هذه الأمور وغيرها تبطل الصلاة لو فعلت بغير عذر.

 

ثم تأمل كيف دلت الآية الكريمة على أن صلاة الجماعة فرض عين وليست فرض كفاية وإلا لسقطت عن الطائفة الثانية بفعل الطائفة الأولى([40]).

 

وانظر كيف جاز الجمع بين الصلاتين للمطر وتقديم الصلاة الثانية عن وقتها لأجل الجماعة، لو كان فعلها في البيت جائزاً لما جاز الجمع لذلك؛ لأن أكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالباً لا يخلو أن تكون عنده زوجة أو ولد أو صديق أو نحوهم، فيمكنه أن يصلي كل صلاة في وقتها جماعة، فلما جاز الجمع علم أن المقصود بالجماعة جماعة المسجد، وأن حضور المساجد واجب على الأعيان إلا بعارض يجوز معه ترك الجماعة([41]).

 

وقال تعالى: ]وأقيموا الصلواة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[([42]).

 

قال ابن الجوزي: أي: صلوا مع المصلين. وقال أبو بكر الكاساني: (أمر الله تعالى بالركوع مع الراكعين، وذلك يكون في حالة المشاركة في الصلاة، فكان أمراً بإقامة الصلاة بالجماعة، ومطلق الأمر لوجوب العمل)([43]).

 

وقال تعالى: ]يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون(42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون[([44]).

 

قال ابن كثير رحمه الله: (لما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة إذا تجلى الرب – عز وجل – فسجد له المؤمنون لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً، كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه، عكس السجود، كما كانوا في الدنيا، بخلاف ما عليه المؤمنون)([45]). وعليه فإجابة الداعي هي إتيان المسجد، كما قال e للأعمى: (أجب)([46])، والله أعلم.

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار([47])".

 

ووجه الدلالة: أن النبي e همّ بتحريق بيوت المتخلفين عنها عليهم. ولا يهم بهذه العقوبة إلا من أجل ترك واجب، وهو حضور الجماعة. وإلا فالظاهر أنهم يصلون في بيوتهم؛ لقوله: "لا يشهدون الصلاة". وفي رواية: "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد". أي: بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور([48]).

 

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: (من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيكم e سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط بها عنه سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)([49]).

 

فتأمل أولاً كيف جعل ابن مسعود – رضي الله عنه – الصلاة في البيوت وترك المساجد تركاً للسنة، وترك السنة ضلال وانحراف. ومثل هذا لا يقال بالرأي، ولا ضلال إلا بترك شعيرة من شعائر الدين، مما يدل على أن المساجد من أعظم شعائر الدين، وأنها ما بنيت إلا ليصلي فيها.

 

ثم تأمل ثانياً: كيف أجمع الصحابة – رضي الله عنهم – على أن ترك صلاة الجماعة في المسجد من علامات النفاق، حيث قال: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) ولا يوصف بالنفاق من ترك سنة، بل من ترك فريضة أو فعل محرماً([50]).

 

ثم تأمل ثالثاً: تعظيم الصحابة – رضي الله عنهم – لأمر الجماعة حيث إن الرجل المريض يؤتى به وقد مسك رجلان بعضديه حتى يقام في الصف، مما يدل على تأكيد صلاة الجماعة وتحمل المشقة في حضورها. وإذا كان هذا في حق المريض، فكيف يكون الحكم في حق المعافى الآمن الذي يتقلب صباح مساء في نعم الله تعالى، ثم يقابل ذلك بالتخلف عن صلاة الجماعة، فهل هذا من الشاكرين؟

 

وقد ثبت عنه e تفضيل صلاة الرجل في المسجد جماعة على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك ما يرويه لنا أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "صلاة الرجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة. فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه! ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"([51]).

 

وهذا أجر عظيم، وثواب جزيل، لا يفرط فيه ويكتفي بدرجة واحدة إلا محروم اتبع هواه، وزهد فيما عند الله من الأجر، نسأل الله السلامة. وهذه المضاعفة لصلاة الجماعة في المسجد لأوصاف ثلاثة دل عليها الحديث:

 

الوصف الأول: إحسان الوضوء، وذلك – والله أعلم – بأن يتوضأ كوضوء النبي e.

 

الوصف الثاني: الخروج إلى المسجد بنية خالصة لا يخرجه إلا قصد الصلاة في الجماعة.

 

الوصف الثالث: المبادرة إلى صلاة ما كتب له من حين يصل إلى المسجد. والتضعيف المذكور في الحديث مرتب على هذه الأوصاف الثلاثة، وما رتب على أوصاف متعددة لا يوجد بوجود بعضها، إلا إذا دلّ الدليل على إلغاء ما ليس معتبراً أو ليس مقصوداً لذاته([52]).

 

بهذه الأوصاف الثلاثة يحصل المصلي على ثلاث فوائد عظيمة وهي:

 

الأولى: أن لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة.

 

الثانية: أن الملائكة تصلي عليه ما دام في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد تقول: (اللهم صلّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه).

 

ومن قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك – إن شاء الله -؛ لأن قوله: "في مصلاه" خرج مخرج الغالب، وهذا هو الظاهر([53])، وسيأتي زيادة بيان لذلك إن شاء الله.

 

الثالثة: أنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.

 

ولا ريب أن هذه الفوائد لا يحصل عليها ويظفر بها إلا من صلى مع الجماعة في المسجد، أما من صلى في بيته منفرداً أو في جماعة فإن هذه المزايا لا تحصل له؛ فإن قوله e: "ثم خرج إلى المسجد" وصف لا يجوز إلغاؤه، وعليه فالتضعيف خاص بمن صلى في المسجد([54]).

 

وهناك بشارة عظيمة لمن صلى مع الجماعة، يرويها لنا عن نبي الهدى والرحمة e ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ونصها: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر له ذنوبه"([55]). فقوله e: "ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة" مؤيد لقوله في الحديث المتقدم: "ثم خرج إلى المسجد".

 

ولقد زهد في هذا الثواب العظيم كثير من الناس في زماننا هذا مع كثرة المساجد وقربها من البيوت، فصاروا يتخلفون عن صلاة الجماعة عموماً، أو عن صلاة الفجر خصوصاً، ثم يذكرون أعذاراً لا تنفعهم عند الله، وهم يتقلبون في نعم الخالق من المال والصحة والمسكن والأمن.

 

إن النبي e لم يرخص لعبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه – في التخلف عن صلاة الجماعة، مع وجود أعذار ستة، دلت عليها النصوص([56])، وإليك بيانها؛ لتعلم تأكيد الإسلام لصلاة الجماعة، ولتعلم أن هذه الأعذار لو كانت موجودة لديك فلا رخصة لك في التخلف، ولو وجد عذر واحد فقط فلا رخصة لك من باب أولى، فكيف وليس لك عذر؟! اقرأها أو اسمعها وكن منصفاً . . :

 

العذر الأول: كونه فاقد البصر.

 

العذر الثاني: عدم وجود قائد يرافقه إلى المسجد. وقد دل على هذين العذرين حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أتى النبّي e رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله e أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ فقال: نعم، قال: "فأجب"([57]).

 

العذر الثالث: بعد داره عن المسجد. وقد دل عليه ما رواه عبد الله ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – أنه سأل النبي e فقال: يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلاومني (لا يلايمني) فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟

 

قال: "هل تسمع النداء"؟

 

قال: نعم.

 

قال: "لا أجد لك رخصة"([58]).

 

ما أعظم صلاة الجماعةَ! إنه أعمى، وداره بعيدة، ولا قائد له، لكن يجب عليه أن يصلي في المسجد ما دام أنه يسمع النداء. نعم داره بعيدة، وله عذر، فكيف بمن داره قريبة، وهو مبصر، وصوت المؤذن يخترق أجواء بيته؟؟ ورحم الله الإمام ابن خزيمة على تبويبه لهذا الحديث بقوله: (باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد لا يطاوعهم قائدهم بإتيانهم إياهم المساجد. والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة، إذ غير جائز أن يقال: "لا رخصة في ترك الفضيلة")([59]).

 

العذر الرابع: وجود شجر ونخل بينه وبين المسجد. وقد دل على ذلك ما رواه أم مكتوم – أيضاً – رضي الله عنه؛ أن رسول الله e أتى المسجد، فرأى في القوم رقّة فقال: "إن لأهم أن أجعل للناس إماماً، ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه". فقال ابن أم مكتوم – رضي الله عنه -: يا رسول الله! إن بيني وبين المسجد نخلا وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: "أتسمع الإقامة"؟ قال: نعم، قال: "فأتها"([60]).

 

العذر الخامس: وجود الهوام والسباع في المدينة. وقد دل على ذلك ما رواه ابن أم مكتوم – أيضاً – رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي e: "تسمع حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح. فحيّ هلا"([61]) أي: أقبل وأجب.

 

العذر السادس: كبر سنة ورق عظمه. وقد دل عليه ما ورد عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: أقبل ابن أم مكتوم – رضي الله عنه، وهو أعمى، وهو الذي نزل فيه: ]عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى[([62]) وكان رجلاً من قريش – إلى رسول الله e، فقال له: يا رسول الله! بأبي وأمي، أنا كما تراني، قد دبرت سني، ورقّ عظمي، وذهب بصري، ولي قائد لا يلايمني قيادتي إياي، فهل تجد لي من رخصة أصلي في بيتي الصلوات؟

 

قال: "هل تسمع المؤذن من البيت الذي أنت فيه"؟

 

قال: نعم. يا رسول الله!

 

قال رسول الله e: "ما أجد لك من رخصة. ولو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي إليها لأتاها ولو حبوا على يديه ورجليه"([63]).

 

إن جميع ما تقدم دليل واضح وبرهان قاطع على أن حضور الجماعة في المساجد واجب، وأنه لا رخصة في التخلف عنها إلا من عذر يمنع الحضور، ولو كان التخلف سائغاً أو الحضور ندباً لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم – رضي الله عنه -، وإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة([64]).

 

إن الجماعة في نظر الشارع هي جماعة المسجد لا جماعة البيوت ولا غيرها. والتضعيف خاص بجماعة المسجد – كما تقدم – ومن صلى في بيته مع أهله أو غيره واعتقد أنه صلى في جماعة وأنه ينال التضعيف فاعتقاده بمعزل عن الصواب.

 

ومما يدل على أن الجماعة تكون في المساجد دون البيوت أن السلف من الصحابة – رضي الله عنهم – ومن بعدهم إذا طمعوا في إدراك جماعة المسجد لم يكونوا يصلونها في البيوت، بل كان الواحد منهم إذا فاتته الجماعة في مسجده ذهب إلى آخر. قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه: (وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر)([65]).

 

وعن معاوية بن قرّة قال: (كان حذيفة – رضي الله عنه – إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة)([66]). وهكذا فعل سعيد بن جبير رحمه الله تعالى([67]).

 

فيا أخي حافظ على صلاة الجماعة، وكن من عمار بيوت الله تعالى، وبادر لحضور المسجد، ففي ذلك الأجر العظيم، والخير الكثير في الدنيا والآخرة، وإياك والكسل في عبادة عظيمة، هي من أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وستجد – إن شاء الله – ثواب صلاتك، ومحافظتك على الجماعة أحوج ما تكون إليه. والله يتولى الصالحين. .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

 

في أحكام حضور المساجد

 

 

 

وفيه فصلان:

 

الأول: في أحكام الخروج إلى المسجد

 

الثاني: في أحكام حضور المسجد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

 

في أحكام الخروج إلى المسجد

 

"وفيه ثمانية أحكام"

 

الحكم الأول

 

الخروج في أحسن هيئة

 

 

 

الصلاة صلة بين العبد وربه، يقف المصلي بين يدي الله تعالى يناجيه، يقرأ كلامه، ويذكره، ويدعوه، فيلزم أن يكون في هذا الموقف العظيم على أحسن هيئة وأتم حال.

 

ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب والبقعة، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطاً في صحة الصلاة على ما هو مبين في كتب الحديث والفقه.

 

والمقصود هنا الحديث عن مكملات الطهارة التي ينبغي لكل مصلّ أن يتحلى بها قبل الدخول في الصلاة، وذلك لأن كثيراً من المصلين لا يهتم بها ولا يلقي لها بالاً؛ لأن الصلاة تحولت عنده من عبادة إلى عادة، فهو يأتي إليها بهيئة أقل من الهيئة التي يذهب بها إلى مكان عمله، ومما يتعلق بحسن الهيئة ما يلي:

 

أولاً – الزينة الظاهرة.

 

ثانياً – طيب الرائحة.

 

ثالثاً – السواك.

 

أولاً: الزينة الظاهرة، ويراد بها:

 

1) جمال الثياب:

 

فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في الصلاة كلها، من غير تفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار، أو صلاة الفجر وغيرها، إذ ليس المقصود من اللباس هو ستر العورة فحسب، وإنما يراد مع ذلك التجمل للوقوف بين يدي رب العالمين، قال تعالى: ]يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين[([68]).

 

فهذه الآية دليل على وجوب ستر العورة بلبس الثياب عند كل صلاة. والثياب من نعم الله على عباده؛ لما فيها من ستر العورات، وهي – أيضاً – زينة وجمال، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت نظيفة.

 

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية: (ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب؛ لأنه من الزينة، والسواك؛ لأنه من تمام ذلك)([69]).

 

وقال ابن عبد البر: (إن أهل العلم يستحبون للواحد المطيق على الثياب أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه)([70]).

 

وفي الحديث الصحيح: أن النبي e سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"([71]).

 

قال الشوكاني: (الحديث يدل على أن محبة لبس الثوب الحسن والنعل الحسن وتخير اللباس الجميل ليس من الكبر في شيء، هذا مما لا خلاف فيه فيما أعلم . . )([72]).

 

ومن الناس من لا يهتم باللباس عند خروجه للصلاة، بل يصلي بثيابه التي عليه ولو كانت رثة أو لها رائحة كريهة، كقميص المهنة، ورداء العمل، ولا يكلف نفسه بتبديلها، فيؤذي المصلين بدرنها، ويزكم أنوفهم بنتن ريحها، ويلوث فرش المسجد بوسخها، وهذا منهي عنه شرعاً؛ قال تعالى: ]يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . .[([73]).

 

مع أن هذا الإنسان لو أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي، أو أراد الذهاب لمناسبة من المناسبات ما ذهب بهذه الثياب، بل يرتدي أجمل ما يملك، ويتطيب بأحسن ما يجد، حتى لو لقي في المسجد من يكن له احتراماً تأسف على مظهره، وتمنى أنه لو لبس أسن ثيابه، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق ولا يهتم للوقوف أمام الخالق؟ إن هذا دليل على التساهل في شأن الصلاة، وعدم إدراك حقيقتها.

 

فحري بالمسلم أن يستشعر عظمة من يقف بين يديه، ويعرف أنه سيكون في بيت من بيوت الله تعالى، ولا ريب أن الوقوف أمام رب العالمين وزيارة بيته يستدعي حسن المنظر وبهاء الطلعة.

 

أضف إلى ذلك أن لقاء إخوانه المصلين والاجتماع بهم وإظهار المسجد بالمظهر المريح والرائحة الطيبة مما يؤكد جمال المظهر ونظافة الثياب، وذلك مما يعين على العبادة.

 

ومن الناس من لا يهتم بلباس صلاة العشاء الآخرة ولا صلاة الفجر بحجة أن هذه ثياب الليل، وقد يصلي بلباس النوم كالقميص المعروف، ولا يحمّل نفسه عناء تبديلها، وذلك خوفاً على الثياب الثمينة أن تتأثر طياتها ويتبدل صقلها، والناس لا يرون هذا اللباس في هاتين الصلاتين غالباً، وكأن التجمل صار لهام. فهل يتنبه الناس لهذا ولا سيما الشباب؟ لعل وعسى([74]).

 

2) ستر الفخذين:

 

إن ستر الفخذين من زينة الصلاة، سواء قلنا: هما عورة، أم لا؛ لأن زينة الصلاة شيء، والعورة شيء آخر. وهذا داخل في عموم قوله تعالى: ]يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . .[([75]).

 

وبعض الملابس الصيفية تكون شفافة لا تستر الفخذين إذا كان على المصلي سروايل قصيرة، فينبغي التنبه لذلك، وأنه لابدّ من لبس السروايل الطويلة أو تجنب هذا النوع من اللباس؛ لأن ستر العورة شرط في الصلاة، ولابدّ أن يكون الساتر مما لا يصف البشرة؛ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك([76]).

 

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجز الصلاة)([77]).

 

قال في شرح المهذب: (يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها . . )([78]).

 

وكذا ينبغي تنبيه بعض الآباء إلى أنه لا ينبغي لهم أن يلبسوا صبيانهم السروايل القصيرة ويحضروهم إلى المساجد؛ لأن الرسول e قال: "مروهم بالصلاة لسبع"([79])، وهذا يشمل أمرهم بشروطها، ومن ذلك الوضوء وستر العورة وما يكمل ذلك([80]).

 

3) ستر العاتق:

 

العاتق: هو موضع الرداء من المنكب، وهو ما بين المنكب إلى أصل العتق، وستره مطلوب حتى على القول بالاستحباب، فإن ستره من تمام الزينة.

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء". وفي رواية: "عاتقيه"([81]).

 

قال في فتح الباري: (والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقيه؛ ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة)([82]).

 

وإذا ثبت أن العاتقين ليسا من العورة دل على أن الأمر بهذا الستر لحق الصلاة وحرمتها، ولذا يرى فريق من العلماء بطلان الصلاة إذا لم يكن على عاتقي المصلي من ثوبه شيء، وهو المذهب عند الحنابلة، كما في الإنصاف([83]). وعند الجمهور أن هذا للاستحباب، كما نقله الحافظ في الفتح([84])، ولا ريب أن ستر المنكبين زينة وجمال، وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من يتزيّن له"([85]).

 

ومن الخطأ ما يفعله بعض المصلين عندما يصلي بالفنيلة العلاقية ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف؛ لأن الأمر بوضع الثوب على العاتق لقصد الستر، وما كان بهذه الصفة لا يسمى سترة ولا لباساً([86])، وكذا ما يفعله بعض المحرمين عندما يصلي وقد وضع وسط ردائه على رقبته وسدل طرفيه على صدره، فبقي العاتقان مكشوفين، وكذا الظهر والصدر والبطن، وهذا إخلال بالزينة المطلوبة من المصلي.

 

4) ستر الرأس:

 

تقدم أن المطلوب من المسلم أن يدخل في صلاته على أحسن هيئة وأتم حال، لقوله e: "فإن الله أحق من يتزيّن له"، وليس من الهيئة الحسنة والمنظر البهي كشف الرأس في أماكن العبادات، ولا سيما في مجتمع اعتاد أهله أن يستروا رؤوسهم كما في مجتمعنا هذا، وليس كشف الرأس أمراً مقبولاً في أعرافنا وتقاليدنا؛ لأن هذا المجتمع نشأ على عادة ستر الرأس، والمقرر في باب اللباس أن يلبس الإنسان زيّ بلده بشرط التقيد بالضوابط الشرعية، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإنسان مخالفة عادة بلده في اللباس، وأنه قد يدخل في لباس الشهرة، فيشار إليه بالأصابع، وربما كان ذلك يزري به، وينقص مروءته([87]).

 

ومن هنا يتأكد ستر الرأس حال الصلاة؛ لأن ذلك داخل في الزينة المأمور بها في قوله تعالى: ]يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . . .[([88]).

 

ولو قيّد اعتبار ستر الرأس من زينة الصلاة في مجتمع يعتبر ستر الرأس عندهم من الزينة لكان متوجهاً؛ لعموم الآية. أما في مجتمع لا يرى ستره من الزينة فإنه لا يمكن أن نحدد فيه حكماً شرعياً، بل له أن يصلي مكشوف الرأس ولا حرج عليه([89]).

 

ومن الملاحظ أن عادة كشف الرأس قد تسربت إلى بلادنا، وسار عليها ثلة من شبابنا تشبهاً بالآخرين، وعشقاً لما هم عليه من الغث والسمين، وهم يسعون للقضاء على الشخصية الإسلامية وطمس معالمها المهتدية بكتاب الله وسنة رسوله e، وإنه ليمر بك بعض الشباب وقد حسر عن رأسه، فتكره ذلك وتستهجنه؛ لأنه تأثر بغيره وترك زيّ بلده، والله المستعان.

 

5) لا يغطي فاه في الصلاة:

 

وهذا من الآداب التي ينبغي للمصلي التنبه لها والاهتمام بها. وقد روى لنا الصحابي أبو هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله e نهى أن يغطي الرجل فاه([90]). ولا ريب أن التلثم – وهو: تغطية الفم – ليس من الزينة المأمور بأخذها عند الصلاة، بل ليس من الزينة أصلاً.

 

وأما التلثم على الأنف فلا يكره؛ لأن تخصيص الفم بالنهي عن تغطيته يدل على إباحة غيره، وروي عن ابن عمر أنه كرهه([91])، ومن المعلوم أن التلثم على الأنف يلزم منه تغطية الفم غالباً. فعلى المسلم أن يمتثل النهي السابق، إلا لحاجة مثل أن يتثاءب، فإن السنّة أن يضع يده على فيه لقوله e: "إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل"([92]).

 

ومن الناس من يتلثم في صلاته على أنفه وفمه، ولا سيما في أيام الشتاء في صلاة الفجر غالباً. فينبغي التنبه لذلك والتنبيه عليه([93]).

 

الثاني – مما يتعلق بحسن الهيئة:

 

الاهتمام بطيب الرائحة:

 

ومن تمام حسن الهيئة وجمال المظهر أن يكون المصلي طيب الرائحة، بعيداً عن كل ما له رائحة كريهة، سواء كان من الجسم ذاته أو من أسباب خارجية كالثوم والبصل والكراث، فقد نهى الشرع الإنسان إذا تناول شيئاً من ذلك أن يحضر المساجد؛ لما في حضوره من أذية الملائكة والمسلمين. ودرء هذه الأذية العامة أولى من مراعاة مصلحة هذا الشخص بحضور المسجد؛ لأنه هو السبب في تفويت ذلك على نفسه.

 

وقد ورد عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال النبي e: "من أكل من هذه الشجرة – يريد الثوم – فلا يغشانا في مساجدنا"([94]).

 

وعنه – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"([95]).

 

وعنه أيضاً – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وإن النبي e أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: "قربوها" إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها، قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي"([96]).

 

فهذه نصوص صريحة صحيحة تدل بمفهومها على أن الرائحة الطيبة لا بد منها لمن أراد حضور المساجد. وكذا مصلى العيد([97])، وتدل بمنطوقها على أن من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً فهو مأمور باعتزال مساجد المسلمين، وجماعتهم، وعدم قربها، وأنه مأمور من قبل اشرع بالجلوس في منـزله، عقوبة له حيث فوت على نفسه فضيلة الجماعة، ولم يبال بأذية الملائكة، ولم يراع شعور إخوانه المصلين.

 

وينبغي أن يفهم المسلم أن إباحة هذه الخضروات ذوات الرائحة الكريهة ليس دليلاً على عدم وجوب صلاة الجماعة، بحجة أن الجماعة لو كانت واجبة لحرم جميع ما يمنع حضورها. وذلك لأن كون أكلها يحول دون حضور الجماعة ليس لسقوط الطلب عن المكلف بل هو مطالب بالجماعة، ولكنه منع من حضورها وأمر بالقعود في بيته عقوبة له؛ لوجود المانع وهي الرائحة المؤذية، ألا ترى أن حضور الطعام يسوغ ترك الجماعة لمن قدّم بين يديه وهو محتاج له مع كون ذلك مباحاً، أما إذا أراد إنسان أن يتخذ أكل هذه البقول حيلة لترك الجماعة والصلاة في بيته فإن ذلك يحرم عليه([98]).

 

وهذا الحكم، وهو نهي من أكل ثوماً وبصلاً أن يدخل مساجد المسلمين، خاص بالنبي لأجل رائحته. وأما الثوم المطبوخ الذي ذهبت رائحته فلا مانع منه، لكن إن لم تذهب بقي الحكم، فإن الحكم إذا لم يكن له إلا علة واحدة فإنه يدور معها وجوداً وعدماً، والشرع علل ذلك بالأذية فمتى وجدت الأذية ترتب الحكم([99]).

 

وعن قرّة – رضي الله عنه -: أن رسول الله e نهى عن هاتين الشجرتين وقال: "من أكلهما فلا يقربن مسجدنا" وقال: "إن كنتم لا بدّ آكليهما فأميتوهما طبخاً" قال: يعني البصل والثوم([100]).

 

وهذا النهي عن حضور المسجد ليس خاصاً بالجزء الداخلي منه، بل رحبة المسجد وساحته كذلك؛ لأنها من المسجد، وقد ورد عن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت نبي الله e إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً([101]).

 

وإذا كان هذا هو الحكم الشرعي في أكل الثوم والبصل والكراث، وهي من المباحات؛ فكيف يكون حكم شرب الدخان ونحوه وهو محرم شرعاً إذا حضر شاربه مساجد المسلمين وآذاهم برائحته، وقبل ذلك آذى الملائكة المكرمين، وكيف يناجي ربه بتلاوة كلامه وذكره ودعائه بهذا الفم ذي الرائحة الكريهة؟

 

إن شارب الدخان داخل تحت عموم  النهي عن حضور المسجد لمن أكل ثوماً من باب أولى؛ لوجود العلة وهي الأذية بصورة أعظم من أذية أكل الثوم، بل إن شارب الدخان بالإضافة إلى أذيته قد تلبس بأمر محرم مصرّاً عليه؛ لأنه مضر بالصحة بإخبار الأطباء المعتبرين، وفيه إضاعة المال، وهو مسكر تارة ومفتر أخرى، ولا أدري كيف يرضى هذا المسلم بأذية إخوانه في مساجدهم برائحة جسم أو ثيابه أو فمه، مما يجعلهم يتضايقون من مجاورته في الصلاة، فيكون سبباً في عدم خشوعهم وتلذذهم بمناجاة الله تعالى، وقد قال النبي e: "من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليهم لعنتهم"([102])، فإذا كان هذا في الطرق فكيف يكون الإيذاء في المساجد؟؟

 

الثالث: السواك

 

وهو من مكملات الطهارة، لأنه تنظيف للفم مما علق به من أوساخ تسبب الروائح الكريهة، وقد اعتنى الشارع بالسواك عند الصلاة، ورغب فيه النبي e قولاً وفعلاً.

 

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي رواية لمالك: "عند كل وضوء"([103]).

 

وعنه e أنه قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"([104])، فهو مرضاة للرب تبارك وتعالى من جهة أن الإتيان بالمندوب امتثالاً موجب للثواب، ومن جهة أنه مقدمة للصلاة، والصلاة مناجاة، ولا ريب أن طيب الرائحة يحبه صاحب المناجاة، وهو مطهرة للفم، لأنه الطريقة المثلى لتنظيف الأسنان والفم، وقد وجد العلماء فائدة ومفعول السواك بعد أربعة عشر قرناً من ذكر المصطفى e لتلك الحقيقة، وثبت بعد الدراسات والأبحاث التي أجريت على السواك أنه يحوي جميع المواد المطهرة القوية التي تساعد على الفتك بالجراثيم التي تتسبب في أمراض الفم واللسان.

 

كما ثبت أنه يفوق الفرشاة والمعجون، ولا يوجد معجون للأسنان يحتوي على المواد التي يحويها السواك، بل ثبت أن أغلب المعاجين الموجودة في السوق تجارية ورخيصة لا يقصد بها إلا الربح، وقد لا يستفيد منها الفم واللثة.

 

ولا فرق في استحباب السواك عند الصلاة بين الفريضة والنافلة، حتى صلاة الصائم بعد الزوال، كالظهر والعصر يتأكد فيها السواك على أرجح الأقوال، لعموم أدلة الحث على السواك عند الصلاة كحديث أبي هريرة المتقدم.

 

فإذا كان السواك مطهرة للفم مرضاة لله تعالى فحري بالمسلم والمسلمة أن يهتم كل منهما به عند الصلاة فرضاً كانت أو نفلاً، فإن من الناس من لا يقيم للسواك وزناً، إما للجهل بقدره أو التساهل، والتساهل عند النساء أكثر، فليحرص المسلم على ما يحبه مولاه ويقربه إليه ويستاك حتى عند النافلة، فإن من الناس من يتساهل به ولا سيما في النافلة التي بعد الصلاة([105]).

 

الحكم الثاني

 

المبادرة بالحضور إلى المسجد

 

 

 

اعلم أن نصوص الشريعة قد وردت بالحث على المبادرة بالأعمال الصالحة، والمسارعة لأداء الواجبات، ومنها حضور المساجد والجلوس فيها لانتظار الصلاة. وتضمنت هذه النصوص ما أعد الله تعالى من الفضل والتكريم لمن اتصف بهذه الصفة العالية التي تدل على رغبة صاحبها في فعل الخيرات والمسارعة لنيل القربات.

 

قال الله تعالى: ]وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين[([106]).

 

وقال تعالى: ]فاستبقوا الخيرات[([107]).

 

وقال تعالى عن الصفوة من عباده: ]يسارعون في الخيرات[([108]).

 

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وجهاد ونفع متعدّ وقاصر)([109]).

 

إن التبكير إلى المساجد وانتظار إقامة الصلاة والاشتغال بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة ومن أعظم الخيرات، ولقد أجمل النبي e الثواب العظيم في التكبير بقوله عليه الصلاة والسلام: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه . . ." الحديث([110])، ويأتي بتمامه إن شاء الله.

 

قال النووي: (التهجير: التبكير إلى الصلاة، أيّ صلاة كانت. قال الهروي وغيره:وخصه الخليل بالجمعة، والصواب المشهور: الأول)([111]).

 

وقال ابن أبي حمزة: (فيه دليل على أن المسابقة تكون حساً ومعنى. فهنا تكون معنى لا حساً، فإن المسابقة على الأقدام حساً تقتضي الجري والسرعة. والجري هنا والسرعة ممنوعان من حديث آخر . . . فلم يبق هنا إلا أن تكون معنى وهي الشغل بمراقبة الوقت)([112]).

 

إن المبادرة إلى المساجد دليل على تعظيم الصلاة وتعلق القلب بالمسجد، وعلى قدر الطاعة عموماً في نفس المصلي، وعلى أن الصلاة مقدمة عنده على كل شأن من شؤون حياته، وهذا – والله – عنوان الفلاح وعلامة الصلاح. قال الله تعالى: ]في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال    (36) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار(37) ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب[([113]).

 

إن الإنسان ما دام حياً فهو مشغول بجسمه وعقله كلّ بحسب حاله. ولكن لا شغل عند حضور الصلاة عن الصلاة لمن وفقه الله تعالى لطاعته ورزقه تعظيم شعائره، فقدم طاعة مولاه ومراده ومحبته على مراده ومحبته، فسارع إلى الخيرات ونافس في نيل القربات، وازداد يقينه بأن من تعظيم الصلاة الإتيان إلى المسجد قبل الإقامة.

 

ولقد كان السلف الصالح على حرص شديد على صلاتهم، يبادرون إليها مهما كان الأمر؛ لأنهم عرفوا قدرها عند خالقهم، فصار ذلك سجبة لهم وخلقاً، وإليك طرفاً من أخبارهم، فنعم القدوة هم بعد  نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.

 

ذكر الإمام ابن المبارك عن عدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: (ما دخل وقت صلاة قط حتى اشتاق إليها)([114]).

 

ولم يكن – رضي الله عنه – يشتاق إلى الصلاة فحسب، بل كان يستعد لها ويحضر إلى المسجد قبل الإقامة، فقد ذكر الحافظ الذهبي عنه أنه قال: (ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء)([115]).

 

وهذا الأحنف بن قيس – رحمه الله – قيل له: إن فيك أناة شديدة! فقال: (قد عرفت من نفسي عجلة في صلاتي إذا حضرت حتى أصليها)([116]).

 

وكان سعيد بن المسيب – رحمه الله – يحضر المسجد قبل الأذان واستمر على ذلك مدة لا تقل عن ثلاثين سنة؛ فقد روى الإمام ابن أبي شيبة عن سعيد ابن المسيب قال: (ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد)([117]).

 

ونقل ابن سعد عنه أنه قال: (ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة)([118]).

 

ولم تفته صلاة الجماعة طيلة أربعين سنة، فقد روى ابن سعد – أيضاً – عنه أنه قال: ما فاتته صلاة الجماعة منذ أربعين سنة ولا نظر في أقفائهم([119]).

 

وكان الأعمش رغم كبر سنه يحرص على التكبيرة الأولى. فقد قال وكيع: (اختلفت إليه قريباً من سنتين ما رأيته يقضي ركعة، وكان قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى)([120]).

 

وكان المحدث الثقة بشر بن الحسن يقال له: (الصفّي)؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة([121]).

 

وهذا إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة المحدثين الثقات من أصحاب عطاء بن أبي رباح، وكانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة. قالوا: (كان فقيهاً فاضلاً من الأمّارين بالمعروف). قال ابن معين: (كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردّها)([122]).

 

قال قاضي الشام سليمان بن حمزة المقدسي، وهو من ذرية ابن قدامة صاحب كتاب "المغني": (لم أصلّ الفريضة قط منفرداً إلا مرتين، وكأني لم أصلهما قط) مع أنه قارب التسعين([123]).

 

فضائل المبادرة إلى المسجد وفوائدها

 

 

 

جاءت النصوص في فضل التبكير إلى المسجد، وبيان ما رتب الله تعالى على ذلك من الأجر العظيم، وما يحصل من الفوائد الجمة التي يظفر بها كل من بادر، مما يجعل المسلم ينهض مسارعاً لأداء فريضة الله إذا سمع منادي الله يدعوه: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، متخلياً عن مشاغله، فرحاً بحلول وقت المناجاة.

 

وإن المتأمل في هذه الفضائل والفوائد ليرى عظيم فضل الله تعالى وسعة رحمته بعباده الصالحين الذين لبوا النداء ونهضوا إليه مبادرين، فأثابهم الله على حسن صنيعهم وزادهم من فضله.

 

وهذه – أخي المسلم – نبذة لا بأس بها في فضائل وفوائد المبادرة جمعتها من النصوص وذيلتها بكلام أهل العلم – رحمهم الله – أضعها في العناوين التالية، راجياً من الله تعالى أن يجعلها نافعة. فمنها:

 

الاتصاف بصفة من يظلهم الله في ظله:

 

إن من السعداء في الدار الآخرة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الرجل الذي تعلق قلبه بالمسجد، فأحبه حباً شديداً، إذا أدى فريضة انتظر الأخرى، يصلي مع الجماعة، ويبادر إلى الحضور. فالمبادرة وتعلق القلب في المسجد أمران متلازمان، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". فذكر منهم: "ورجل قلبه معلق بالمساجد" وفي رواية الإمام مالك: "ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه"([124]).

 

قال ابن عبد البر في التمهيد: (هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها إن شاء الله. وحسبك فضلاً؛ لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف . . )([125]).

 

ويقول الإمام النووي في شرح قوله e: "ورجل قلبه معلق في المساجد": (معناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها. وليس معناه: دوام القعود فيها)([126]).

 

أن المبادر في صلاة ما انتظر الصلاة:

 

إن مما يدل على فضل صلاة الجماعة وفضل المبادرة بحضور المسجد أن من خرج إليها فهو في صلاة طال الوقت أو قصر. وهذا فضل من الله ورحمة. دل على ذلك ما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة . .".

 

وفي رواية: "إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم رحمه. ما لم يقم من مصلاه أو يحدث . . "([127]).

 

ورواه مالك موقفاً عن نعيم المجمر أنه سمع أبا هريرة – رضي الله عنه – يقول: (إذا صلّى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة، لم يزل في صلاة حتى يصلي)([128]).

 

قال ابن عبد البر: (في هذا الحديث دليل على أن فضل منتظر الصلاة كفضل المصلي؛ لأنه معلوم أن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه" لم يرد به أن ينتظر الصلاة قائم ولا أنه راكع ساجد؛ وإنما أراد أن فضل انتظار الصلاة بالقصد إلى ذلك وبالنية فيه كفضل الصلاة، وأن منتظرها كالمصلي في الفضل، ولله أن يتفضل بما شاء على من يشاء فيما شاء من الأعمال، لا معقب لحكمه ولا راد لفضله، ومن الوجه الذي عرفنا فضل الصلاة فيه عرفنا فضل انتظارها، وقد علم الناس أن المصلي في تلاوته وقيامه وركوعه أتعب من المنتظر للصلاة ذاكراً كان أو ساكتاً، ولكن الفضائل لا تدرك بنظر، ولا مدخل فيها لقياس، ولو أخذت قياساً لكان من نوى السيئة كمن نوى الحسنة، ولكن الله منعم كريم، متفضل رحيم، يكتب الحسنة بالنية وإن لم تعمل، فإن عملت ضعفت عشراً إلى سبع مائة، والله يضاعف لمن يشاء، ولا يؤاخذ عباده المسلمين بما وسوست به صدورهم، ونووا من الشر ما لم يعملوه، وهذا كله لا مدخل فيه للقياس)([129]).

 

وقال أيضاً: (هذا الحديث من أفضل ما يروى في فضل المنتظر للصلاة؛ لأن الملائكة تستغفر له، وفي استغفارهم له دليل على أنه يغفر له – إن شاء الله – ألا ترى أن طلب العلم من أفضل الأعمال. وغنما صار كذلك – والله أعلم – لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار . . .)([130]).

 

واعلم أن في الموقوف الذي رواه مالك – رحمه الله – فائدة مهمة، وهي أن قوله في رواية البخاري: "ما لم يقم من مصلاه" خرج مخرج الغالب. والمراد به المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد. فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك – إن شاء الله تعالى – ولا سيما إن كان لغرض يعينه على الانتظار كالانتقال من مكان بارد إلى دافئ أو من حار إلى بارد، أو ليستند إلى حائط ونحو ذلك. بل إن قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا في صلاة ما انتظر الصلاة" يفيد هذا المعنى، والله أعلم([131]).

 

وقد جعل الله تعالى انتظار الصلاة بعد الصلاة من أسباب محو الذنوب وتطهير العبد من خطاياه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "ألا دلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط"([132]).

 

فالحديث بعمومه يفيد فضل انتظار الصلاة، والمبادرة بحضور المسجد. فإن الانتظار يشمل انتظار الوقت وانتظار الجماعة، كما يشمل انتظارها في المسجد بالحضور مبكراً، وانتظارها في البيت أو الشغل أو السوق ليبادر بالحضور، وذلك لتعلق فكره وقلبه بها، فهو دائم الحضور والمراقبة غير ملته عن أفضل العبادات البدنية بشيء([133]).

 

وتأمل كيف شبه النبي e هذه الأعمال الثلاثة بالرباط الذي هو الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها. مما يؤكد فضل هذه الأعمال وعظيم مكانتها عند الله تعالى.

 

وقد ورد – أيضاً – في فضل المبادرة إلى المسجد التي من لوازمها توطن المسجد حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم"([134]).

 

قال ابن الأثير: (البشّ: فرح الصديق بالصديق، واللطف في المسألة والإقبال عليه)([135]). وقد بوب ابن خزيمة على هذا الحديث بقوله: (باب ذكر فرح الربّ تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً)([136]).

 

صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له:

 

قال الله تعالى: ]هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما[([137]).

 

فهذه نعمة عظيمة أنعم الله بها على عباده الطائعين تستدعي منهم شكرها والإكثار من ذكر الله تعالى الذي لطف بهم ورحمهم وجعل ملائكته يستغفرون لهم. فكان ذلك سبباً في هدايتهم وإخراجهم من ظلمات الذنوب والجهل إلى نور الإيمان والتوفيق والعلم والعمل([138])، والصلاة من الله تعالى: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة: الدعاء والاستغفار([139]).

 

إن الله تعالى قد كلف الملائكة بالدعاء للذين يؤمون المساجد للصلاة ويجلسون فيها منتظرين الإقامة، أو يمكثون في مصلاهم بعد الصلاة قائلين: اللهم اغفر له! اللهم ارحمه. كما تقدم في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.

 

فانظر – أخي المسلم – إلى قدرك عند الله تعالى إذا أطعته؛ كلف ملائكته المقربين بالدعاء لك والصلاة عليك، ما أعظمها من نعمة وأكبرها من منحة!!

 

المشي إلى المسجد بسكينة:

 

إن من فوائد التبكير لحضور الصلاة أن المصلي يمشي إليها بسكينة ووقار، لسعة الوقت. أما الذي يأتي متأخراً فإنه يسرع، ولا يصل المسجد إلا وقد حفزه النفس، وهذا أمر ملاحظ. وسيأتي الكلام على هذا الأدب قريباً عن شاء الله.

 

دخول المسجد داعياً:

 

وهذه فائدة أخرى، فإن المبكر للصلاة يتمكن من الإتيان بالدعاء المأثور عند دخول المسجد؛ لأنه لا يخاف فوت الصلاة فيسرع ويخل بهذا الدعاء، وسأذكر ذلك إن شاء الله تعالى.

 

تحصيل الصف الأول:

 

في الصف الأول فضل عظيم دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فهو على مثل صف الملائكة. والله تعالى وملائكته يصلون على الصفوف الأولى، وقد صلى النبي الكريم e على الصف الأول والثاني. وهذه الفضائل لا يظفر بها إلا من سارع لحضور الجماعة، وتقدم للصف الأول، كما سيأتي ذكره إن شاء الله.

 

تحصيل ميمنة الصف:

 

إن تحصيل ميمنة الصف والدنو من الإمام لا يكون لمن جاء متأخراً، فإن أردت فضيلة ميمنة الصف فعليك بالمبادرة؛ لأن جهة يمين الإمام أشرف وأفضل من جهة يساره؛ ولهذا لما قام ابن عباس – رضي الله عنهما – عن يسار النبي e أخذ بيده حتى أقامه عن يمينه، وقد بوب البخاري – رحمه الله – على حديث ابن عباس بقوله: "باب: ميمنة المسجد والإمام" قال ابن رجب – رحمه الله -: "ويستدل بذلك على أن جهة يمين الإمام للمأمومين الذين يقومون خلف الإمام أشرف وأفضل من جهة يساره"([140]).

 

ولقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يحبون أن يكونوا عن يمين رسول الله e إذا صلوا؛ يقول البراء – رضي الله عنه -: كنا إذا صلينا خلف رسول الله e أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: "رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك"([141]).

 

يقول العلامة محمد شمس الحق تعليقاً على كلام البراء – رضي الله عنه -: (لكون يمين الصف أفضل، ولكونه عليه الصلاة والسلام يقبل علينا بوجهه عند السلام أولاً قبل أن يقبل على من يساره)([142]).

 

الدعاء بين الأذان والإقامة:

 

من مواطن إجابة الدعاء: الدعاء بين الأذان والإقامة، وذلك – والله أعلم – لشرف الوقت. فعلى المسلم أن يبادر بالحضور إلى المسجد ويدعو بين الأذان والإقامة؛ لعل الله أن يستجيب له؛ فإن من ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، لأن الله تعالى يقول: ]أدعوني استجب لكم[ وقد ورد عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة" وعند أحمد وابن خزيمة: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فادعوا"([143]).

 

ومثل هذا مقيد بما إذا اجتمعت شروط الدعاء وآدابه، وما لم يكن دعاء بإثم ولا قطيعة رحم، والله اعلم.

 

الصلاة قبل الإقامة:

 

عن عبد الله بن مغفل – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة"، ثم قال في الثالثة: "لمن شاء"([144]).

 

وهذا الحديث دليل على استحباب النافلة بين الأذان والإقامة؛ لأن المراد بالأذانين: الأذان والإقامة؛ لأن الأذان إعلام بحضور الوقت، والإقامة أذان بفعل الصلاة.

 

والصلاة قبل الإقامة قد تكون تحية المسجد، وقد تكون نفلاً مطلقاً أو مقيداً. وعن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله e: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان"([145]).

 

إن الصلاة قبل الإقامة حمى للفريضة، وذريعة للمدوامة عليها؛ لأن النوافل رياضة للنفس، يستدعي القيام بها أداء الفرض على أكمل وجه، فمن أدى النوافل استمر على الفرائض، ومن قصر في النوافل فهو عرضة لأن يقصر في الواجب، وهذا ملاحظ، والتوفيق من الله([146]).

 

إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام:

 

من ثمار المبادرة إلى المسجد: إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وفي ذلك ثواب عظيم، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق"([147]).

 

قال الطيبي في شرح الحديث: يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق، ويوفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه مما يعذب به المنافق، أو يشهد له أنه غير منافق، فإن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، وحال هذا بخلافهم)([148]).

 

قال النووي في شرح المهذب: (يستحب المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، بأن يتقدم إلى المسجد قبل وقت الإقامة . . . ) ثم قال: (واختلف أصحابنا فيما يدرك به فضيلة تكبيرة الإحرام على خمسة أوجه: أصحها: بأن يحضر تكبيرة الإمام، ويشتغل عقبها بعقد صلاته من غير وسوسة ظاهرة، فإن أخر لم يدركها . . )([149]).

 

ومما يدل على ذلك أن من أهل العلم من قال: إذا أقيمت الصلاة وهو في نافلة قطعها، ليدرك الفريضة من أولها. وسيأتي – إن شاء الله تعالى – الكلام على هذه المسألة.

 

التأمين مع الإمام:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال: "إذا قال الإمام: ]غير المغضوب عليهم ولا الضالين[ فقولوا: آمين، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"([150]).

 

وعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: إن رسول الله e خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: ]غير المغضوب عليهم ولا الضالين[ فقولوا: أمين، يجبكم الله"([151]).

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه أن النبي e قال: "إذا أمّن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"([152]).

 

إن في التأمين وراء الإمام ثواباً عظيماً وخيراً كثيراً لا يحصل لمن صلى منفرداً.

 

فأولاً: أن الملائكة تؤمّن مع المصلين. والمراد بهم – والله أعلم – من أذن لهم بالتأمين مع الإمام، لا جميع الملائكة، فيما يظهر([153]).

 

وثانياً: أن من وافق تأمينه تأمين الملائكة وصادفه في الزمن غفر له ما سبق من الذنوب.

 

وثالثاً: أن الله تعالى يستجيب دعاءهم.

 

وهذه الأمور الثلاثة تدل على فضل التأمين والاهتمام به. وهذا إنما يكون بالتقدم إلى المسجد وحضور تأمين الإمام، وانظر إلى هذا القول اليسير الذي لا كلفة فيه كيف ترتبت عليه هذه الفضائل وأهمها مغفرة الذنوب واستجابة الدعاء! وهذا فضل من الله ونعمة([154]).

 

وقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي e قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين"([155]).

 

وظاهر قوله في الحديث المتقدم: "إذا أمّن الإمام فأمّنوا" أن تأمين المأموم يتأخر عن تأمين الإمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء، لكن حديث "إذا قال الإمام ]غير المغضوب عليهم ولا الضالين[ فقولوا: آمين" يدل على اقتران تأمين المأموم بتأمين الإمام، ليقارن تأمين الملائكة في السماء، وذلك لأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه، ويكون معنى قوله: "إذا أمّن الإمام فأمّنوا" أي: إذا شرع في التأمين، وهذا قول الجمهور. ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ "إذا قال الإمام: ]غير المغضوب عليهم ولا الضالين[ فقولوا: آمين فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"([156]). فعلل باقتران تأمين الإمام والملائكة.

 

ولذا قال العلماء: لا تستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير التأمين، والله أعلم([157]).

 

الصلاة بخشوع:

 

أعلم أن الله تعالى أثنى في كتابه العظيم على الخاشعين في صلاتهم. ووعدهم أجراً عظيماً فقال تعالى: ]قد أفلح المؤمنون(1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون (10) يرثون الفردوس هم فيها خالدون (11)[([158]).

 

ولقد بين النبي e أثر الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها؛ فقال – عليه الصلاة والسلام – في بيان فضل الوضوء وثوابه: "فإن هو قام، وصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه"([159]).

 

وعن عمار بن ياسر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله e يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها"([160]).

 

وإن هذا وغيره يحمل المسلم على أن يخشع في صلاته ويقبل على الله تعالى، محاولاً قدر استطاعته التجرد عن كل ما يشغله ويحول بينه وبين الخشوع. يقول ابن كثير – رحمه الله -: ( . . والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي e: "حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة . . ")([161]).

 

وتعتبر المبادرة لحضور المسجد والانقطاع عن مشاغل الدنيا ومتاعبها في تلك اللحظات من أسباب الخشوع في الصلاة وإقبال المصلي على ربه. فإن المصلي كلما طال لبثه في المسجد واشتغل بالصلاة والقراءة والذكر والدعاء قبل إقامة الفريضة حضر قلبه، وسكنت جوارحه، ووجد نشاطاً وراحة وروحاً، فهو يقول: أصلي فأستريح بصلاتي، كما قال النبي e: "يا بلال أرحنا بالصلاة"([162]).

 

وإنك لترى علامات الهدوء والطمأنينة بادية على وجوه المبادرين حتى إنهم آخر أهل المسجد خروجاً في الغالب، وهم أولهم دخولاً، وانظر إلى حال المتأخرين الذين تفوتهم الصلاة أو بعضها فهم أسرع الناس خروجاً، مما يدل على أن للمبادرة والبقاء في المسجد لانتظار الفريضة أثراً كبيراً.

 

وبعد . . فهذه نبذة لا بأس بها في فضائل المبادرة لحضور الصلاة، لعلك بعد قراءتها أو سماعها تشمر مع المشمرين، راغباً إلى الله تعالى أن يحقق لك هذه الفضائل، ويمنحك هذه الفوائد، فتكون من المفلحين.

 

الحكم الثالث

 

الدعاء عند الخروج إلى الصلاة

 

إذ ارتدى المصلي ثيابه النظيفة واهتم برائحته وسواكه وخرج من بيته إلى المسجد سنّ له أن يدعو بدعاء النبي e الذي ورد في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: رقدت عند رسول الله e فاستيقظ فتسوك، وتوضأ، وهو يقول: ]إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب[([163]). فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اعطني نوراً . . . "([164]).

 

واعلم أخي المسلم أن هذا الدعاء ورد عن النبي e في مواطن أخرى غير وقت الخروج إلى المسجد، فقد ورد في بعض الروايات عند مسلم: (فجعل يقول في صلاته أو في سجوده)، وعند البخاري في الدعوات: (فصلى ولم يتوضأ، وكان يقول في دعائه)، وعند الترمذي: (سمعت رسول الله e حين فرغ من صلاته . . ) الحديث، وفيه زيادات.

 

وهذه الروايات كلها ثابتة، وطريق الجمع بينها أن يدعو المسلم بهذا الدعاء في هذه المواضع كلها، كما أفاد ذلك الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الأذكار"([165]).

 

وهذه قاعدة في كل عبادة ترد على وجوه متنوعة ثابتة، كأدعية الاستفتاح، وصيغ التشهد، وأدعية الرفع من الركوع، وغير ذلك، فالأفضل أن يفعل هذا تارة، ويفعل هذا تارة؛ ليكون عاملاً بالسنة، وإن كان بعض الأنواع أرجح وأفضل([166]).

 

وأحسب أن هذا الدعاء من السنن المهجورة اليوم، التي قلما يفطن لها كثير من الناس، لاسيما وأنه يحتاج إلى حفظ، فينبغي حفظه والاعتناء به؛ فإنه دعاء عظيم؛ لأنه دعاء بالعلم والهداية، والمسلم إذا اجتمع له نور الفطرة ونور الإيمان ونور العلم حاز الخير كله، وليس كل أحد يصلح لذلك. قال تعالى: ]. . . يهدي الله لنوره من يشاء . . .[([167]).

 

قال النووي – رحمه الله – في شرح صحيح مسلم: (قال العلماء: سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به: بيان الحق وضياؤه والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه)([168]).

 

هذا وقد ذكر النووي في كتابه: (الأذكار) أن المصلي إذا خرج من بيته يضم هذا الدعاء إلى الأدعية الواردة فيما يقول من خرج من بيته إلى أي موضع([169]). قلت: ولا سيما إذا كان المسجد بعيداً.

 

ومن ذلك ما ورد عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: ما خرج النبي e من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضِلّ أو أضَلّ، أو أزِل أو أزَلّ، أو أظِلم أو أظلَم، أو أجهل أو يجهل علي"([170]).

 

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: باسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله". قال: "يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت. فتتنحى له الشياطين. فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟"([171]).

 

الحكم الرابع

 

الذهاب إلى المسجد ما شياً

 

اعلم أنه قد ورد الأجر العظيم في المشي إلى المسجد، وأن أعظم المصلين أجراً أبعدهم منـزلاً. وقد نص فقهاؤنا – رحمهم الله – على أنه يسن مقاربة الخطا، وعدم العجلة في الذهاب إلى المسجد؛ لتكثر حسنات الماشي إليه، استناداً إلى النصوص الشرعية الدالة على فضل كثرة الخطا إلى المساجد.

 

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباع الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرّباط، فذلكم الرباط"([172]).

 

وعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام"([173]).

 

فهذا الحديث وما قبله دليل على فضل المنـزل البعيد عن المسجد؛ لحصول كثرة الخطا الذي من ثمرته حصول الثواب، وكثرتها تكون ببعد الدار، كما تكون بكثرة التردد إلى المسجد.

 

وعن أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منـزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله e: "قد جمع الله لك ذلك كله"([174]).

 

فانظر أخي المسلم إلى هذا الثواب العظيم من الرب الكريم، حيث دل الحديث على إثبات الأجر في الخطا في الرجوع من الصلاة كما في الذهاب إليها، ولهذا آثر الصحابي – رضي الله عنه – المشي على قدميه مع بعد داره عن المسجد.

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع حسنة"([175]).

 

وعن بريدة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "بشر المشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة"([176]).

 

قال في دليل الفالحين: ( الظلم: بضم ففتح: جمع ظلمة. وهي تعم ظلمة العشاء والفجر. وفي الحديث فضل المشي إلى الصلاة سواء كان المشـي طويلاً أو قصيراً، وفضل المشـي إليها للجماعات في ظلم الليل) أ هـ([177]).

 

وهذا الفضل ثابت – إن شاء الله – لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة، ولو كانت الطرق مضاءة؛ لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل، والله أعلم.

 

فهذه الأحاديث وغيرها فيها حث للمسلم على أن يجتهد في إتيان المسجد ماشياً لا راكباً ولو كانت داره بعيدة، ما لم تكن مشقة أو عذر ككبر ونحوه، وألا يعوّد نفسه ركوب السيارة، إذا كان المسجد تصله القدم بلا مشقة.

 

ومع هذه الفضائل العظيمة في المشي إلى المسجد من محو الخطايا ورفع الدرجات والأجر العظيم والنور التام يوم القيامة؛ فإن هناك فوائد أخرى عظيمة تعود على البدن:

 

إن المشي إلى المسجد هو رياضة بحد ذاته، وفوائده لا تحصى؛ لأن الجسم كله يتحرك ويعمل في المشي، له دور كبير في تعزيز مناعة الجسم وتقويته وتنشيطه بإذن الله تعالى؛ ليكون أهلاً لمقاومة الأمراض وأكثر العلل والآفات.

 

إن السعي إلى بيوت الله تعالى كلّ يوم في أوقات معلومة متقطعة يكفي لتمرين العضلات وتنشيط الأوصال وتحسين حالة الجسم العامة، كما أن المشي إلى المساجد يساهم في الوقاية من الأمراض التي سببها الخمول وكثرة الجلوس وعلى رأسها السّمن؛ لأن المشي يعمل على إذابة الشحوم والدهون. كما أن المشي علاج لأمراض القلب حيث إنه يعطي القلب – بإذن الله – القدرة على العمل وتحمل الجهود، حيث تكون الدورة الدموية أكثر انتظاماً.

 

كما أن المشي إلى المسجد علاج للتعب الذهني والتفكير الطويل؛ إذ أنه يعيد العقل إلى حالته الطبيعية، ويساعد على الاسترخاء العصبي والعضلي.

 

وبالجملة ففي المشي إلى بيوت الله تعالى من الفوائد الصحية الشيء الكثير مما أبان عنه الطب الحديث، وهي فوائد عاجلة ينعم الله تعالى بها على عبده المؤمن في الدنيا حيث لبى النداء وأجاب داعي الله. وهناك الأجر العظيم والنور التام في الدار الآخرة إن شاء الله([178]).

 

الحكم الخامس

 

المشي بسكينة ووقار

 

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"([179]).

 

وعنه – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا ثوّب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة"([180]).

 

وعنه أيضاً – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا ثوّب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش، وعليه السكينة والوقار، فصلّ ما أدركت، واقض ما سبقك([181]).

 

إن هذه النصوص تبين أدب الحضور لأداء الصلاة، وأن المصلي يمشي إليها بسكينة ووقار، والسكينة هي: التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.

 

ولا ريب أن المسلم إذا حضر المسجد بهذه الصفة فقد حاز على ثلاثة أمور:

 

الأول: الراحة والطمأنينة؛ لأنه إذا أسرع ودخل الصلاة على هذه الحال فإنه يثور نفسه، فلا يحصل له تمام الخشوع في القراءة وغيرها، وهذا ملاحظ، بخلاف ما إذا دخلها وهو ساكن مرتاح فإنه إلى الخشوع والخضوع أقرب.

 

الثاني: امتثال قوله e: "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة". أي: أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.

 

الثالث: كثرة الخطا إلى المسجد، وهذا لا يتأتى مع السرعة. وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث، كقوله e: "إن لكم بكل خطوة درجة"([182]).

 

وعن سعيد بن المسيّب قال: حضر رجلاً من الأنصار الموت فقال: إني محدثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا احتساباً؛ سمعت رسول الله e يقول: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد. فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة، كان كذلك"([183]).

 

فعلى المصلي أن يخرج إلى صلاته بسكينة ووقار، وأن يجتنب العبث في طريقه إلى المسجد، فلا يتكلم بكلام قبيح؛ لأنه في هذا الموضع أقبح. ولا ينظر على ما لا يحل له، ولا يتعاطى ما يكره، فكل ذلك يتعين اجتنابه، وهو في هذا الموضع أهم.

 

واعلم أن هذه الأحاديث التي فيها الأمر بالمشي إلى الصلاة والنهي عن الإسراع عامة في جميع الأحوال، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو فوات ركعة، أو فوات الجماعة بالكلية، أو لا يخاف شيئاً من ذلك. كما أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، وهذا هو الصواب إن شاء الله؛ لأن النصوص عامة لم تستثن حالة واحدة، ولا يجوز لأحد أن يخصص نصاً إلا بدليل، بل قد ورد ما يدل على العموم، وهو ما جاء عن قتادة عن أبيه قال: بينما نحن جلوس مع النبي e إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: "ما شأنكم"؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: "فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتـموا"([184]).

 

فهذا حديث عام غير مخصّص بسماع الإقامة، وهو دال على العموم في جميع الأحوال، وفي جميع الصلوات، كما تقدم.

 

وأما ما ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسرعون إذا سمعوا الإقامة فلعله محمول على أنه لم يبلغهم النهي، ومن لم يبلغه النص لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه.

 

إن أكثر الداخلين إلى المساجد يخلّون بهذا الأدب فتراهم إذا ركع الإمام يسرعون فيشوشون على أنفسهم، بالعجلة وعدم التأني، وعلى غيرهم من المصلين بأصوات أحذيتهم وحركات أرجلهم، وإعلامهم الإمام بدخولهم لينتظرهم، وهذا مخالف للهدي النبوي: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، ولا يعد المشي بهدوء استهانة بالصلاة كما يفهمه بعض الناس، بل هذا عين الاهتمام بالصلاة، فإن الإنسان في صلاة منذ خروجه من منـزله للصلاة.

 

فإن قال قائل: وما معنى قوله تعالى ]يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله . . .[([185]) مع حديث: "فلا تأتوها وأنتم تسعون"؟

 

فالجواب – والله أعلم – أن المراد بالسعي في الحديث: الإسراع والعدو، بدليل مقابلة السعي بالمشي في قوله: "وأتوها وأنتم تمشون"، فيكون الحديث نهياً عن الإسراع.

 

وأما السعي في الآية الكريمة فهو: المضيّ والذهاب. يقال: سعيت في كذا أو إلى كذا: إذا ذهبت إليه وعملت فيه. قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه في كتاب الجمعة: (باب المشي إلى الجمعة. وقول الله جل ذكره: ]فاسعوا إلى ذكر الله[، ومن قال: السعي: العمل والذهاب؛ لقول الله تعالى: ]وسعى إليها سعيها [) ثم ذكر حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون" وتقدم بلفظ آخر، وإيراد البخاري حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في هذا الباب بعد الآية يشعر بأنه يرى أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، كما ذكره الحافظ في الفتح([186]). وعلى هذا يكون المراد بالسعي في الآية – والله أعلم – هو المضي إلى الجمعة والذهاب إليها، مع الجد والمبادرة ومراعاة ما جاء في السنة من السكينة والوقار، قال الراغب الأصفهاني: (السعي: المشي السريع. وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً، قال تعالى: ]وسعى في خرابها[([187])، وقال تعالى: ]فأولئك كان سعيهم مشكوراً[([188]) وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة . . )([189]).

 

ولا يعارض ما قررناه لك ما ورد في حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – في شأن الكسوف قال: (خسفت الشمس ونحن عند النبي e فقام يجرّ ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد)، فإن سبب ذلك فزعه e، كما دل عليه حديث أبي موسى – رضي الله عنه – قال: (خسفت الشمس فقام النبي e فزعاً يخشى أن تكون الساعة . . .)([190]). فتكون هذه السرعة لصلاة الكسوف من الأحوال العارضة؛ لوجود المقتضي لها وهو الفزع، والله أعلم.

 

الحكم السادس

 

لا يشبك بين أصابعه

 

وهذا من آداب الخروج إلى المسجد التي نهي المصلي عنها، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا" وشبك بين أصابعه([191]).

 

وعن أبي ثمامة الحنّاط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيد، فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله e قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة . . ."([192]).

 

فهذا وما قبله دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن هذا العامد إلى المسجد في حكم المصلي. قال الخطابي – رحمه الله -: (تشبيك اليد هو: إدخال الأصابع بعضها في بعض، والاشتباك بهما، وقد يفعله بعض الناس عبثاً، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي)([193]).

 

وقد ورد في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في قصة ذي اليدين في موضوع سجود السهو بلفظ: (فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه . . .)([194]).

 

ولا منافاة بين هذا وما قبله؛ لأن هذا التشبيك وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف عن الصلاة، ويكون النهي خاصاً بالمصلي؛ لأن ذلك من العبث وعدم الخشوع، أو بمن قصد المسجد، كما تقدم([195]).

 

ومما يحسن التنبيه عليه أن من المصلين من يعبث بأصابعه يفرقعها بغمز مفاصلها حتى تصوت – كما قال الخطابي – وهذا عبث لا يليق بالمصلي، وهو دليل على عدم الخشوع، إذ لو خشع القلب لخشعت الجوارح وسكنت.

 

وعن شعبة مولى ابن عباس قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففقّعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة قال: لا أمّ لك! تفقع أصابعك وأنت في الصلاة!([196]).

 

الحكم السابع

 

في حضور الصبيان المساجد

 

الصبيان: جمع صبي، وهو في اللغة: من حين يولد إلى أن يفطم، أما الفقهاء فيقولون: الصبي من دون البلوغ([197])، وهذا هو المراد بموضوعنا هنا، ويؤيد ذلك الحديث الآتي: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين" فسماه صبياً وقد جاوز السابعة.

 

فإن كان مميزاً وهو من بلغ سبع سنين، فإن وليه يحضره إلى المسجد؛ لأنه مأمور بتكليفه بالصلاة إذا بلغ هذه السن. لما ورد عن سبرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها"([198]).

 

وقد دل هذا الحديث على مسألتين:

 

الأولى: أن ولي الصبي من أب أو جد أو أخ أو وصي أو غيرهم مكلّف من قبل الشرع بأن يأمر الصغير بالصلاة: ذكراً كان أم أنثى، وتعليمه ما تتوقف عليه صحة الصلاة من الشروط والأركان، وذلك إذا أكمل سبع سنين؛ لأن التمييز يحصل بعدها غالباً.

 

وكثير من الأولياء قد تساهل في هذا الأمر العظيم، ولا سيما مع البنات. وهذا الأمر للصغير وإن كان أمر تدريب لا أمر إيجاب، لكن له فوائد عظيمة، والشارع الحكيم لا يأمر إلا بما فيه مصلحة.

 

المسألة الثانية: إن الحديث يدل على الإذن للصبيان بدخول المساجد؛ لأنها أماكن أداء الصلاة. وعلى ولي الصغير أن يعوده الذهاب على المسجد وحضور الجماعة، فيأخذه معه، ويجعله بجانبه، لينشأ على حب العبادة والتعلق بالمسجد، فيسهل عليه الأمر بعد البلوغ.

 

وأما إذا كان الصبي غير مميز، فقد ورد في نصوص الشريعة ما يدل على جواز دخوله المسجد، وهي نصوص صحيحة صريحة، رواها عدد من الصحابة – رضي الله عنهم – بألفاظ متعددة. . .

 

ومن ذلك ما روى أبو قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أن رسول الله e كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله e، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.

 

وفي لفظ: (رأيت النبي e يؤم الناس، وأمامه بنت أبي العاص . . .على عاتقه . . )([199]).

 

فهذا الحديث دل على مسألتين:

 

الأولى: جواز إحضار الصبي إلى المسجد وإن كان صغيراً، لما ورد في بعض الروايات: (بينما نحن في المسجد جلوساً خرج علينا رسول الله e يحمل أمامه . . . وهي صبية . . )([200])؛ وجواز حمله في الصلاة ولو كانت فريضة لقوله: (رأيت رسول الله e يؤم الناس . . ) الحديث.

 

الثانية: أن ثياب الأطفال وأبدانهم طاهرة ما لم تعلم نجاستها([201])، وعليه فلا يجوز منعهم من المساجد لمجرد احتمال تنجيسهم لها.

 

ومن الأدلة – أيضاً – ما ورد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: أعتم رسول الله e في العشاء حتى ناداه عمر: قد نام النساء والصبيان . . الحديث([202]). فدل هذا الحديث على مسألتين:

 

الأولى: جواز دخول الصبيان المساجد، وحضورهم الصلوات، وهو صريح في أن ذلك وقت صلاة العشاء في ظلمة الليل. وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث بقوله: (باب وضوء الصبيان. . – إلى قوله -: وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم)، وهذا يدل على أن البخاري فهم أن هؤلاء الصبيان كانوا حضوراً في المسجد، وهذا هو الظاهر. خلافاً لمن قال: إن المراد: ناموا في البيوت؛ لأن عمر – رضي الله عنه – نبه النبي e إلى أنهم ناموا، ولو كان ذلك النوم في البيوت لكان طبيعياً ولا حاجة للتنبيه إليه([203]).

 

وإنما خصهم بذلك؛ لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم، ومحلّ الشفقة والرحمة، بخلاف الرجال([204]).

 

المسألة الثانية: أن لفظ "الصبيان" في الحديث جمع معرف باللام، فيعم كل صبي صغيراً كان أو كبيراً.

 

وأما منع الصبيان من دخول المساجد بحجة التشويش على المصلين بما يحدث منهم من بكاء أو صراخ أو لعب، فهذا مردود؛ لأن الصبي إن كان مميزاً أمكن تأديبه وتعليمه السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، لا سيما في بيوت الله. فيتعلم الإنصات، وحسن الاستماع، والهدوء؛ لأن ما يسمع من هؤلاء المميزين من الألفاظ السيئة، والعبارات البذيئة، والحركات التي لا تناسب المسجد إنما هو بسبب إهمال الأولياء، وعدم العناية بهذه الناشئة.

 

ومن أسباب ذلك: ترك الصغار في الصف متجاورين فيحصل منهم اللعب والحركات التي تشوش على المصلين عموماً وعلى من يجاورهم خصوصاً. أما إذا فرّق بينهم، أو صلى صبي بجانب وليه فإنه يزول هذا المحذور. وهذا هو الواجب على الأولياء وجماعة المسجد الذين يكثر الصبيان فيهم، وإن تركوهم وشأنهم صاروا مصدر إزعاج. وقد يصعب علاج الأمر إن لم يتدارك من أوله. وهذا أمر مشاهد وملحوظ.

 

وإن كان الصبي غير مميز فيمكن حمله في الصلاة، كما فعل النبي e، أو تلهيته بشيء من اللعب، كما ثبت في السنة([205]).

 

وإذا تقدم الصبيان – ولا سيما المميزون – إلى الصف الأول أو كانوا وراء الإمام فإنه لا ينبغي إبعادهم – على الراجح من قولي أهل العلم – لما يلي:

 

ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: نهى النبي e أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، وفي لفظ: (أن يقيم الرجل الرجل)([206])، فهذا نهي صريح في إقامة الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه، والصبي المميز داخل في هذا الحكم.

 

قال القرطبي: (نهيه e عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه . . )([207]).

 

أن إبقاءهم في أماكنهم فيه ترغيب لهم في الصلاة، واعتياد المسجد. أما طردهم وإبعادهم – كما يفعله كثير من الناس([208]) – فهذا فيه محاذير عديدة منها:

 

أن هذا مخالف لما كان عليه سلف الأمة، فإنه لو كان تأخير الصبيان أمراً مشهوراً لاستمر العمل عليه، كتأخير النساء، ولنقل كما نقلت الأمور المشهورة نقلاً لا يحتمل الاختلاف([209]). وأما ما ورد من أن بعض السلف أخّر الصبي فهو إما رأي صحابي، أو محمول على صبي لا يعقل الصلاة، ويعبث فيها([210]).

 

أن طرد الصبي من الصف الأول يؤدي إلى كسر قلبه، وتنفيره من الصلاة، وبغضه المسجد. والشارع الحكيم يحرص على ترغيبهم في الصلاة وحضور المسجد.

 

أن هذا قد يؤدي إلى اجتماع الصبيان في مكان واحد متأخر، وهو سبب في عبثهم وتشويشهم.

 

أن هذا الصبي يكره الرجل الذي أقامه من مكانه ويحقد عليه، ويدوم على ذكره بسوء؛ لأن الصغير عادة لا ينسى ما فعل به([211]).

 

ثم إن إحضار الصبيان للمسجد ليس مقصوراً على تعليمهم الصلاة وترغيبهم في المسجد، بل هناك مقاصد أخرى منها:

 

أن يكون الصبي صغيراً وليس له في البيت من يرعاه وقت الصلاة فيصحبه المصلي معه. أو يكون الإنسان في السوق أو في الطريق ومعه ابنه فتحضر الصلاة فيدخله المسجد معه. ونحو ذلك مما يعرض ولا سيما في أوقات الصلاة.

 

أما ما ورد في حديث أبي مسعود – رضي الله عنه – من قوله e: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونـهم، ثم الذين يلونـهم"([212]) فهذا لا يفيد تأخير الصغار عن أماكنهم، وإنما هو حث لأولي الأحلام والنّهى – وهم أصحاب العقول – على التقدم ليكونوا وراء الإمام، لتنبيهه على سهو إن طرأ، أو استخلاف أحدهم إن احتاج إلى ذلك. ولو كان المراد النهي عن تقدم الصبيان لقال: لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى([213]).

 

وتجوز مصافة الصبي، وذلك بأن يقف معه رجل بالغ في صف واحد، أو يصلي بالغ بعدد من الصبيان، فيكونون صفاً – وهذا على الراجح من قول أهل العلم، وهو قول الجمهور – لورود أدلة صحيحة صريحة تفيد ذلك؛ ومن ذلك حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن جدته مليكة – رضي الله عنها – دعت رسول الله e لطعام صنعته، فأكل منه، فقال: "قوموا فلأصل بكم"، فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله e واليتيم معه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين([214]).

 

فهذا الحديث دليل على جواز مصافة البالغ الصبي؛ لأن هذا اليتيم صفّ مع أنس – رضي الله عنه – خلف النبي e. واليتيم: من مات أبوه ولم يبلغ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحكم الثامن

 

في دخول الجنب والحائض المسجد

 

دخول الجنب والحائض المسجد إما أن يكون عبوراً ومروراً به لأخذ شيء منه كسجادة أو كتاب ونحو ذلك، أو يكون لبثاً وجلوساً فيه.

 

فإن كان مروراً به فإنه يجوز ذلك للجنب والحائض على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا[([215]).

 

والمراد بالصلاة: أماكنها وهي المساجد، والمعنى: لا تقربوا المصلّى للصلاة وأنتم سكارى . . ولا تقربوه جنباً حتى تغتسلوا ]إلا عابري سبيل[ أي: مجتازين للخروج منه، وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس بأسانيد فيها مقال، وثبت هذا التفسير عن جماعة من التابعين كسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي([216]). وذهب إلى هذا التفسير الشافعي، كما في كتابه "الأم" ونقله عنه ابن المنذر([217]).

 

ورجحه ابن جرير وابن كثير وقال: وهو الظاهر من الآية. ومال إليه القرطبي والشوكاني في تفسيرهما([218])، قالوا: ولا يراد بالآية: الصلاة، وبقوله: ]إلا عابري سبيل[ المسافر؛ لأن التيمم لا يخص المسافر، ولأنه بين حكم المسافر في آخر الآية ]وإن كنتم مرضى أو على سفر[ وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن النهي في الآية عن قربان الصلاة وعن قربان موضعها([219]).

 

وأما الحائض فقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله e قال لها: "ناوليني الخُمرة من المسجد"، قالت: إني حائض، قال: "إن حيضتك ليست في يدك"([220]).

 

فهذا يدل على جواز مرور الحائض في المسجد وأنها ليست نجسة، ولكن النجس منها هو موضع الدم وهو الفرج؛ لأن الرسول e أمرها أن تأتيه بالخًمرة من المسجد. والخُمرة: بضم الخاء: حصير صغير.

 

وأما لبث الجنب في المسجد فلا يجوز، على الراجح من أقوال أهل العلم، استدلالاً بالآية السابقة، وأخذاً بحديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي e قال: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"([221]).

 

لكن إن توضأ الجنب جاز له اللبث على ما قال الإمام أحمد. واختاره ابن تيمية([222]) لما روى حنبل بن إسحاق عن أبي نعيم، عن هشام بن سعد عن زيد ابن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله e يتحدثون في المسجد على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث([223]).

 

وعن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله e يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة([224]).

 

وأما الحائض – ومثلها النفساء – فليس في منعها من المسجد إلا حديث عائشة – المتقدم – والأحوط ألا تلبث في المسجد إلا لضرورة – كما قال ابن تيمية – كما لو خافت على نفسها أو كان البرد شديداً أو كان فيه مطر أو نحو ذلك([225]). ويدخل في حكم المسجد ساحته، ومكتبة المسجد – على ما تقدم في أول الكتاب – فلا تلبث فيها الحائض لاستماع محاضرة أو درس أو نحو ذلك؛ لأن لها حكم المسجد. والله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

أحكام حضور المسجد

 

وفيه خمسة وعشرون حكماً

 

الحكم الأول

 

تعاهد النعلين

 

كل مسلم مطالب بنظافة المسجد كنظافة منـزله بل أشد، فتصان المساجد عن كل وسخ وقذر، وكل رائحة كريهة، ويتعين في حق داخل المسجد أن يتعاهد  نعله عند إرادة دخول المسجد؛ لإزالة ما علق بها من أذى يكون سبباً في نجاسة المسجد إذا تساقط فيه، ولا ريب أن ساحة المسجد ورحبته في حكم المسجد، ويكثر كونها طريقاً إلى الجزء الداخلي من المسجد، ومن هنا يتعين الاهتمام بها وصيانتها من أذى النعلين.

 

وقد ورد عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: بينما رسول الله e يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله e صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟" قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا،، فقال رسول الله e: "إن جبريل – عليه السلام – أتاني فأخبرني أن فيها قذراً – أو قال: - أذى" وقال: "إذ جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما"([226]).

 

فهذا الحديث دلّ على مسائل:

 

الأولى: مشروعية الصلاة في النعال، وأن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يصلون في نعالهم، وفي هذا مخالفة لليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم.

 

وقد دلّ على مشروعية الصلاة بالنعال نصوص كثيرة منها:

 

ما رواه أبو مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي e يصلي في نعليه؟ قال: نعم([227]).

 

وعن يزيد بن عبد الله بن الشحير عن أبيه قال: رأيت رسول الله e يصلي في نعليه([228]).

 

وينبغي للمسلم أن يصلي في نعليه أحياناً، لا سيما إذا كان المسجد غير مفروش، أو في رحبته، أو مصلى العيد، أو في الصحراء لسفر أو نزهة ونحوهما، ومن فوائد ذلك تطبيق السنة، وإشاعتها بين الناس.

 

ويرى فريق من أهل العلم استحباب الصلاة في النعال. ويرى آخرون أن الصلاة بها من الرخص، لا من المستحبات؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، ولبس النعال في الصلاة وإن كان ملابس الزينة إلا أن ملامسة الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة([229]).

 

أما إذا كان المسجد مفروشاً فإنه لا يصلي في نعليه لأمرين:

 

الأول: أن المساجد لا تسلم من تلويث فرشها حتى مع العناية بالنعال وتفقدها؛ لأن الفرش سريعة التأثر باللون والرائحة، ولذا قال ابن عابدين: "إذا خشي تلويث فرش المسجد ينبغي عدمه – أي عدم الصلاة بالنعال – وإن كانت طاهرة"([230])، وقال ابن دقيق العيد: (وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية؛ لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح)([231]).

 

الأمر الثاني: أن الغالب على الناس الغفلة عن العناية بنعالهم حين يدخلون المسجد، لا سيما إذا اعتادوا دخول المساجد بها فإنه مع طول الزمن تضعف عنايتهم بها.

 

المسألة الثانية: أن مسح النعل ودلكها بالأرض مطهر لها من القذر والأذى([232])، فليحرص المسلم على مسح نعله ودلكها بالأرض عند دخول المسجد ولو لم يرد الصلاة بها، لئلا يؤدي ذلك إلى تساقط الأذى في المسجد، وهذا أمر تركه كثير من الناس، نتيجة العجلة في دخول المسجد.

 

الثالثة: أن المصلي إذا خلع نعليه وكان وحده وضعهما عن يساره، وإذا كان مع غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره ناس فإنه يضعهما بين رجليه؛ لما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله e قال: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه أو ليصلّ فيهما"([233]).

 

وبعض المصلين يضع نعليه أمامه، أو خلفه، أو عن يمين غيره، فيؤذي بهما الآخرين، ولا سيما مع تقارب الصفوف، كما في ساحة المسجد الحرام، والمقصود هو عدم أذية الآخرين، فلينصرف فيهما بعيداً عن ذلك.

 

 

 

الحكم الثاني

 

تقديم اليمنى عند الدخول

 

أعلم أن لدخول المسجد صفة خاصة، وهي تقديم الرجل اليمنى؛ لأن اليمين أعدت لكل ما هو من باب التكريم، واليسار لما هو بضد ذلك، وهذه الصفة يخل بها كثيرون جهلاً أو عجلة، مع أنه ثبت فيها نصوص عامة ونصوص خاصة.

 

فعن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى)([234]).

 

قال في فتح الباري: (والصحيح أن قول الصحابي: "من السنة كذا" محمول على الرفع)([235]).

 

قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه: (باب التيمن في دخول المسجد وغيره) وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى، ثم ذكر حديث عائشة – رضي الله عنها – بلفظ: (كان النبي e يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله)([236]).

 

قال العيني: (مطابقته للترجمة من حيث عمومه؛ لأن يدل على البداءة باليمين في دخول المسجد)([237]).

 

وقال ابن علان في شرح الأذكار: (وخصت اليمنى بالدخول؛ لشرفه واليسرى بالخروج؛ لخسته، وهذا مما ينبغي الاعتناء بها كغيره من الآداب)([238]).

 

الحكم الثالث

 

الدعاء عند دخول المسجد

 

 

 

لما كانت المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى؛ لأنها بيوت الطاعة ومظنة لنـزول الرحمة وأساسها على التقوى، فيها يعبد الله ويوحد، أرشد النبي e من دخل المسجد إلى أدعية جامعة مناسبة للحال، فقد ورد عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله e: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك"([239]).

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي e: أنه كان إذا دخل المسجد قال: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، قال عقبة لحيوة: أقط؟ قلت: نعم. قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم"([240]).

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي e وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي e وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم"([241]).

 

وسر تخصيص طلب الرحمة بالدخول وسؤال الفضل بالخروج أن من دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى رضوانه وجنته من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل، قال تعالى: ]فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون[([242])([243]).

 

فإذا دخل المسجد وانتهى إلى الصف سنّ له أن يدعو بما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رجلاً جاء إلى الصلاة ورسول الله e يصلي فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فما قضى رسول الله e الصلاة، قال: "من المتكلم آنفاً"؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: "إذ يعقر جوادك، وتستشهد في سبيل الله"([244]).

 

وكثير من الناس لا يعرف هذه الأدعية، أو يخلّ بها، أو يقولها على صفة تخالف ما هي عليه، فليحرص المصلي على الدعاء فما أقرب الإجابة لمن توفرت عنده شروط الدعاء!!

 

الحكم الرابع

 

التقدم للصف الأول

 

 

 

من آداب حضور المساجد: التقدم للصف الأول، والقرب من الإمام، كما دلت على ذلك النصوص؛ لما في الصف الأول من الفضل العظيم.

 

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا،ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً"([245]). والتهجير: التبكير إلى الصلاة، والمبادرة إليها([246]).

 

وعنه – أيضاً رضي الله عنه – عن النبي e قال: "لو تعلمون، أو يعلمون، ما في الصف المتقدم لكانت قرعة". وفي رواية: "ما كانت إلا قرعة"([247]).

 

وعن أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه"([248]).

 

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله e رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"([249]).

 

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على فضل الصف الأول، وأنه ينبغي الحرص عليه بالتبكير إلى الصلاة، حتى أنه لو أدى الأمر إلى القرعة لكانت مشروعة فيه.

 

والمراد بالصف الأول: هو ما يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً، وإن كان المتقدم حاز فضيلة التبكير فجمع بين الفضيلتين.

 

وفي الصف الأول مزايا عظيمة ينبغي للمسلم أن يهتم بها ويحرص على الظفر بها. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري طرفاً منها.

 

فمن ذلك: المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامة، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين([250]).

 

ومن الناس من لا يهتم بالصف الأول مع إمكان الصلاة والجلوس فيه، فتراه يدخل المسجد مبكراً ويقف متنفلاً وسط المسجد، أو في مؤخره، أو يقف في طرف الصف الأول مع خلوه من جهة الإمام، وهذا رغبة عن الخير، وزهد فيه، مبعثه الجهل أو عدم المبالاة باكتساب الفضائل، فالله المستعان.

 

يقول شيخ الإسلام بان تيمية – رحمه الله -: (فمن جاء أول الناس وصف في غير الأول فقد خالف الشريعة، وإذا ضم إلى ذلك إساءة الصلاة أو فضول الكلام أو مكروهه أو محرمه ونحو ذلك مما يصان المسجد عنه، فقد ترك تعظيم الشرائع، وخرج عن الحدود المشروعة من طاعة الله، وإن لم يعتقد نقص ما فعله ويلتزم اتباع أمر الله استحق العقوبة البليغة التي تحمله وأمثاله على أداء ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، والله أعلم)([251]).

 

وينبغي لطلبة العلم أن يتقدموا إلى الصف الأول؛ لأنهم داخلون في قوله e: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونـهم ثم الذين يلونـهم . ."([252]).

 

قال النووي: (وفي هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام؛ لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف، فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها، وينقلوها ويعلموها الناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم . . )([253]).

 

وقال في الإنصاف: (السنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل ولسن، وأن يلي الإمام أكملهم وأفضلهم، قال الإمام أحمد: يلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان)([254]).

 

وهذا الحكم – وهو الحث على الصف الأول والدنو من الإمام – خاص بالرجال، أما النساء إذا حضرن المساجد فيتعين في حقهن التأخر والبعد عن الإمام وعن صفوف الرجال، كما سيأتي بيانه في الباب الثالث، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

 

المكان الفاضل في المسجد النبوي

 

 

 

أعلم أن المكان الفاضل في مسجد رسول الله e هو الذي أمام المحراب النبوي في الزيادة التي في قبلة المسجد، وليس ما يفهمه كثير من الناس من أن المكان الفاضل هو في المسجد القديم، الذي كان في عهده e دون ما زاده عمر وعثمان – رضي الله عنهما – والذي هو موضع المحراب اليوم.

 

إن عمر – رضي الله عنه – كان يقف في تلك الزيادة ووراءه الصحابة – رضي الله عنهم – وهم متوافرون ومتفقون على أن هذا هو المكان الفاضل، وهل يظن بهم أنهم يتركون المكان الفاضل ويعتقدون أن الصلاة في غير موضعهم أفضل؟!

 

والناس اليوم يزدحمون للصلاة في موضع المسجد القديم اعتقاداً منهم أنه أفضل، فترى الصفوف تتكامل في ذلك الموضع دون الزيادة، وهذا وإن كان الدافع إليه محبة الرسول e لكن فيه مخالفات شرعية منها:

 

ترك وصل الصفوف وإتمام الأول فالأول، وقد ثبت ما يدل على الأمر بوصل الصفوف وأن من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله.

 

تفويت الصلاة في الصف الأول مع إمكانه لمن يحضر متقدماً ولكنه يرغب عنه، ومن المعلوم أن الصف الأول هو الذي يلي الإمام، كما أسلفنا، وقد حث النبي e على المبادرة بحضور المساجد والدنو من الإمام، كما تقدم – أيضاً -.

 

أن في ذلك مخالفة لهدي الصحابة – رضي الله عنهم – فإن عمر – رضي الله عنه – أمَّ الصحابة في هذه الزيادة، ولا ريب أنهم كانوا يتسابقون للصلاة وراء الإمام ويحرصون على الصف الأول.

 

فليحرص المسلم على الصف الأول في المسجد النبوي كغيره من المساجد، ولا يغتر بمن يتأخر عنها ويصلي في موضع المسجد القديم.

 

ولا يقال: إن هذه الزيادة ليست من المسجد، فإن صلاة الصحابة فيها دال على أنها في حكم المسجد قطعاً.

 

وأما قوله e: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة أو كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا أن يكون المسجد الحرام"([255])؛ فهذا لم يقصد به نفي مضاعفة الأجر في الإضافات الحادثة، ولكن المراد به – والله أعلم – نفي التضعيف في المساجد التي بناها الرسول e في المدينة كمسجد قباء، فأكد أن التضعيف خاص بمسجده بقوله: "هذا" ولم يقصد إخراج ما سيزاد فيه، والله أعلم([256]).

 

وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كلاماً نفيساً حول هذا الموضوع، فأنقله هنا، يقول رحمه الله: (وقد جاءت الآثار بأن حكم الزيادة في مسجده e حكم المزيد، تضعّف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد، فيجوز الطواف فيه والطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجاً منه، ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده لكانت تلك صلاة في غير مسجده، والصحابة وسائر المسلمين بعدهم لا يحافظون على العدول عن مسجده إلى غير مسجده، ويأمرون بذلك)، ثم قال: (وهذا الذي جاءت به الآثار، وهو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم، فإنهم قالوا: إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل، وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان – رضي الله عنهما – فإن كليهما مما زاد من قبلي المسجد، فكان مقدمة في الصلوات الخمس في الزيادة، وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع، وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده، أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده، وما بلغني عن أحد من السلف خلاف هذا، لكن رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده، وما علمت لمن ذكر ذلك سلفاً من العلماء)([257]).

 

الحكم الخامس

 

السلام على من في المسجد

 

 

 

ومن آداب دخول المساجد السلام على من فيه ولو كان يصلي، فإن السلام على المصلي مشروع، كما هو مذهب  الجمهور من أهل العلم، وذلك لما ورد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: كنت أسلم على النبي e وهو في الصلاة فيرد عليّ فلما رجعنا سلمت عليه فلم يردّ علي، وقال: "إن في الصلاة شغلاً"([258]).

 

وعنه – رضي الله عنه – قال: كنت آتي النبي e وهو يصلي فأسلم عليه فيرد علي، فأتيته فسلمت عليه وهو يصلي فلم يردّ علي، فلما سلم أشار إلى القوم فقال: "إن الله عز وجل – يعني – أحدث في الصلاة ألا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين"([259]).

 

فهذا وما قبله دليل على جواز السلام على المصلي، فإن ابن مسعود – رضي الله عنه – كان يسلم على النبي e وهو في صلاته، فيرد عليه السلام باللفظ، ولما حرّم الكلام في الصلاة، ورجع المسلمون من الهجرة الثانية إلى الحبشة سلم ابن مسعود – رضي الله عنه – كعادته فلم يرد عليه النبي e باللفظ، وإنما رد بالإشارة كما في حديث ابن عمر الآتي قريباً، وبين أن سبب امتناع الرد باللفظ هو أن المصلي مشغول شغلاً عظيماً متنوعاً من ذكر قراءة ودعاء وغير ذلك مما يتعلق بمناجاة الله تعالى التي تستدعي الاستغراق بخدمته، فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره، ولو كان السلام على المصلي غير مشروع لبيّنه e ولو بعدم الإشارة في الرد؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلما ثبت الرد بالإشارة وعدم الإنكار علم أن السلام على المصلي مشروع.

 

وثبت الرد عنه e بإشارة، وذلك فيما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: خرج رسول الله e إلى قباء يصلي فيه، فجاءته الأنصار، فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله e يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر ابن عوف كفه، وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره فوق([260]).

 

وورد في السنة صفات أخرى لرد المصلي السلام، ومنها:

 

الرد بالإشارة بالإصبع، والأظهر أنها السبابة؛ لأنها أيسر؛ ولأن العادة جرت برفعها، وذلك في حديث ابن عمر – أيضاً – عن صهيب قال: مررت برسول الله e وهو يصلي فسلمت عليه فردّ علي إشارة، وقال الليث بن سعد – أحد رواته -: لا أعلم إلا أنه قال: إشارة بإصبعه([261]).

 

قال الشوكاني: (ولا اختلاف بينهما، فيجوز أن يكون أشار بإصبعه مرة ومرة بجميع يده، ويحتمل أن يكون المراد باليد الإصبع؛ حملاً للمطلق على المقيد)([262]).

 

كما ورد الرد إيماء بالرأس، وذلك في حديث ابن مسعود: (فأومأ برأسه)، وفي رواية: (فقال برأسه، يعني: الرد)([263]).

 

قال في نيل الأوطار: (ويجمع بين الروايات أنه e فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزاً)([264]) والله أعلم.

 

الحكم السادس

 

صلاة تحية المسجد

 

 

 

ومن آداب حضور المساجد – وهي بيوت الله تعالى وأمكنه عبادته – أن يصلي الداخل ركعتين تعظيماً لله تعالى، وإكراماً لموضع العبادة. وهذه الصلاة هي تحية المسجد؛ لأن الداخل يبتدئ بهما كما يبتدئ الداخل على القوم بالتحية.

 

وقد دلّ على مشروعية تحية المسجد حديث أبي قتادة السلمي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". وفي رواية: "فيركع ركعتين قبل أن يجلس"([265]).

 

ويتعلق بتحية المسجد مسائل مهمة أبينها – بتوفيق الله تعالى – كما يلي:

 

المسألة الأولى: حكم تحية المسجد

 

جمهور العلماء على أن تحية المسجد من السنن المندوب إليها وليست واجبة. قال في فتح الباري: (اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب)([266]). وقال ابن دقيق العيد: (وجمهور العلماء على عدم الوجوب لهما)([267]). وقال النووي: (إنه إجماع المسلمين)([268]). ولكن نقل الإجماع فيه نظر، فقد نقفل ابن بطال عن أهل الظاهر قولهم بالوجوب([269]). وحكى ذلك القاضي عياض عن داود وأصحابه([270])، والذي صرح به ابن حزم خلافه([271]) وعمدة الجمهور في عدم الوجوب:

 

حديث عبد الله بن بسر – رضي الله عنه – قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي e يخطب. فقال له رسول الله e: "اجلس فقد آذيت" وفي رواية: "وآنيت"([272]). أي: أبطأت وتأخرت.

 

ووجه الدلالة: أن الرسول e أمره بالجلوس ولم يأمره بتحية المسجد فدلّ على أنها غير واجبة.

 

حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – في قصة الأعرابي، وهو ضمام ابن ثعلبة لما سأل رسول الله e عما يجب عليه من الصلاة فأجابه e: الصلوات الخمس، فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوّع"([273]).

 

ومن قال بالوجوب استدل بما يلي:

 

حديث أبي قتادة المذكور، وقد ورد بلفظ الأمر "فليركع ركعتين" وبلفظ النهي "فلا يجلس"، والأمر عند الإطلاق للوجوب، والنهي عند الإطلاق للتحريم؛ وحديث أنس في قصة الأعرابي لا يصلح أن يكون صارفاً كما سيأتي إن شاء الله.

 

حديث جابر – رضي الله عنه – قال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله e يخطب فقال: "أصليت؟" قال: لا. قال: "فصلّ ركعتين". والرجل هو: سليك الغطفاني، كما وقع مسمى عند مسلم([274]).

 

ووجه الدلالة: إن الرسول e أمر سليكاً بتحية المسجد بعدما جلس، وقطع الخطبة لأجل سؤاله وأمره بالصلاة. وهذا من مؤكدات الإيجاب. ولو سقطت التحية في حال لكان هذا الحال أولى بها؛ فإنه مأمور باستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة دل على تأكدها.

 

وقد أجاب القائلون بالوجوب عن أدلة الأولين بما يلي:

 

أما حديث "اجلس فقد آذيت" فلا دلالة فيه صريحة على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن المراد "اجلس" أي: لا تتخط. ولم يقصد ترك التحية، أو أن المراد: اجلس بشرط الجلوس المفهوم من قوله: "فال يجلس حتى يصلي ركعتين"، ولاحتمال أن يكون هذا الصحابي صلّى التحية في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه، أو أنه كان ذلك قبل الأمر بها والنهي عن تركها، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، لاسيما والحديث معارض بمثل حديث جابر في قصة سليك وحديث أبي قتادة، ودلالتهما أصرح([275]).

 

وأما حديث أنس في قصة الأعرابي فعنه ثلاثة أجوبة:

 

إن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح لصرف ما تجدد من الأوامر عن الوجوب؛ لأن الشريعة كانت شيئاً فشيئاً وغلا لزم على ذلك أن واجبات الشريعة هي ما ذكر في حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة من حصراً باعتبار وقت السؤال، ولم يقل: إنه لا يجب عليه ما يوجبه الله على عباده بعد ذلك، بل ما أجبه الله وجب. ولا ريب أن واجبات الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور.

 

إن قوله: "إلا أن تطوع" ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها، كتحية المسجد – مثلاً -.

 

إن جماعة من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة في صرف الأمر عن الوجوب في حديث أبي قتادة قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس، كالجنازة وركعتي الطواف والعيدين. فما أجابوا به عن إيجاب هذه الصلوات هو جواب الموجبين لتحية المسجد، والله أعلم([276]).

 

قال ابن دقيق العيد على حديث أبي قتادة: (ولا شك أن ظاهر الأمر الوجوب وظاهر النهي التحريم، ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل)([277]).

 

قال الصنعاني في حاشيته على شرح ابن دقيق العيد: (أقول: هذا هو الصواب، وإيجابها هو الجاري على مقتضى الأوامر والنواهي)([278]).

 

وقال الشوكاني: (إذا عرفت هذا – أي ما ذكر من الأجوبة – لاح لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب)([279]).

 

والحق أن القول بالوجوب قوي؛ لقوة مأخذه؛ ولأن سبب الوجوب هو دخول المسجد، فلا معارضة بين هذا وبين ما يدل على أن ماعدا الصلوات الخمس تطوع، لكن إن قيل: بأن تحية المسجد من السنن المؤكدة ما كان ذلك بعيداً، والعلم عند الله تعالى.

 

المسألة الثانية: تحية المسجد وقت النهي:

 

اختلف العلماء في صلاة تحية المسجد وقت النهي، كأن يدخل بعد الفجر أو قبل المغرب، على قولين:

 

الأول: تصلّى تحية المسجد وقت النهي، وهذا هو الأصح عند الشافعية، ورواية في مذهب الإمام أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحم الله الجميع. وقد بسط ابن تيمية – رحمه الله – أدلة هذا القول، وأيده بما لا مزيد عليه([280]).

 

القول الثاني: لا تصلى في وقت النهي، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد، كما في الإنصاف([281]).

 

وسبب الخلاف: هوة تعارض العمومين؛ عموم أحاديث تحية المسجد وفيه أمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل، وعموم أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي، كقوله e: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"([282])، وهذا عام في كل صلاة كما يفيده النفي بـ (لا) التي لنفي الجنس، فتدخل تحية المسجد في هذا العموم المنفي.

 

فذهب الأولون إلى تخصيص عموم حديث: (لا صلاة بعد الصبح . . )إلخ بحديث تحية المسجد، فأخرجوها من عموم هذا الحديث، فتصلى في أوقات النهي، وذلك لأن حديث (لا صلاة) قد ثبت تخصيصه بغير تحية المسجد، ومن ذلك: قضاء الفوائت؛ لحديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "من نسي صلاة فيصلّ إذا ذكرها، لا كفار لها إلا ذلك: ]وأقم الصلاة لذكرى[([283]).

 

ومن ذلك – أيضاً -: إعادة الجماعة، لحديث يزيد بن الأسود – رضي الله عنه – قال: شهدت مع النبي e حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا. فقال: "علي بهما"، فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا"؟ فقالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة"([284]) فهذا صريح في جواز إعادة الجماعة لمن دخل مسجداً وأهله يصلون بعد الفجر وهو وقت نهي.

 

ومن ذلك – أيضاً -: ركعتا الطواف، لحديث جبير بن مطعم – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "يا بني عبد مناف لا تنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار"([285]).

 

فهذه الأحاديث وغيرها مخصصة لعموم حديث "لا صلاة"، وحديث تحية المسجد عام محفوظ لم يدخله التخصيص، وأحاديث النهي ليس فيها حديث واحد عام باق على عمومه، بل كلها مخصوصة، والعام والذي لم يدخله التخصيص مقدم على العام الذي دخله التخصيص([286]).

 

ومما يؤيد إخراج تحية المسجد من عموم النهي غير ما ذكر: أن النبي e أمر بتحية المسجد حال الخطبة، كما سيأتي إن شاء الله. والنهي عن الصلاة في وقت الخطبة أشد؛ لأن السامع منهي عن كل ما يشغله عن الاستماع حتى الصلاة حيث أمر الشرع بتخفيفها، فإذا فعلت تحية المسجد وقت الخطبة ففعلها في سائر الأوقات أولى([287]).

 

ثم إن تحية المسجد كغيرها من ذوات الأسباب تفوت إذا أخرت عن وقت النهي ويحرم المصلي ثوابها، وهذا بخلاف النفل المطلق، فإنه إذا منع منه المكلف وقت النهي ففي غيره من الأوقات متسع لفعله، فلا تضييق عليه ولا حرمان، بل قد يكون في المنع من الصلاة في بعض الأوقات مصلحة للمكلف من إجمام نفسه وإقبالها على فعل الطاعة بنشاط، وهذا أمر ملحوظ([288]).

 

وعلى هذا فتحمل أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة على ما لا سبب له، كالنفل المطلق، ويخص منها ما له سبب كتحية المسجد. وهذا هو الرأي المختار – إن شاء الله – وبه تجتمع الأدلة، ويعمل بها كلها([289]). والله أعلم.

 

المسألة الثالثة: لا صلاة إذا أقيمت الصلاة

 

أعلم أن النافلة لا تشرع إذا دخل المسجد والإمام في الفريضة، أو قد شرع المؤذن في الإقامة، أو دخل والصلاة ستقام، فلا تصلي تحية المسجد في هذه الحالات؛ وذلك لعموم حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"([290]). وعند ابن حبان: "إذا أخذ المؤذن في الإقامة"([291]).

 

قال النووي: (الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة)([292]).

 

وقال القاضي: (وفيه حكمة أخرى: وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة)([293]).

 

قال العراقي: (إن قوله "فلا صلاة" يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة، ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة، بل يقطعها المصلي؛ لإدراك فضيلة التحرم، أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي، يحتمل كلاً من الأمرين)([294]).

 

وأعلم أنه لا فرق في منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة بين الراتبة أو غيرها، كما أنه لا فرق بين ركعتي الفجر أو غيرهما، وما يتوهمه بعض الناس من جواز ركعتي الفجر ولو كان الإمام في المكتوبة؛ بحجة طول القراءة وأنه يتمكن من أدائها قبل الركوع فهذا غير صحيح، وصلاته باطلة؛ لعموم قوله e: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"([295]). وأداء ركعتين والصلاة قد أقيمت ليس عليه أمر الرسول e فيكون مردوداً على صاحبه، وما كان مردوداً على صاحبه فهو فاسد، كيف وقد نهى النبي e عن ذلك كما تقدم، فيكون أشد رداً.

 

وأما ما ورد من زيادة: (فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح) فهي كما قال ابن القيم: (زيادة كاسمها لا أصل لها).

 

وقال البيهقي: (هذه الزيادة لا أصل لها)؛ وذلك لأن في إسنادها حجاج ابن نصير الفساطيطي، وعباد بن كثير الثقفي: (وهما ضعيفان). وفي التقريب: أن الأول ضعيف، والثاني متروك([296]).

 

لكن إذا أقيمت الصلاة وهو في تحية المسجد، أو في راتبة، فهل يقطعها؟ ثلاثة أقوال:

 

الأول: أنه يقطعها؛ لعموم "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". فإن الحديث عام يشمل من شرع في النافلة بعد سماع الإقامة للفريضة، أو كان قد شرع في النافلة وسمع الإقامة بعد ذلك، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن بيان قال: (كان قيس بن أبي حازم يؤمنا فأقام المؤذن للصلاة وقد صلى ركعة، قال: فتركها، ثم تقدم فصلى بنا)([297]).

 

ولأجل أن يدرك الفريضة من أولها بإدراك تكبيرة الإحرام بعد تكبير الإمام، كما ذكر النووي سابقاً، والرسول e يقول: "إذا كبر فكبروا"([298]) وهذه الجملة تدل على أن تكبير المأموم يقع عقب تكبير الإمام فلا يقارنه ولا يتقدم عليه، بدليل رواية أبي داود: "ولا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد".

 

القول الثاني: أنه لا يقطعها بل يتمها. واستدل من قال بهذا بعموم قوله تعالى: ]ولا تبطلوا أعمالكم[([299]).

 

ووجه الدلالة: أن قطع النافلة وعدم إتمامها إبطال للمؤدي، والآية تنهى عن إبطال الأعمال مطلقاً، فيدخل ذلك في عمومها، قال الشوكاني في فتح القدير: (والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان، من غير تخصيص بنوع معين)([300]).

 

وأجابوا عن حديث أبي هريرة – المتقدم – بأن النهي متوجه إلى الشروع في غير تلك المكتوبة. وأما إتمام المشروعة قبل الإقامة فضروري لا اختياري، فلا يدخل في النهي المستفاد من الحديث، عملاً بعموم الآية.

 

القول الثالث: التفصيل: وهو أنه إذا كان في الركعة الثانية فلا يقطعها بل يتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها؛ لقوله e: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"([301]). فمن صلى ركعة قبل الإقامة فقد أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو الإقامة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة فيتمها خفيف، ومن كان في الركعة الأولى ولو في السجدة الثانية منها فإنه يقطعها؛ لأنه لم تتمّ له هذه الصلاة، ولم تخلص له حيث لم يدرك منها ركعة قبل النهي عن النافلة([302]).

 

يقول العلامة المباركفوري في شرح المشكاة: (الراجح عندي: أن يقطع عند الإقامة إن بقيت عليه ركعة، فإن أقل الصلاة ركعة، وقد قال النبي e: "لا صلاة بعد الإقامة إلا المكتوبة" فلا يجوز له أن يصلي ركعة بعد الإقامة، وأما إذا أقيمت الصلاة وهو في السجدة أو التشهد فلا بأس لو لم يقطعها؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صلى صلاة، أي: ركعة بعد الإقامة . . .)([303]).

 

وأما الآية فيجاب عليها بثلاثة أجوبة:

 

الأول: أنها عامة والحديث خاص، والخاص يقضي على العام، ولا يخالفه، كما في الأصول، فيكون إبطال النافلة بإقامة الصلاة مخصّصاً من عموم الآية بمقتضى الحديث.

 

الثاني: أن سياق الآية: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم[([304]). يدل على – والله أعلم – على أن الإبطال إنما يكون بمعصية الله تعالى أو معصية رسوله e؛ لأن الآية أمر بطاعة الله وطاعة الرسول ونهي عن المعصية المؤدية إلى إبطال الأعمال.

 

الثالث: أن قطع النافلة إذا أقيمت الفريضة لا معصية فيه، بل هو عين الطاعة للرسول e القائل: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

 

قال في المحلي: (فإن قيل: قال الله تعالى: ]ولا تبطلوا أعمالكم[! قلنا: نعم هذا حق وما هو أبطلها، ولو تعمد إبطالها لكان مسيئاً. ولكن الله عز وجل أبطلها عليه، كما تبطل بالحدث، وبمرور ما يبطل الصلاة مروره، ونحو ذلك)([305]).

 

وعلى القول بأنه يقطعها فإنه لا يحتاج إلى تسليم – على أرجح الأقوال – بل يخرج منها ويلحق بالفريضة التي أقيمت؛ وذلك لأمرين:

 

الأول: أن التسليم خاص بالصالة الكاملة؛ لحديث علي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"([306]).

 

الثاني: قوله e: "إذا أحدث أحدكم في صلاته فيأخذ بأنفه ثم لينصرف"([307]) فأمره بالانصراف ولم يأمره بالسلام لوجود هذا العارض الذي قطع صلاته، وإقامة الفريضة عارض تقطع النافلة لأجله، فلم تحصل النافلة الكاملة التي لا يكون الخروج منها إلا التسليم. والله أعلم.

 

المسألة الرابعة: تحية المسجد الحرام

 

اعلم أن داخل المسجد الحرام له حالتان:

 

الأولى: أن يريد الطواف، فهذا تحيته الطواف، سواء كان لحج أو عمرة، أو كان الطواف تطوعاً أو غير ذلك، فيبدأ بالطواف ثم يصلي ركعتي الطواف خلف المقام فلا يجلس – إن أراد الجلوس – إلا وقد صلى. فحصلت التحية ضمناً؛ لأن المقصود افتتاح محل العبادة بعبادة، وعبادة الطواف تحصّل هذا المقصود([308]).

 

هذه هي السنة في حقه، وأما كونه يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يبدأ بالطواف فهذا خلاف السنة؛ فإنه e لما دخل المسجد بدأ بالطواف، كما في حديث جابر وغيره([309]). وبعض الناس لا يعرف هذا، فتراه يصلي ركعتين ثم يذهب إلى المطاف لأداء نسكه.

 

أما لو أراد الجلوس قبل الطواف وأراد تأخيره لعذر، كانتظار رفقة أو لاستراحة فهذا يشرع له أن يصلي تحية المسجد ركعتين؛ لعموم حديث أبي قتادة: "فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".

 

الحالة الثانية: أن يريد الجلوس لانتظار صلاة أو قراءة أو ذكر ونحو ذلك فهذا يشرع في حقه أن يصلي التحية؛ لعموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس، فإنها تشمل المسجد الحرام بلا ريب.

 

ولا يقال: عن تحية المسجد الحرام هي الطواف؛ لأمرين:

 

الأول: أن ما اشتهر على الألسنة من أن تحية المسجد الحرام الطواف لا أصل له. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (حديث "من أتى البيت فليحيه بالطواف" لم أجده)([310]).

 

وقال القاري في الموضوعات الكبرى: (حديث "تحية البيت الطواف". قال السخاوي: لم أره بهذا اللفظ. قلت: المراد بالبيت هو الكعبة، وهو بيت الله الحرام، ومعناه صحيح، كما في الصحيح عن عائشة: "أول شيء بدأ به النبي e حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف . . " الحديث. وذلك لأن كل من يدخل المسجد الحرام يسن له أن يبدأ بالطواف فرضاً أو نفلاً، ولا يأتي بصلاة تحية المسجد إلا إذا لم يكن في نيته أن يطوف لعذر أو غيره.

 

وليس معناه أن تحية المسجد ساقطة عن هذا المسجد، كما توهم بعضهم من مفهوم هذه العبارة الصادرة عن الفقهاء وغيرهم). أهـ([311]).

 

الأمر الثاني: أن في ذلك حرجاً عظيماً لا تأتي الشريعة الإسلامية بمثله، فلو كان الداخل للمسجد الحرام لا يجلس حتى يطوف لوقع الناس في مشقة، لا سيما مع تكرر دخول المسجد الحرام لصلاة وغيرها. وكيف يكون الحال أوقات المواسم كالحج أو رمضان وغيرها من الأوقات التي يزدحم فيها المسجد الحرام بالمعتمرين والحجاج والمصلين. فالحمد لله على تيسيره.

 

المسألة الخامسة: سقوط تحية المسجد

 

تسقط تحية المسجد في صور عديدة أهمها ما يلي:

 

إذا تكرر دخول الإنسان المسجد عدة مرات متوالية، فمن أهل العلم من قال: يكفيه ركعتان، وهو قول الحنفية([312])، ونقله المرداوي عن ابن عقيل الحنبلي، وعلل ذلك بالمشقة لو صلى لكل مرة([313]).

 

وقال الأكثرون: تستحب التحية لكل مرة، قال النووي: وهو الأقوى والأقرب على ظاهر الحديث. أهـ([314]). ورجحه الشيخ عبد الرحمن السعدي([315]).

 

والأظهر أنه يكفيه ركعتان؛ لأن من خرج من المسجد وعاد إليه عن قرب لم يخرج خروجاً منقطعاً، فلا يعد خروجاً، بدليل أن مثل ذلك لا يقطع اعتكاف المعتكف، أما من خرج خروجاً منقطعاً ولم ينو الرجوع فهذا تشرع له التحية مرة أخرى إن رجع. والله أعلم([316]).

 

إذا دخل المسجد وجلس قبل التحية، فإن لم يطل الفصل قام وصلى، على الأظهر من قولي أهل العلم([317])، ويدل لذلك حديث جابر – رضي الله عنه – قال: بينما النبي e يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال النبي e: "أصليت يا فلان؟" قال: لا. قال: "قم فصلّ ركعتين"([318]).

 

قال النووي: (الذي يقتضيه هذا الحديث أنه إذا ترك التحية جهلاً بها أو سهواً يشرع له فعلها ما لم يطل الفصل، وهذا هو المختار)([319]).

 

أما إذا جلس وطال الفصل فمن أهل العلم من قال: إنه فات محلها، وقال آخرون: بل يقوم ويصلي ولو طال الفصل؛ لأن الرسول e سليكاً – كما تقدم – بتحية المسجد بعد جلوسه، ولا تحديد لهذا الفصل، فلا يتركها الداخل حتى ولو جلس فإنه يصليها([320]).

 

والقول بأنه إذا طال الفصل لا يصليها لا يخلو من وجاهة، ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن المحب الطبري أنه قال: (يحتمل أن يقال: وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء، ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل)([321]).

 

إذا دخل المسجد وقد أقيمت الفريضة – كما تقدم – أو صلاة نفل كالتراويح، أو صلى مقضية سقطت عنه تحية المسجد؛ لقوله e: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"([322]).

 

لأن المقصود من تحية المسجد هو تعظيم المسجد بأي صلاة كانت وشغل بقعة المسجد بصلاة، فقامت الفريضة أو النافلة أو المقضية ونحوها مقام التحية، فلم تبق التحية مطلوبة([323]).

 

إذا دخل والخطيب يوشك أن ينهي خطبة الجمعة فإنه يقف إلى قيام الصلاة، لكراهة الجلوس قبل التحية، ولا صليها؛ لأنه مأمور بصلاتها حيث يمكنه ذلك، وفي هذه الحال لا يمكنه أن يصلي، فتسقط عنه، وكذا لو خشي فوات تكبيرة الإحرام، أو الفاتحة، أو الركعة الأولى سقطت عنه تحية المسجد([324]).

 

إذا دخل المسجد الحرام وهو يريد الطواف سقطت عنه التحية. وقد مضى الكلام على هذه الصورة. والله أعلم.

 

الحكم السابع

 

الصلاة إلى سترة

 

 

 

ومما ينبغي أن يحرص عليه المصلي بعد دخول المسجد أن يصلي النافلة إلى سترة، وأن يدنو منها، وهي مشروعية في حق الإمام والمنفرد، وكذا المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته إن أمكن، حتى ولو كان المصلي في مكان لا يخشى فيه ماراً؛ لعموم الأدلة لكل مصلّ؛ ولأنه قد يكون المار من الجنس الذي لا يراه الإنسي، وهو الشيطان، كما في حديث سهل الآتي – إن شاء الله -.

 

ولا فرق في مشروعية اتخاذ السترة بين الرجال والنساء، على أن التساهل فيها موجود، فمن المتنفلين من لا يصلي إلى سترة، بل يصلي وسط المسجد، أو في مؤخره بلا سترة، وهذا من الجهل وعدم الفقه في الدين. والنساء يتساهلن في السترة، فلا تكاد تجد امرأة تصلي في بيتها إلى سترة إلا القليل النادر([325]).

 

وقد دلت السنة القولية والفعلية على تأكيد اتخاذ السترة، وقد واظب عليها النبي e ولم يتركها حضراً ولا سفراً، وأمر بها في عدة أحاديث، حتى ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها، وهو مروي عن الإمام أحمد رحمه الله، وبه قال ابن خزيمة وبدر الدين العيني والشوكاني وغيرهم، رحم الله الجميع،وهذا قول قوي وإن كان الجمهور قالوا بالسنية، فإن الأمر باتخاذ السترة أمر مطلق لا قرينة معه تصرفه عن الوجوب، فيكون مقتضياً له، وإليك بعضاً من هذه النصوص:

 

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بينه وبينها، فإذا جاء أحد يمر فيقاتله؛ فإنه شيطان([326]).

 

قال الشوكاني: (فيه أن اتخاذ السترة واجب)([327]).

 

وعن سهل بن أبي حثمة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"([328]).

 

وعن سبرة بن معبد الجهني – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته ولو بسهم"([329]).

 

والسهم: عود من الخشب يسوّي، في طرفه نصل يرمى به عن القوس، ويبلغ طوله فتراً تقريباً، والفتر: بالكسر، ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة بالتفريج المعتاد([330])، ويقدر بحوالي ستة عشر سنتاً.

 

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما -: أن رسول الله e كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في سفره، فمن ثمّ اتخذها الأمراء([331]).

 

والحربة: آلة قصيرة من الحديد، محددة الرأس، تستعمل في الحرب([332]).

 

وعن عون بن أبي جحيفة قال: سمعت أبي: أن النبي e صلى بالبطحاء وبين يديه عنـزلة الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمر بين يديه المرأة والحمار، وفي رواية: يمر من ورائها المرأة والحمار والكلب([333]).

 

والعنـزة: أطول من العصا، وأقصر من الرمح، في أسفلها زج كزج الرمح، يتوكأ عليها الشيخ الكبير([334]).

 

وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود"([335]).

 

قال النووي: (آخرة الرحل: بهمزة ممدودة، وكسر الخاء، وهي العود الذي في آخر الرحل).أهـ([336]).

 

والرحل: هو المعروف عند أهل الإبل بالشداد، وهو المركب المعد للراكب، يكون من الخشب، وفي آخره خشبة يستند إليها الراكب.

 

فهذه النصوص دليل صريح على مشروعية اتخاذ السترة عند الصلاة، سواء كان ذلك في المسجد، أو المنـزل، أو في الصحراء.

 

ولقد امتثل السلف الصالح مدلول هذه النصوص، وثبت من أقوالهم وأفعالهم ما يدل على ذلك.

 

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: لقد رأيت أصحاب النبي e يبتدرون السواري عند المغرب حتى يخرج النبي e.

 

وفي رواية: وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب([337]).

 

وعن قرّة بن إياس قال: رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين – أي: عمودين – فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة، فقال: صل إليها([338]).

 

قال الحافظ ابن حجر: (أراد عمر بذلك أن تكون صلاته على سترة)([339]).

 

وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: (أربع من الجفاء: أن يصلي الرجل إلى غير سترة، وأن يسمح جبهته قبل أن ينصرف، أو يبول قائماً، أو يسمع المنادي ثم لا يجيبه)([340]).

 

والحكمة من الأمر باتخاذ السترة دفع الضرر عن الصلاة الذي سببه مرور الشيطان أمام المصلي، وهذا ما يفهم من قوله e في حديث سهل المتقدم: "فليصل إلى سترة، وليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"([341]). قال السندي: (هذه جملة مستأنفة بمنـزلة التعليل، أي: لئلا يقطع الشيطان عليه صلاته)([342]).

 

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله e قال: "إذ كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين"([343]).

 

والشيطان يطلق حقيقة على الجن، ويطلق على الإنس أيضاً. قال العيني: (وقد يكون أراد بالشيطان المار بين يديه: نفسه، وذلك أن الشيطان هو المارد الخبيث من الجن والإنس)([344]).

 

وقال بعض العلماء: الحكمة في السترة كفّ البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بقربه، وهذا أمر محسوس؛ فإن من يصلي إلى سترة أجمع لقلبه وأقرب لخشوعه وأغض لبصره، لا سيما إذا كانت سترة شاخصة كجدار أو سارية؛ والله المستعان.

 

وتحصل السترة بكل ما يجعله المصلي تجاه القبلة كالسارية، والجدار ولو قصيراً، والراحلة، والسيارة، والشجرة، والسرير، واللبنة، والمخدة، والعصا والحجر، وغير ذلك([345]).

 

وأجاز بعض العلماء فرش السجادة واعتبار نهايتها سترة له. قال في سبل السلام: (وقاس الشافعية على ذلك – أي وضع الخط – بسط المصلي لنحو سجادة، بجامع إشعار المار أنه في الصلاة، وهو صحيح)([346]).

 

ولا تحديد لعرض السترة؛ فإن الرسول e صلى إلى العنـزة (وهي عصا في أسفلها حديدة)، وصلى على الرمح ونحوهما، وفي حديث سبرة المتقدم: "ولو بسهم".

 

وأما ارتفاعها فتقدم في حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أنها مثل آخر الرحل، والمراد بذلك: الخشبة التي يستند إليها الراكب، كما مضى، ومقدارها ذراع، كما صرح به عطاء، وأفتى به الثوري، قال ابن جريج: قال عطاء: كان من مضى يجعلون مؤخرة الرحل إذا صلوا، قلت: وكم بلغك قدر مؤخرة الرحل؟ قال: ذراع، قال: سمعت الثوري يفتي بقول عطاء([347])، وذكر النووي أنها ثلثا ذراع([348])، والظاهر أن طولها يختلف، والله أعلم.

 

وأعلم أن ظاهر النصوص يدل على أن المصلي يجعل السترة قبالة وجهه ولا ينحرف عنها، فإن قول الراوي: صلى رسول الله e إلى الحربة. وقوله: بين يديه عنـزة، ونحوهما يدل على مقابلة السترة وعدم الانحراف. قال ابن عبد البر: (وأما استقبال السترة والصمد لها فلا تحديد في ذلك عند العلماء،وحسب المصلي أن تكون سترته قبالة وجهه). أهـ([349]).

 

وأما حديث ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها قالت: (ما رأيت رسول الله e صلى على عمود ولا عود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمداً)؛ فهو حديث ضعيف، كما حققه ابن القيم وغيره من أهل العلم([350]).

 

وقد دلت الأحاديث المتقدمة على وجوب الدنو من السترة على ما ذهب إليه فريق من أهل العلم لأمرين:

 

الأول: أن الرسول e أمر بذلك، والأمر عند الإطلاق يقتضي الوجوب.

 

الثاني: التعليل بقوله: "وليدن منها،لا يقطع الشيطان عليه صلاته"([351]).

 

وأما مقدار ذلك فقد دل عليه حديث سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – قال: كان بين مصلى رسول الله e وبين الجدار ممر شاة([352]).

 

والمراد بالمصلّى: مكان الصلاة، وهو ما يصلي فيه الإنسان من موضع القدمين والجبهة في السجود، فتكون المسافة بين موضع سجوده وبين سترته قدر ممر شاة، وهو نصف ذراع تقريباً، أو ثلاثة أذرع تقريباً من موضع القدمين على السترة([353])،كما ورد في حديث بلال – رضي الله عنه -: أنه e صلى في الكعبة، وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع([354]).

 

يقول البغوي رحمه الله: (والعمل على هذا عند أهل العلم؛ استحبوا الدنو من السترة، بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفين)([355])، وعلى هذا فينبغي قرب الصف الأول من الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. والله أعلم.

 

السترة في المسجد الحرام:

 

اعلم أن النصوص الدالة على مشروعية السترة في الصلاة، وتحريم المرور بين يدي المصلي، ووجوب رد المار تشمل المسجد الحرام، فإنها أدلة عامة لا مخصص لها، بل قد ورد في اتخاذ السترة بمكة عموماً وفي المسجد الحرام خصوصاً أدلة صريحة تؤيد ذلك.

 

فمنها حديث أبي جحيفة – رضي الله عنه – قال: خرج رسول الله e بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين،ونصب بين يديه عنـزة . . الحديث([356]). وقد بوب عليه البخاري رحمه الله فقال: (باب السترة بمكة وغيرها).

 

قال ابن حجر في فتح الباري: (فأراد البخاري التنبيه على ضعف الحديث – أي حديث المطلب الآتي – وأنه لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة) قال: (وهذا هو المعروف عند الشافعية وأنه لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها)([357]).

 

وعن جابر – رضي الله عنه – في حديثه الطويل في صفة حج النبي e قال: ثم نفذ إلى مقام إبراهيم – عليه السلام – فقرأ: ]واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى[([358]) فجعل المقام بينه وبين البيت. فذكر صلاته ركعتين([359]).

 

وعن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك في المسجد الحرام قد نصب عصا يصلي إليها([360]).

 

وعن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة، ولا يدع أحداً يمر بين يديه([361]).

 

فهذه نصوص صحيحة صريحة في أن اتخاذ السترة في المسجد الحرام ومكة عموماً مشروع. وعلى هذا فلا يجوز المرور بين يدي المصلي عامة، ولا أعلم دليلاً يستثني المسجد الحرام، والوعيد في الأحاديث عام يستحقه كل من يمر بين مصلّ في أي مكان.

 

وأما ما ورد عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله e طاف بالبيت سبعاً، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطوّاف أحد([362])، وفي رواية: (وليس بينه وبين الطواف سترة)،فهذا قد استدل به من قال: لا سترة في المسجد الحرام. ولكن هذا الاستدلال غير ناهض؛ لوجوه منها:

 

الأول: أن الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده، وفيه علة أخرى، وهي الاختلاف في إسناده([363]).

 

الثاني: أنه فعل، وأحاديث الأمر بالسترة قول، وقد تقرر في الأصول أن فعله e لا يعارض القول الخاص بالأمة.

 

الثالث: أنه معارض بما هو أقوى منه، وهو ملازمة الرسول e اتخاذ السترة سفراً وحضراً الثابت بالأحاديث الصحيحة. وكذلك أمره e بالسترة أمراً صريحاً مطلقاً في نصوص كثيرة – كما تقدم -.

 

الرابع: أن الثابت في حديث جابر - رضي الله عنه – وغيره أنه e صلى بعد فراغه من الطواف خلف المقام، فيكون المقام سترة له. قال جابر –رضي الله عنه -: (وطاف النبي e بالبيت وصلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت . .)([364]) ولهذا قال السندي – رحمه الله – على حديث المطلب: (قلت: لكن المقام يكفي سترة، وعلى هذا فلا يصلح هذا الحديث دليلاً لمن يقول: لا حاجة في مكة إلى سترة، فليتأمل)([365]).

 

ومن العلماء من يجيز المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام في حال الضرورة([366]) كالزحام الشديد للمشقة، ولا أعلم لذلك دليلاً. لكني أقول: ليت الأمر اقتصر في المسجد الحرام على حال الضرورة، كأيام الحج، ورمضان – مثلاً -؛ لأن الواجب على العبد أن يتقي الله ما استطاع، ولكن صار المرور شيئاً عادياً لدى عموم الناس، حتى إن بعضهم ليمر بين يدي المتنفلين ذهاباً وإياباً لأدنى حاجة،دون أن يحسّ بحرج، وهذا مما يشاهد ويؤسف عليه، إذ لا ريب أن المرور بين يدي المصلي فيه تشويش عليه وأذية له، فالله المستعان.

 

الحكم الثامن

 

لا يخرج من المسجد بعد الأذان

 

 

 

من آداب حضور المساجد: أن لا يخرج المسلم بعد الأذان إلا بعذر؛ لأن الخروج إعراض عما يقتضيه الأذان من طلب الإقبال وحضور المساجد لأداء الصلاة؛ ولئلا يكون الخروج ذريعة إلى الاشتغال عن صلاة الجماعة والتأخر عنها، وقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين . ." الحديث([367]).

 

قال بان بطال: (يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن من هذا المعنى؛ لئلا يكون متشبهاً بالشيطان الذي يفرّ عند سماع الأذان، والله أعلم)([368]).

 

وعن أبي الشعثاء قال: كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة – رضي الله عنه – فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم e)([369]).

 

وهذا المرفوع حكماً الذي يحتج به؛ لأن الحكم على الشيء بأنه طاعة أو معصية لا يكون إلا بنص من الشارع، ولا يجزم الصحابي بذلك إلا وعنده علم منه، على أنه قد ورد عن أي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "لا يسمع النداء في مسجدي هذا، ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق"([370]).

 

قال الترمذي – رحمه الله – بعد حديث أبي هريرة المتقدم: (وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي e ومن بعدهم، ألا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر؛ أن يكون على غير وضوء أو أمر لابد منه) أهـ([371]).

 

أما من خرج لعذر شرعي كوضوء فقد ورد الدليل بجوازه، وهو ما دل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله e خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: "على مكانكم" فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء، وقد اغتسل([372]).

 

وكذا يجوز الخروج لمن كان إماماً في مسجد آخر حضر درساً أو محاضرة؛ لأن هذا عذر شرعي داخل في عموم الحاجة المنصوص على استثنائها.

 

وعن عثمان بن عفان – رضي الله  عنه – قال: قال رسول الله e: "من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج، لحاجة، وهو لا يريد الرجعة فهو منافق"([373]).

 

وعن سعيد بن المسيب: أن النبي e قال: "لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق، إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع"([374]).

 

والمعنى: أن فعله هذا فعل المنافق؛ إذ  المؤمن حقاً ليس من شأنه ذلك، فالنفاق هنا النافق العملي، وليس الاعتقادي، والله أعلم([375]).

 

وبعض المؤذنين إذا أذن خرج إلى بيته أو لشغله، وهذا وإن كان يريد الرجوع لكن الأولى في حقه عدم الخروج؛ لأنني أخشى أن يكون خروجاً لغير حاجة، بل دعت إليه العادة والملل من الجلوس في المسجد حتى الإقامة في غالب المساجد، والمؤذن أولى بالامتثال من غيره؛ لأنه يدعو الناس إلى حضور الصلاة والمبادرة إليها، ثم هو يخرج ولا يعود إلا قبيل الإقامة. فينبغي التنبيه لذلك، والتنبيه عليه.

 

الحكم التاسع

 

وظيفة الجالس في المسجد

 

 

 

إن المساجد موضع العبادة وحضور الملائكة ونزول الرحمة. فما بنيت إلا لذكر الله تعالى والصلاة. فلها من الحرمة ما ليس لغيرها. وقد اختصت المساجد بآداب ينبغي للجالس فيها أن يتحلى بها، وتكون طبيعة له وسجية بلا تكلف ولا مشقة.

 

وقد نوه الله تعالى بذكر المساجد، وأثنى على المتعبدين فيها؛ قال تعالى: ]في بيوت أذن الله ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال(36) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتآء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار[([376]). وأكد جمهور المفسرين على أن المراد بالبيوت: المساجد([377]).

 

وقد وصف النبي e المساجد بأنها أحب البقاع إلى الله تعالى، ففي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها"([378]).

 

قال في بلوغ الأماني: (وإنما كانت المساجد أحب البقاع إلى الله عز وجل؛ لأنها مكان الصلاة، والعبادة، وذكر الله، وتعمرها الملائكة، أما الأسواق فكانت أبغض البقاع إلى الله؛ لما يكثر فيها من الكذب والغش والخداع والأيمان الكاذبة؛ ولأنها مساكن الشياطين، تلهيهم عن ذكر الله وإقام الصلاة، وتغويهم على الكذب والأيمان الفاجرة، نعوذ بالله من ذلك)([379]).

 

وكما أخبر النبي e عن المساجد بأنها أفضل البقاع، فقد أخبر عن وظيفتها ومهمة الجالس فيها؛ ففي حديث أنس – رضي الله عنه – في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد جاء قوله e: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن"([380]).

 

فيحرص من وفقه الله تعالى للتقدم إلى المسجد قبل الإقامة على التحلي بالآداب الشرعية بعد أن يصلي تحية المسجد أو السنة الراتبة، ومن ذلك ما يلي:

 

قراءة القرآن:

 

لا مكان أفضل من المسجد لقراءة القرآن. يقول النووي رحمه الله: (ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد؛ لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة)([381]).

 

وقراءة القرآن في المسجد أفضل من الذكر سواء كانت القراءة حفظاً أو غيباً عن ظهر قلب، وليحرص القارئ على التأدب بآداب التلاوة، من الإخلاص والترتيل وتحسين الصوت والخشوع والسؤال عند آية الرحمة والتعوذ عند آية العذاب والسجود في مواضعه، وألا يرفع صوته بالقراءة، وألا يقطعها لمحادثة أحد، إلا لرد السلام وإجابة المؤذن؛ لعموم الأدلة على وجوب رد السلام ومشروعية إجابة المؤذن، كما يجوز قطعها لكلام لا بد منه كتنبيه غافل أو إرشاد أعمى، ونحو ذلك.

 

ومن الناس من يتساهل في ذلك فيتحدث مع جاره أثناء التلاوة، بل ويقطعها لأدنى كلام، ولا يتحرج من تكرار ذلك.

 

ومن كان لا يحسن القراءة فليكثر من ذكر الله تعالى ومن التسبيح والتحميد والتهليل، ففي ذلك ثواب عظيم وخير كثير، دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولا سيما إذا كان ذلك في المساجد.

 

الحذر من الكلام الباطل وما لا فائدة فيه:

 

لا مكان في المسجد للكلام الباطل من الغيبة والكذب ونحو ذلك، وإذا كانت هذه الأمور محرمة فهي في المسجد أشد تحريماً، وكلّ كلام لا فائدة فيه فإن المسجد ينـزه عنه، فإن المساجد لم تبن لذلك. ومن الناس لا يفتأ يتحدث مع جاره في كلام لا خير فيه أو فيه مضرة، وأكثر هؤلاء ممن يتقدمون إلى المسجد، ويحرمون أنفسهم من فضائل الأعمال التي لا كلفة فيها من الذكر والتسبيح، فهي حفظ للوقت، واحترام للبقعة، وخير يدخره أحوج ما يكون إليه.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن، وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه، ويكره فيه فضول المباح)([382]).

 

وقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال في قوله تعالى: ]في بيوت أذن الله أن ترفع[([383])، قال: (نهى سبحانه عن اللغو فيها)، وكذا قال جمع من السلف([384]). قال سعيد بن المسيب – رحمه الله -: (من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيراً)([385]).

 

الحذر من رفع الصوت:

 

لقد نهى النبي e عن رفع الصوت بالقراءة؛ لئلا يشوش القارئ على غيره من المصلين والتالين – كما تقدم -، وإذا كان منهياً عن رفع صوته بالقراءة وهي عبادة إذا تأذى به أحد، فكيف يكون الحكم فيمن يرفع صوته في غير ذلك كحديث الدنيا، وكيف يكون الحكم إذا كان يرفع صوته ومن بجواره يقرأ القرآن؟!

 

قال ابن عبد البر: (وإذا نهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريماً)([386]).

 

وعن السائب بن يزيد – رضي الله عنه – قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله e؟!([387]).

 

وقد نص أهل العلم على كراهة رفع الصوت في المسجد، إلا فيما لابد منه من العلم ونحوه، والله أعلم.

 

الحذر من البيع والشراء في المسجد:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا رد الله عليك"([388]).

 

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله e نهى عن الشراء والبيع في المسجد . ([389]).

 

وروى مالك: أن عطاء بن يسار كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المساجد دعاه فسأله: ما معك، وماذا تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذه أسواق الآخرة([390]).

 

وإنما نهي عن البيع والشراء في المسجد؛ لما يصاحب ذلك من اللغط ورفع الصوت وتلويث المسجد بمخلفات البيع ونحو ذلك مما يفقد المساجد حرمتها ومكانتها؛ فإن المساجد لم تبن لهذا، وإنما بنيت لذكر الله تعالى والصلاة والعلم، والبيع والشراء ونشد الضالة إخراج لها عن وظيفتها التي قررها الشرع، ويلحق بالبيع ما في معناه من الإجارة والرهن والقرض ونحوها من العقود.

 

الحذر من استدعاء النوم بالنعاس:

 

ينبغي للجالس في المسجد ألا يكون للنوم أو النعاس عليه سبيل، ولا سيما مع طول المكث كيوم الجمعة، ولا ريب أن النعاس قد يكون من الأمور القهرية إلا أنه يمكن تفادي ذلك براحة تامة قبل الحضور إلى المسجد، ولا سيما يوم الجمعة، ولا يليق بمسلم أن يجعل اليقظة وقوة الانتباه في الأسواق، ويجعل حظ المسجد النوم والنعاس.

 

كما ينبغي استدعاء النعاس بسبب من الأسباب كالاستناد إلى جدار، أو خفض الرأس، بل يشتغل الجالس بما تقدم، ولا سيما تلاوة القرآن.

 

ومن الناس من لا يبالي بذلك ولو كان في مجلس من المجالس ما كان للنعاس عليه من سبيل، فليحرص المسلم على اغتنام الأوقات لا سيما في أفضل البقاع وهي المساجد، وقد أرشد النبي e من ينعس إلى علاج ميسور؛ فقد ورد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله e يقول: "إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فيتحول من مجلسه ذلك على غيره"([391]).

 

قال الشوكاني: (والحكمة في الأمر بالتحول: أن الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه، فقد أمر النبي e في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه، وأيضاً من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والنعاس في الصلاة من الشيطان، فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب على الشيطان من حيث غفلة الجالس عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة)([392]).

 

وقد ورد في بعض طرق الحديث تقييد ذلك بالجمعة، وسأذكر ذلك – إن شاء الله – عند الكلام على أحكام حضور الجمعة.

 

الحكم العاشر

 

تسوية الصفوف وإتمامها

 

 

 

من آداب حضور المساجد تسوية الصفوف إذا أقيمت الصلاة، ولقد أولى الإسلام صفوف  المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وبين كيفية التسوية، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها.

 

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"، وفي رواية: "من إقامة الصلاة"([393]).

 

وعن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله e يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم . . "([394]).

 

وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله e يقول: "التسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"([395]).

 

فهذه نصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف، قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف)، وأورد فيه بسنده عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك: أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله e؟ قال: (ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف)([396]).

 

قال في فتح الباري: (يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: "سووا صفوفكم"، ومن عموم قوله e: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ومن ورود الوعيد على تركه، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وأن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة)([397]).

 

وفي تسوية الصفوف ثواب عظيم دلت عليه السنة؛ فمن ذلك ما ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله e قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعة الله"([398]).

 

وعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله e قال: "من سد فرجة رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة"([399]).

 

وعن عائشة – أيضاً رضي الله عنها – أن رسول الله e قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف"([400]).

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أجراً من خطوة مشاهاً رجل إلى فرجة في الصف فسدها"([401]).

 

فهذه الأحاديث تبين فضيلة تسوية الصفوف وسدّ الفرج، ومدح من يلين بين صاحبه إذا أمره بالاستواء، أو أراد دخولاً في الصف؛ لسد فرجة أو لضيق مكان فلا يمنعه، بل يمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه، فهذا من خيار الناس([402]).

 

وأما كيفية تسوية الصف فقد دلت عليها نصوص كثيرة تقدم بعضها، ومنها – أيضاً – ما ورد عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري"، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وفي رواية: قال أنس: (لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم كأنه بغل شموس([403]). والشموس: بضم المعجمة والميم: الفرس يستعصي على راكبه([404]).

 

وقال النعمان بن بشير – رضي الله عنه -: (فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)([405]).

 

وعن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر"([406]).

 

ومن مجموع النصوص يتضح أن تسوية الصف تتحقق بما يلي:

 

إتمام الصف الأول فالأول، وسدّ الفرج بالتراص.

 

استقامة الصف وتعديله بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب، بحيث لا يتقدم عنق على عنق، ولا منكب على منكب ولا صدر على صدر.

 

ألا يوسع المصلي بين قدميه؛ لأن ذلك يمنع التصاق منكب صاحبه بمنكبه.

 

التقارب فيما بين الصفوف، وفيما بينها وبين الإمام؛ فإن هذا من تسوية الصفوف([407]).

 

وليس من تسوية الصف ما يفعله بعض الناس من ملاحظة من على يمينه ومن على يساره؛ ليلصق كعبه بكعب جاره، يفعل ذلك في القيام والركوع وبعد الرفع من الركوع. وهذا الفعل لا أصل له في تسوية الصفوف، وفيه أخطاء عديدة:

 

الأول: أن فيه اشتغالاً؛ فيه اشتغال بما لم يشرع، وإكثار من الحركة، واهتمام بعد القيام لملأ الفراغ، وفيه إشعال للجار بملاحقة قدمه.

 

الثاني: فيه توسيع للفرج بين المتصافين، ويظهر ذلك إذا هوى المأموم للسجود. وهذا يؤدي إلى عدم التصاق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه، فانظر كيف ضيّع هذا المصلي سنة من أجل فعل لا أصل له.

 

الثالث: فيه اقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق، فإن جاره يفر منه وهو يلاحقه في مكانه الذي سبق إليه.

 

الرابع: فيه تفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة؛ لأن أكثر هؤلاء يلوي قدمه، ليلزقها بقدم جاره.

 

الخامس: أن رصّ الصفوف خاص بما يلي الإمام، فمن كان يمين الصف فحقه أن يسد الخلل ويتم الصف متجهاً إلى اليسار، ومن كان على يسار الإمام فيتجه إلى اليمين، وفي هذا الفعل مخالفة بينة لهذه السنة([408])

 

ولا دليل لمن يفعل ذلك بقول النعمان بن بشير المتقدم: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)، فإن المراد بالحديث – كما يقول الحافظ في الفتح – المبالغة في تعديل الصف، وسدّ خلله([409])؛ بدليل أن إلزاقه الركبة بالركبة حال القيام متعذر.

 

وإنما ذكرت هذه الجزئية؛ لأني رأيت من يفعلها، ويحرص عليها ويناقش فيها، فرحم الله امرأ وقف عند السنة، ولم يفض به تطبيقها على الغلو والزيادة.

 

ولا ينبغي للإنسان أن يقف بين السواري لغير حاجة؛ لما ورد عن معاوية ابن قرة، عن أبيه قال: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله e، ونطرد عنها طرداً)([410])، وله شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يتقوى به، يرويه عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله e"([411]).

 

فهذا الحديث وما قبله نص صريح في أنه لا ينبغي للمصلين أن يصفوا بين السواري؛ لأن السواري تحول بينهم وبين اتصال الصف وتسويته([412]).

 

لكن إن ضاق المسجد فلا بأس، كالمسجد الحرام أو بعض المساجد الكبيرة، وذلك للحاجة، لكن لا ينبغي التساهل في هذا، كما يوجد في المسجد الحرام عند قلة الناس، عندما يلزمك بعض الناس بإتمام الصف ولو كان بين السواري مع إمكان التقدم أو التأخر، فالذي أراه أن مثل هذا الصف ينبغي تركه إذا لم يكن حاجة، أما إذا كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين فلا بأس؛ لعدم العلة، وهي انقطاع الصف على القول بها.

 

ولا بأس بالصلاة بين الساريتين في غير الجماعة كالنافلة، قال البخاري رحمه الله: (باب الصلاة بين السواري في غير جماعة)، وذكر حديث ابن عمر قال: (دخل النبي e البيت وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال، فأطال ثم خرج، كنت أول الناس دخل على أثره، فسألت بلالاً: أين صلّى؟ قال: بين العمودين المقدمين)([413]).

 

وليحذر المصلي أن يقف في صف متأخر مع وجود أمكنة خالية في الصفوف الأول، كما يفعله بعض الناس عندما يقيمون صفاً أو صفوفاً وبينهم وبين الإمام صفوف شاغرة، فإن هذا مخالف لقوله e: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه . . ." الحديث، وتقدم قريباً، ولقوله e: "تقدموا فائتموا بي، وليأتكم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"([414]).

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له).

 

وقال: (بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد، فإن اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم، وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء)([415]).

 

وقال أيضاً: (والسنة في الصفوف أن يتموا الأول فالأول، ويتراصون في الصف، فمن صلى في مؤخر المسجد مع خلو ما يلي الإمام كانت صلاته مكروهة، والله أعلم)([416]).

 

وختاماً أوجه نداء إلى أئمة المساجد أن يهتموا بتسوية الصفوف، ويأمروا المأمومين بذلك قبل تكبيرة الإحرام بألفاظ التسوية الثابتة في السنة؛ مثل: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، اعتدلوا، سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، أتموا الصف الأول فالأول([417])، ونحو ذلك، ويختار من الألفاظ الواردة ما يناسب الحال، والأولى عدم زيادة: (رحمكم الله)؛ لعدم ورودها في أحاديث تسوية الصفوف.

 

ولا يكفي أن يقول الإمام ذلك دون أن يلتفت إلى المأمومين – كما عليه بعض الأئمة – ثم يكبر ويترك الخلل والفرجات، وعلى الإمام أن يحيي السنة المهجورة، فيأتي بنفسه إلى ناحية الصف لتسويته، أو يرسل رجلاً لتسوية الصف، فقد ثبت أنه e كان يشرف بنفسه على تسوية الصف، قال أبو مسعود – عقبة بن عمرو رضي الله عنه -: كان رسول الله e يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول:  "استووا ولا تختلفوا . ."([418]) ويقول البراء – رضي الله عنه -: كان رسول الله e يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يسمح صدورنا ومناكبنا، ويقول: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"([419])، وجاء عن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذ جاؤوه فأخبروه أن قد استوت كبّر([420])، فلعل الأئمة – وفقهم الله – ينتبهون لهذا، والله أعلم.

 

الحكم الحادي عشر

 

في صلاة المنفرد خلف الصف

 

 

 

إذا دخل المسجد فوجد أن الصف قد تم ولم يجد له مكاناً فهل يصلي خلف الصف منفردأ؟ أو يجذب رجلاً يقف معه؟ أو ينتظر حتى يأتي أحد؟ هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، أذكره فيما يلي، ثم أبين القول المختار، بعون الله تعالى.

 

فالقول الأول: أن المنفرد يكون صفاً وحده، وصلاته صحيحة. وهذا مذهب الجمهور – كما حكاه صاحب بداية المجتهد –([421]) ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة.

 

ومن أدلة هؤلاء: حديث أبي بكر– رضي الله عنه – وفيه: (فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف)([422]) قال البغوي – رحمه الله -: (في هذا الحديث أنواع من الفقه، منها: أن من صلى خلف الصف منفرداً بصلاة الإمام تصح صلاته؛ لأن أبا بكرة ركع خلف الصف، فقد أتى بجزء من الصلاة خلف الصف، ثم لم يأمره النبي e بالإعادة، وأرشده في المستقبل إلى ما هو أفضل بقوله: "ولا تعد"،وهو نهي إرشاد، لا نهي تحريم، ولو كان للتحريم لأمره بالإعادة)([423]).

 

القول الثاني: أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة، وهو مذهب الإمام أحمد، ورواية عن الإمام مالك – ما في الإفصاح لابن هبيرة –([424]) وبه قال جمع من الفقهاء والمحدثين.

 

واستدل هؤلاء بحديث وابصة بن معبد أن رسول الله e رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة([425]).

 

وله شاهد من حديث على بن شيبان قال: خرجنا قدمنا على النبي e فبايعناه، وصلينا خلفه، فقضى نبي الله e الصلاة فرأى رجلاً خلف الصف وحده، فوقف عليه نبي الله e حتى انصرف، فقال: "استقبل صلاتك، فلا صلاة للذي خلف الصف"([426]). وقد نقل عبد الله بن أحمد في المسند بعد حديث وابصة قال: (وكان أبي يقول بهذا الحديث)([427]).

 

القول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن وجد محلاً في الصف فصلى وحده لم تصح، وإن اجتهد ولم يجد جاز أن يقف وحده.

 

وهذا قال به الحسن البصري، كما في المصنف لابن أبي شيبة؛ والبويطي، كما ذكره الشوكاني في نيل الأوطار؛ وابن قدامة في المغني، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيده كما في الفتاوى، والقواعد النوارنية والمسائل الماردينية؛ وكذا ابن القيم، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحم الله الجميع([428]).

 

وهذا هو المختار – إن شاء الله – لما يلي:

 

أن العلماء مجمعون على أن واجبات الصلاة وأركانها تسقط عند عدم القدرة، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة. وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة.

 

فالقيام ركن في صلاة الفرض، فإذا لم يستطع القيام صلّى قاعداً، وهكذا الركوع والسجود وغيرها، والمصافة ليست من الأركان ولا من الواجبات. ولا ريب أن العجز عن المصافة عذر، ومن القواعد المقررة من نصوص الشريعة. أن الحكم يتغير إذا ما طرأ على صاحب الحكم عذر، فهذا العريان يصلي على حاله إذا لم يجد ما يستر عورته، والذي اشتبهت عليه القبلة يصلي إلى أي جهة، ولا يلزمه الإعادة إذا وجد سترة أو تبينت له القبلة، وهكذا . .

 

أن عمومات الشريعة تؤيد هذا القول، كقوله تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم[([429])، وقوله تعالى: ]لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[([430])، وقوله e: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"([431]).

 

أن هذا القول فيه جمع بين الأدلة؛ فقوله e: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"، محمول على ما إذا لم يجد فرجة فلا يحمل عليه الحديث، بدليل ما ذكرنا في الأمرين السابقين؛ لأنه ليس بمقصر، فتصح صلاته إن شاء الله.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (وأما حديث أبي بكرة فليس فيه أنه صلى منفرداً خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركاً للركعة، فهو بمنـزلة أن يقف وحده ثم يجيء آخر فيصافه، فإن هذا جائز باتفاق الآئمة . . .)([432]).

 

وعلى هذا فمن صلى جزءاً من صلاته خلف الصف ثم انضم إليه آخر لا يعد مصلياً خلف الصف منفرداً. وهذا ما فعله أبو بكرة رضي الله عنه.

 

والأظهر في حديث أبي بكرة أن النهي في قوله e: "زادك الله حرصاً، ولا تعد"، نهي عن الإسراع والسعي الشديد؛ لما تقدم أول الكتاب من النهي عن إتيان الصلاة في حالة الإسراع، ولا يمكن أن يعود إلى الركوع دون الصف، ولا للاعتداد بتلك الركعة، لا سيما وقد فعل ذلك بعض الصحابة كأبي بكر، وزيد بن ثابت، وابن مسعود – رضي الله عنهم – وثبت هذا عنهم بأسانيد صحيحة([433]).

 

ولا يجوز لمن لم يجد مكاناً في الصف أن يجذب رجلاً يقف معه لما يلي:

 

أن الحديث الوارد في الجذب ضعيف، وهو حديث وابصة، وفيه: "ألا دخلت في الصف أو جذبت رجلاً يصلي معك"([434]).

 

أن الجذب تصرف إلى إيجاد فرجة في الصف، والمشروع سدّ الفرج.

 

أن الجذب تصرف في المجذوب، وتشويش عليه، وتفويت لفضيلة الصف الأول وكونه خلف الإمام؛ لأن الغالب في الجذب أن يكون لمن هو خلف الإمام([435]).

 

وإذا دخل اثنان وفي الصف فرجة فأيهما أفضل: وقوفهما معاً أو سد أحدهما الفرجة ووقف الآخر فذاً؟

 

ذهب بعض أهل العلم إلى أن الراجح الاصطفاف مع بقاء الفرجة؛ لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب.

 

وفي هذا نظر؛ فإن قوله e: "من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله"([436])، يفيد وجوب سد الفرجة، وعليه فالأولى في هذه الحالة أن يسد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر، والله أعلم.

 

قال في عون المعبود: ("من وصل صفاً": بالحضور فيه، وسدّ الخلل منه. "ومن قطع صفاً": أي: بالغيبة، أو بعدم السد، أو بوضع شيء مانع)([437]).

 

ومثل ما تقدم ما لو وقف اثنان في الصف ثم انصرف أحدهما لعذر، فإن الآخر يقف وحده على الصحيح، أو يقف عن يمين الإمام إن أمكن، ولا يجذب رجلاً، وأما قول صاحب المغني: (إنه يدخل في الصف، أو ينبه رجلاً يخرج معه، أو يقف عن يمين الإمام، فإن لم يمكن شيء من ذلك نوى الحدث)([438])، أقول: هذا فيه نظر، والصواب – إن شاء الله – أنه يتم الصلاة معهم ولو لم يقف معه أحد، ولا شيء عليه؛ لأنه معذور ولا تقصير منه،كما لو سبق إمامه الحدث فإن صلاته لا تبطل ببطلان صلاة إمامه، بل يستخلف على القول المختار في هذه المسالة، وما ذكره في المغني قول في المذهب.

 

ومثل ذلك قول الشيخ منصور البهوتي في باب "صلاة الجمعة" من شرح الزاد: (وإن أحرم ثم زحم وأخرج عن الصف فصلى فذاً لم تصح)([439]). وهذا مبني على القول بأن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وقد علمت أن المختار القول بالصحة لمن كان معذوراً بأن اجتهد ولم يجد مكاناً، وهذا الذي زحم أولى بالعذر، فصلاته معهم صحيحة، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

 

واعلم أن الذين لا يجيزون صلاة المنفرد خلف الصف اختلفوا في بيان ماذا يفعل: فقال بعضهم: يجذب رجلاً. وقد علمت ضعف ذلك، وقال آخرون: يقف عن يمين الإمام،وهذا لا دليل عليه في هذه المسألة بالذات، وقد ورد أن أبا بكر وقف عن يمين الرسول e في مرضه – عليه الصلاة والسلام – وهي قضية فردية. أضف إلى ذلك أن الصفوف قد تكون كثيرة واختراقها والوقوف عن يمين الإمام يحدث تشويشاً على الإمام والمأمومين، ولا سيما الصف الأول ومن هم خلف الإمام، ثم إذا حضر ثان وثالث هل يقال لكل واحد يأت بمفرده: قف عن يمين الإمام؟! إن هذه التصرفات تؤيد القول بأنه يصلي خلف الصف إذا لم يجد مكاناً، والله اعلم([440]).

 

الحكم الثاني عشر

 

الدخول مع الإمام على أي حال

 

 

 

إذا دخل المصلي والإمام في الصلاة دخل معه على أي حال كان؛ في القيام أو الركوع أو السجود أو بين السجدتين؛ وذلك لما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فكبروا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة"([441]).

 

وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"([442]).

 

قال الحافظ ابن حجر: (استدلّ به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها)([443]).

 

وعن معاذ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام"([444]).

 

هذه هي السنة في حق الداخل والإمام في الصلاة؛ بدلالة ما ذكر من النصوص.

 

ومن الناس من إذا دخل والإمام ساجد أو بين السجدتين لم يدخل معه حتى يقوم إلى الركعة التالية، أو يعلم أنه في التشهد فيجلس معه، وهذا قد حرم نفسه فضل السجود، مع أنه مخالف لما تضمنته الأدلة المتقدمة. قال بعض العلماء في فضل السجود مع الإمام إذا أدركه ساجداً: (لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له)([445]).

 

قال في تحفة الأحوذي: (قوله: "فليصنع كما يصنع الإمام" أي: فليوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك، أي: فلا ينتظر الإمام إلى القيام، كما يفعله العوام)([446]).

 

واعلم أن أحوال الإمام وقت دخول المأموم المسجد أربع، وهي أهم الأحوال:

 

أن يكون الإمام قائماً في سرية أو جهرية.

 

أن يكون الإمام راكعاً.

 

أن يكون الإمام ساجداً وبين السجدتين.

 

أن يكون الإمام في التشهد.

 

وسأبين – إن شاء الله – ما يفعله المأموم في كل حالة، فأقول مستمداً من الله التوفيق والسداد:

 

الحالة الأولى: أن يكون الإمام قائماً

 

من دخل والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يسكت حتى يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة؛ لأن المأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة إمامه، واستفتاحه وتعوذ يشغله عن الاستماع والإنصات المأمور به، وليس له أن يشغل عما أمر به بشيء([447]).

 

وهذا القول – أعني أنه لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر إمامه – هو أصح الأقوال في هذه المسألة – إن شاء الله – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –([448])؛ وذلك لقوة مأخذه؛ فإن النهي e يقول: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا"([449]).

 

فإذا فرغ الإمام من الفاتحة أتى المأموم بدعاء الاستفتاح، ثم استعاذ وقرأ البسملة والفاتحة، وإذا لم يمكنه أن يستفتح ويستعيد قبل أن يبدأ الإمام بقراءة السورة فإنه لا يستفتح؛ لأن دعاء الاستفتاح سنة؛ بل يستعيذ ويقرأ؛ لقوله e: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"([450]).

 

وهذا على القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، والراجح وجوبها عليه؛ لعموم قوله e: "لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب"([451]) وهذا نفي للصحة.

 

أما إذا دخل المسجد والإمام في الصلاة السرية فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ويستفتح، ويستعيذ، ثم يقرأ إذا ظن أنه يتم الفاتحة قبل أن يركع إمامه إذا كان تكبيرة الإحرام ولا يستفتح؛ لأن الاهتمام بالفرض أولى([452]).

 

ولا يقتصر في قراءته خلف إمامه في السرية على قصار السور إذا كان عارفاً لغيرها في صلاة يطيل الإمام فيها غالباً كالظهر؛ لأن قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءته خارج الصلاة، وما ورد من الفضل لقارئ القرآن يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره.

 

ثم إن السكوت في الصلاة بلا ذكر ولا قراءة ولا دعاء ليس عبادة، ولا مأموراً به فيما عدا الإنصات لقراءة الإمام، بل إن السكوت يفتح باب الخواطر والأفكار التي تبعد المصلي عما هو فيه([453]).

 

وإذا ركع الإمام ترك المأموم بقية الفاتحة وركع معه؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه، ويكون مدركاً للركعة لو أدركه في الركوع، فإن الفاتحة تسقط عنه، ولا يتخلف عن إمامه لإتمام الفاتحة؛ لقوله e: "وإذا ركع فاركعوا"([454])، والله أعلم.

 

الحالة الثانية: أن يكون الإمام راكعاً

 

إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه، ويكون مدركاً للركعة إذا اجتمع مع الإمام في حد أقل الركوع، وهو قدر ما يمس وسط الخلقة ركبتيه بيديه، ولو لم يطمئن، قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً، فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك. أهـ([455]).

 

ثم يطمئن ويتابع إمامه، وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة، وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي، وبه قال الشافعي ومالك وأصحاب الرأي، وهو المنصوص عن أحمد، قال أبو داود: قلت لأحمد: أدرك الإمام راكعاً؟ قال: يجزيك تكبيرة([456]). أهـ.

 

وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب، ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد، ونية الركوع لا تنافي نية الافتتاح، فأجزأ الركن – وهي تكبيرة الإحرام – عن الواجب – وهي تكبيرة الركوع – كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء([457]).

 

فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام، والثانية للركوع فهذا أولى، قال أبو داود: قلت لأحمد: يكبر مرتين أحبّ إليك؟ قال: فإن كبر تكبيرتين فليس فيه اختلاف([458]). أهـ.

 

وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائماً، فإن أتى بها حال انحنائه للركوع لم يصح([459]).

 

وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة، وهذا قول الجمهور، وهو الراجح – إن شاء الله – لقوله e: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"([460]). فدل على أن الداخل مع الإمام الذي لم يتمكن من قراءة الفاتحة قد أدرك الركعة بمجرد إدراكه له راكعاً، قال ابن خزيمة: (باب إدراك المأموم الإمام ساجداً، والأمر بالاقتداء به في السجود، وأنه لا يعتد به؛ إذ المدرك للسجدة إنما يكون بإدراك الركوع قبلها). ثم ساق الحديث([461]).

 

وكذلك فإن الرسول e أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام، ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه، فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه، فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله([462]).

 

وكذلك يؤيده حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه انتهى إلى النبي e وهو راكع، فركع معه قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي e فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"([463]).

 

ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي e بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها، ولم ينقل عنه ذلك وقت الحاجة، فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة([464]).

 

وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق، وحديث أبي بكرة خاص بالمسبوق، ولا تعارض بين العام والخاص، كما في الأصول، حيث يخصص العام بالخاص، ويكون المسبوق الذي لم يدرك القيام ومحل القراءة خارجاً من هذا العموم، والله أعلم([465]).

 

الحالة الثالثة: أن يكون الإمام ساجداً أو بين السجدتين

 

إذا دخل المصلي المسجد والإمام في السجود سجد معه – لما تقدم من قوله e: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدّوها شيئاً . ." – أو بين السجدتين جلس معه؛ لعموم ما تقدم، ولو لم تحسب له هذه الركعة؛ لأنه لم يدرك الركوع معه.

 

وقد ذكر أهل العلم – رحمهم الله تعالى – أن المصلي الذي أدرك إمامه ساجداً أنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يسجد مع إمامه من غير تكبير؛ لأنه لم يدرك محل التكبير، قال ابن قدامة في المغني: (وإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح، وينحط بغير تكبير؛ لأنه لا يعتدّ له به، وقد فاته محل التكبير، وإن أدركه في السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام على الثالثة؛ لأنه مأموم له، فيتابعه في التكبير، كمن أدرك معه من أولها)([466]).

 

وهذا بخلاف التكبير للركوع؛ فإنه محسوب له، وبخلاف ما إذا انتقل بعد ذلك مع الإمام من السجود أو غيره، فإنه يكبر موافقة للإمام في الانتقال إليه، وإن كان غير محسوب له، كما أفاده ابن قدامة –رحمه الله-

 

والقول الثاني: أنه ينحط معه بتكبير، فيكبر الأولى للإحرام، والثانية ليقعد بها؛ لأنه التزم متابعة الإمام وهو في القعود أو السجود، والانتقال من القيام إلى السجود يكون بالتكبير، والله اعلم([467]).

 

ولو أحرم بالصلاة وانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه قبل أن يضع المأموم جبهته على الأرض، فالظاهر أنه يرجع معه ولا يسجد؛ لفوات محل المتابعة برفع الإمام رأسه من الأرض قبل وضع المأموم جبهته عليها، بخلاف ما إذا كان معه من أول الصلاة.

 

ولو أدركه في السجدة الأولى فانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه، وجلس بين السجدتين جلس معه المأموم، فإذا سجد الثانية سجد معه، والله اعلم([468]).

 

الحالة الرابعة: أن يكون الإمام في التشهد

 

إذا دخل المسجد والإمام في التشهد فقد فاتته صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة على القول المختار – كما سيأتي إن شاء الله -.

 

وهذا الذي دخل المسجد والإمام في التشهد الأصل أنه يدخل مع الإمام؛ لعموم "إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام"([469]). إلا إذا كان يطمع بمجيء غيره فإن من العلماء من يرى أنه لا يدخل مع الإمام؛ لفوات الجماعة، وله ولمن جاء معه أن يقيموا جماعة ثانية([470]) – كما سيأتي بيانه إن شاء الله – يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (إذا كان المدرك أقل من ركعة وكان بعدها جماعة أخرى فصلى معهم في جماعة صلاة تامة فهذا أفضل، فإن هذا يكون مصلياً في جماعة، بخلاف الأول)([471])، والله أعلم.

 

الحكم الثالث عشر

 

ما تدرك به الجماعة

 

 

 

تدرك الجماعة بإدراك ركعة مع الإمام، فمن أدرك مع إمامه ركعة فقد أدرك الجماعة، ومن أدرك أقل من ركعة، كأن يدركه في السجود من الركعة الأخيرة أو في التشهد؛ فقد فاتته الجماعة، وهذا هو القول الراجح من قولي أهل العلم، ودليل ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"([472]).

 

فهذا حديث صريح يدل بمنطوقه على أن من أدرك ركعة من صلاة الإمام فقد أدرك صلاة الجماعة؛ لأنه نص عام في جميع صور إدراك ركعة من الصلاة، سواء كان إدراك جماعة، أو إدراك وقت.

 

ويدل بمفهومه على أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة، سواء كان إدراك جماعة، أو إدراك وقت.

 

والركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع مع الإمام، بأن يجتمع مع الإمام في حد أقل الركوع، ولو لم يدرك قراءة الفاتحة مع إمامه، وقد مضى بيان ذلك.

 

أما من قال: إن الجماعة تدرك بإدراك التكبير قبل سلام الإمام؛ فهو قول مرجوج، لا يعضده دليل؛ لما يلي:

 

أنه مبني على تعليل، وهو أن المأموم أدرك جزءاً من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة، وهذا تعليل في مقابلة نص.

 

أنه لا يعرف في نصوص الشرع تعليق الإدراك تكبيرة لا في الوقت، ولا في الجمعة، ولا في الجماعة، فهو وصف ملغى في نظر الشارع فلا يجوز اعتباره، ولا بناء الحكم عليه.

 

أن ما دون الركعة لا يعتد به في الصلاة؛ لأن المأموم يستقبل جميع صلاته منفرداً فلم يدرك مع إمامه شيئاً يحتسب له به، فتكون صلاته كلها صلاة منفرد([473]).

 

لكن بقي مسألة يسأل عنها، ويناسب ذكرها هنا؛ وهي: هل يجوز للمسبوق أن يعتد بالركعة الزائدة في حق الإمام، ويعتبرها ركعة صحيحة له؟ ومثال ذلك: إمام قام إلى خامسة في رباعية – كالظهر – أو إلى رابعة في المغرب ساهياً، وهناك مأموم دخل معه في هذه الركعة، ولم يعلم أنها زائدة، فهل تحسب له ويكون قد أدرك الجماعة؟

 

الراجح من قولي أهل العلم أنه يعتد بها، فتحسب له من صلاته، ويكون أدرك الجماعة؛ لأنه أدرك مع الإمام ركعة، وهي وإن كانت زائدة في حق الإمام فهو معذور بزيادتها؛ لأنه لم يتعمدها، وهي صحيحة في حق المسبوق؛ لأنها من صلاته الأصلية. ولو قلنا: لا يعتد بها لاقتضى ذلك جواز أن يزيد في الصلاة ركعة متعمداً، وذلك مبطل للصلاة بالإجماع؛ لأنه يقتضي أن يصلي الرباعية خمساً، والمغرب أربعاً، وما لزم منه خرق الإجماع ومخالفة الأدلة الشرعية فهو غير صحيح.

 

وأما من قال: إن المسبوق لا يعتد بها، لأنها زيادة لا يعتد بها الإمام فلم يعتد بها المأموم، ففيه نظر؛ لأن الإمام لا يعتد بها؛ لكونها زائدة في حقه والمأموم يعتد بها؛ لكونها من صلاته فكيف نلغيها ونأمره أن يزيد في صلاته؟! والله أعلم([474]).

 

الحكم الرابع عشر

 

في صفة الصلاة

 

 

 

ثبت عنه e أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"([475]). وقد بين النبي e صفة الصلاة بالقول والفعل. وحريّ بالمكلف أن يتأسى بنبيه e في صفة صلاته، فإن ذلك أقوى في إيمانه، وأدلّ على اتباعه لرسول الله e، وأكمل في عبادته. وكثير من الناس يخلّون في الصلاة بأشياء، إما جهلاً وإما تهاوناً، وسأذكر – بعون الله – صفة الصلاة كما ثبت في السنة، مجرد عن الدليل خشية الإطالة، مع عزو كل صفة إلى مصدرها من مصادر السنة، فأقول:

 

يسن القيام إلى الصلاة عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، وإن قام عند رؤية الإمام، أو عند أول الإقامة فلا بأس؛ لأن في الأمر سعة([476]). ثم يكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: "الله أكبر"، لا يجزئ عنها غيرها([477])، رافعاً يديه إلى منكبيه، أو على فروع أذنيه، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع مستقبلاً ببطونهما القبلة([478]).

 

وما بعض الناس من الرفع إلى سرته، أو فوقها بقليل فهو قصور في تطبيق السنة.

 

وهذا الرفع مشروع في حق المرأة أيضاً؛ لأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء، وكذا العكس، إلا ما دل الدليل على استثنائه([479]).

 

فإن وجد مانع من الرفع رفع حسب استطاعته، فإن كان لا يستطيع رفعها معاً، رفع واحدة.

 

والأفضل أن يبدأ التكبير مع رفع يديه، وينهيه مع انتهاء الرفع؛ لأن الرفع للتكبير، وله أن يقدم الرفع قبل التكبير، أو يقدم التكبير قل الرفع([480]). فإذا فرغ من تكبيرة الإحرام سن له أن يقبض كوع يسراه بيمينه([481]) أو يضع يده اليمنى على ذراع اليد اليسرى، ثم يضعهما على صدره([482])، وهو دليل الخشوع والذل والانكسار بين يدي رب العالمين([483]).

 

والسنة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع للقلب، وأكف للبصر، وأبلغ في الخضوع، ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره؛ لعدم المخصص([484]).

 

ولم يرد في المسافة بين القدمين حال القيام سنة عن الرسول e، فتكون المسافة بحسب طبيعة الإنسان حال وقوفه؛ لأن كل شيء لم يرد به صفة شرعية فإنه يبقى على طبيعته([485]).

 

ثم يستفتح وهو سنة، فيقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"([486])، أو يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"([487])، أو غير ذلك إحياء للسنة، وهو أحضر للقلب، وأدعى لفهم ما يقول([488]).

 

ثم يستعيذ للقراءة، والاستعاذة سنة؛ ثم يبسمل، وهي سنة أيضاً، ثم يقرأ الفاتحة سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، فيقرأ المأموم الفاتحة ولو في أثناء جهر الإمام بالقراءة([489])؛ لأن الفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة، وتسقط عنه الفاتحة – كما تقدم -.

 

ويجب أن تكون قراءة الفاتحة في حال القيام، فإن قرأ شيئاً منها قبل أن يقوم إلى الركعة الثانية بلا عذر لم تصح([490]).

 

ولا بد أن يقرأ الفاتحة تامة متوالية، مع تشديداتها، فإن أسقط منها حرفاً أو لحن فيها لحناً يغير المعنى لم تصح، وإذا انتهى من قراءتها قال: آمين. والسنة أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام – كما تقدم أيضاً -، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، وإن كان مأموماً قرأ بقدر إطالة الصلاة – كالظهر مثلاً -؛ لأن الصلاة ليس فيها سكوت إلا فيحال جهر الإمام.

 

ثم يسكت بعد قراءته سكتة لطيفة، ثم يركع رافعاً يديه – كما تقدم -، والمجزئ من الركوع هو الانحناء بحيث يمكنه مسّ ركبتيه بيديه([491]).

 

والركوع الموافق للسنة ما اجتمع فيه أربع صفات:

 

الأولى: أن يمد ظهره ويبسطه فلا يقوسه ولا يهصره بحيث ينـزل وسطه.

 

الثانية: أن يجعل رأسه حيال ظهره، فلا يرفعه ولا يخفضه([492]).

 

الثالثة: أن يضع كفيه على ركبتيه، مفرّجتي الأصابع، قابضاً بهما على ركبتيه.

 

الرابعة: أن يجافي مرفقيه عن جنبه ما لم يؤذ أحداً، وإلا ترك ذلك([493])، ثم يقول: سبحان ربي العظيم([494]). والواجب مرة واحدة، والأفضل الإكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة([495])، إلا إذا اكن إماماً فلا يطيل، إلا علم من حال المأمومين أنهم يؤثرون ذلك.

 

وإن قال: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"([496]) فحسن، أو غير ذلك من أذكار الركوع الواردة في السنة([497]).

 

ثم يرفع رأسه من الركوع مكبراً رافعاً يديه – كما تقدم -، ويعتد قائماً حتى يرجع كل عضو إلى موضعه([498])، ويطمئن([499])، ويقول حال رفعه: "سمع الله لمن حمده"، إماماً كان أو منفرداً، ثم يقول وهو قائم: "ربنا ولك الحمد"([500])، أو يقول: "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"([501]).

 

ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى حال قيامه؛ لأنه لم يثبت عن النبي e التفريق بين ما قبل الركوع وما بعد الرفع منه، بل ظاهر السنة هو الوضع المذكور([502]).

 

ثم يهوي للسجود مكبراً، والأفضل أن يكون ابتداء التكبير مع ابتداء انحطاطه، وانتهاؤه مع انتهائه.

 

والسنة أن يضع المصلي ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته وأنفه([503])، فإن احتاج لتقديم يديه قبل ركبتيه لكبر أو مرض فله ذلك. فيسجد على جبهته مع أنفه، ويديه وركبتيه وأطراف قدميه. والسجود الموافق للسنة ما اجتمع فيه أربع صفات:

 

الأولى: أن يجعل يديه حال سجوده حذو منكبيه، وله أن يسجد بين كفيه، وله أن يجعلهما حذو أذنيه،      فكل ذلك ورد في السنة([504]).

 

الثانية: أن يبسط كفيه، مضموتي الأصابع إلى القبلة([505]).

 

الثالثة: أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقية([506])، وهذه المجافاة سنة ما لم يؤذ من يجانبه، فإن حصل ذلك ترك المجافاة.

 

الرابعة: أن يضم قدميه في أثناء السجود، ويثني أصابعهما بحيث تكون في اتجاه القبلة([507]).

 

ويسن الاعتدال في السجود، ولا ينبغي الامتداد الزائد، فإنه خلاف السنة([508])، ولا يبسط ذراعيه على الأرض، إلا إذا طال السجود فله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه([509])، وينبغي للمصلي أن يباشر الأرض بجبهته إلا إن كان الحائل منفصلاً – كفراش المسجد – فيجوز، فإن كان متصلاً – كطرف ثوبه أو غترته ونحو ذلك – كره السجود عليه إلا لحاجة، كبرد أو حر أو شوك ونحو ذلك([510])، ثم يقول: سبحان ربي الأعلى([511])، ثلاثاً، ويجزئ واحدة، وله أن يقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"([512])، أو يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقة وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره"([513]) إلى غير ذلك مما ثبت في السنة، وينبغي الإكثار من الدعاء حال السجود، لقرب العبد من ربه تبارك وتعالى([514]).

 

ثم يرفع رأسه مكبراً في حال رفعه، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً اليمنى، مستقبلاً بأصابعها القبلة([515])، ويضع يديه على فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه، وله أن يضع اليمنى على الركبة، واليسرى يلقمها الركبة كالقابض لها، وكلا اليدين تكون مبسوطة مضمومة الأصابع، موجهة إلى القبلة([516])، وإن قبض من اليد اليمنى الخنصر – وهي الإصبع الكبيرة – مع الوسطى، أو غير ذلك من الصفات، ورفع السبابة يحركها عند الدعاء جاز، فقد قال بذلك بعض العلماء استناداً لبعض النصوص([517]).

 

ويقول: ربي اغفر لي([518]) ثلاثاً، ويجزئ واحدة، وله أن يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني   واهدني وارزقني"([519]).

 

ثم يسجد الثانية كالأولى في الهيئة والدعاء، ثم يرفع مكبراً ناهضاً على صدور قدميه([520])، معتمداً بيديه على ركبتيه إن سهل، وإلا اعتمد على الأرض([521])، ولا يجلس جلسة الاستراحة – وهي جلسة خفيفة كهيئة الجلوس بين السجدتين – إلا إن فعلها إمامه، وإلا نهض لئلا يخالفه([522]).

 

ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى، سوى تكبيرة الإحرام والاستفتاح، ولا يستعيذ للقراءة في الركعة الثانية؛ لأن الصلاة جملة واحدة، إلا إذا لم يتعوذ في الركعة الأولى لكونه أدرك الإمام راكعاً، فيتعوذ إذا قام للقراءة، أما البسملة فتسن في كل ركعة؛ لأنها تستفتح بها السورة([523]).

 

فإذا فرغ من الركعة الثانية جلس للتشهد الأول كجلوسه بين السجدتين، ويضع يديه على فخذيه، ويقبض الخنصر والبنصر، ويحلق حلقة بالإبهام مع الوسطى، أو يضم الخنصر والبنصر والوسطى ويضم إليها الإبهام، وتبقى السبابة مفتوحة، أما اليسرى فهي مبسوطة، مضمومة الأصابع، وأطرافها إلى القبلة([524])، ويرفع السبابة يشير بها([525])، ويرمي ببصره إليها([526]).

 

ثم يقرا التشهد، وله صيغ متعددة، وبأي تشهد تشهّد مما صح عن النبي e جاز([527])، فإن تشهد بنوع مرة وبنوع مرة أخرى فهو أفضل. ومن ذلك: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدأ عبده ورسوله"([528])

 

فإن فرغ المأموم من هذا التشهد قبل قيام إمامه إلى الركعة الثالثة فإنه يقرأ بقية التشهد، وهو قوله: (اللهم صل على محمد . . .)إلخ، لا سيما إن كان الإمام يكمل التشهد، فإن المأموم يكمله؛ لأنه تابع لإمامه([529])، ولأن الصلاة ليس فيها سكوت إلا حال قراءة الإمام.

 

فإذا فرغ من التشهد الأول نهض إلى الثالثة كما تقدم في صفة النهوض من السجود إلى الركعة الثانية، فإذا اعتدل رفع يديه – كما فعل عند تكبيرة الإحرام – ويصلي الركعة الثالثة – إن كانت الصلاة ثلاثية – ويقتصر على قراءة الفاتحة([530]). وإن قرأ أحياناً شيئاً مع الفاتحة فهذا أفضل، لا سيما عن كان مأموماً وفرغ من الفاتحة قبل أن يركع إمامه، لما تقدم([531]).

 

وفي آخرها يجلس للتشهد الأخير متورّكاً، وصفته: أن يفرش رجله اليسرى، ويخرجها عن يمينه، وينصب اليمنى، جاعلاً مقعدته على الأرض([532]) أو يفرش قدميه كليهما، ويخرجهما من الجانب الأيسر([533]). أو يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى([534])، والأفضل أن يفعل هذا تارة،  وهذا تارة، كما تقدم. والمرأة كالرجل في ذلك([535]).

 

ثم يقرأ التشهد الأخير كالأول، ويزيد الصلاة على النبي e، وقد وردت بألفاظ متعددة([536])، ثم يتعوذ قائلاً: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدجال"([537]) ثم يدعو بما شاء من أمور دينه ودنياه، ومن الوارد: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"([538])، "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت"([539]).

 

ثم يسلم عن يمينه قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، ويبالغ في الالتفات حتى يرى بياض خده([540])، وإن زاد أحياناً "وبركاته" جاز لثبوت ذلك عن النبي e([541]) لكن لا يداوم عليها؛ لأنها لم ترد في أكثر أحاديث السلام.

 

ولا أصل للمصافحة بعد الصلاة – كما يفعله بعض الناس – فيصافح الذي عن يمينه وشماله، قائلاً: تقبل الله، سواء كان ذلك بعد صلاة الفجر والعصر أو بعد كل صلاة، فإن هذا من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشرع، مع ما فيها من الإشغال عن الذكر، ولم يفعل ذلك الصحابة – رضي الله عنهم – ومن سار على نهجهم من سلف هذه الأمة، والمصافحة إنما تشرع عند الملاقاة، لا في أثناء المجالسة.

 

ومثل ذلك ما يفعله بعض المصلين من الإشارة بالأكف يمنة ويسرة مع التسليم فهو بدعة؛ لأن إحداث هيئة في العبادات لم يرد فيها دليل داخل في مسمى البدعة([542])، والله أعلم.

 

الحكم الخامس عشر

 

في الذكر بعد الصلاة

 

 

 

للذكر بعد الصلاة شأن عظيم، حث عليه النبي e، ورغب فيه قولاً وفعلاً، وقد دل ذلك مجملاً قوله تعالى: ]وأدبار السجود[([543]) قال ابن عباس – رضي الله عنهما – (أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها)([544]).

 

ولذا قال الإمام النووي – رحمه الله -: (أجمع العلماء على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعددة)([545]).

 

والذكر بعد الصلاة من المواضع التي يتأكد فيها الذكر([546]). فينبغي للمسلم أن يتعلم هذه الأذكار، وأن يحرص على الإتيان بها في مواضعها، وألا تأخذه العجلة، فيتركها، فيفوته خير كثير، كما عليه كثير من الناس اليوم.

 

وسأذكر شيئاً من هذه الأذكار بسياق أحاديثها؛ ليكون المسلم على بصيرة من ذلك إن شاء الله تعالى، وليحرص على التقيد بالألفاظ الواردة عنه e؛ لأن ذلك أكمل في التعبد.

 

روى ثوبان – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله e إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام"، وفي رواية لحديث عائشة – رضي الله عنها -: "يا ذا الجلال والإكرام"، قيل للأوذاعي – وهو أحد رواة حديث ثوبان -: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: استغفر الله، استغفر الله([547]).

 

وأما زيادة لفظ (وتعاليت) بعد لفظ تباركت فهي وإن كانت من ألفاظ الثناء على الله تعالى ووردت في أحاديث أخرى، إلا أنه لا أصل لها في هذا الموضع. والله أعلم.

 

وعن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أن النبي e كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"([548]).

 

وفي رواية سندها صحيح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، ثلاث مرات([549]).

 

وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير – رضي الله عنه – يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". وقال: كان رسول الله e يهلل بهن دبر كل صلاة([550]).

 

فإن كان بعد صلاة المغرب أو الفجر هلّل عشر مرات، لحديث أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "من قال دبر صلاة الفجر، وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله"([551]).

 

وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: أن رسول الله e أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك". فقال يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"([552]).

 

وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله e كان يتعوذ بهن دبر الصلاة. "اللهم إن أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من عذاب القبر"([553]).

 

وقد ورد في "الصحيحين" وغيرهما أدعية أخرى . . .

 

ثم يبدأ المصلي بالتسبيح، وقد ورد في السنة صفات متعددة ومن ذلك:

 

الصفة الأولى: أن يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

 

ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله e قال: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"([554]).

 

الصفة الثانية: ما ورد في حديث كعب بن عجرة – رضي الله عنه – عن رسول الله e قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة"([555]) ومعنى "معقبات": أي: تفعل مرة بعد أخرى في أعقاب الصلاة.

 

الصفة الثالثة: ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e -: "خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً"، قال: فأنا رأيت رسول الله e يعقدها بيده قال: "قتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمس مائة في الميزان . . ." الحديث([556]).

 

الصفة الرابعة: أن يسبح خمساً وعشرين، ويحمد خمساً وعشرين، ويهلل خمساً وعشرين، ودليل ذلك حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: أمروا أن يسبحوا دبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه، فقيل له: أمركم رسول الله e أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم. قال: فاجعلوا خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي e فذكر ذلك له، فقال: "اجعلوها كذلك"([557]).

 

والأفضل أن يأتي المصلي بهذه الصفة تارة، وبهذه تارة أخرى، لما تقدم في العبادات والواردة على صفات متعددة.

 

والأفضل أن يكون عد التسبيح بالأنامل – وهي الأصابع – لدلالة السنة على ذلك – كما سيأتي إن شاء الله – وقد درج على ذلك الصحابة – رضي الله عنهم – ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا – ولله الحمد – وهو أولى من استعمال السبحة ونحوها، فإنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأدعى إلى حضور القلب. وللمصلي أن يعقد التسبيح بكلتا يديه؛ لما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: (فأنا رأيت رسول الله e يعقدها بيده) ولفظ "اليد" للجنس، فيراد به: اليدان، وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولقد رأيت رسول الله e يعقدها هكذا) وعدّ بأصابعه([558]).

 

وعن يسيرة – وكانت من المهاجرات – قالت: قال لنا رسول الله e: "يا نساء المسلمات، عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات"([559]).

 

ويسن رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة؛ لما ورد عن عمرو بن دينار أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس – رضي الله عنهما – أخبره: أن رفع الصوت بالذكر – حين ينصرف الناس من المكتوبة – كان على عهد النبي e. وعنه قال: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي e بالتكبير([560]).

 

والأصل أن كل إنسان يذكر الله تعالى بمفرده، وأما الذكر الجماعي على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة فهذا وصف يحتاج إلى دليل من كتاب أو سنة؛ لأنه وصف يتعلق بعبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الإحداث والاختراع([561]).

 

وبعد الذكر يقرأ آية الكرسي ]الله لا إله إلا هو الحي القيوم[ . . . إلى: ]وهو العلي العظيم[ لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت"([562])، ثم يقرأ سورة الإخلاص ]قل هو الله أحد[([563]) والمعوذتين ]أعوذ برب الفق[ و ]قل أعوذ برب الناس[، لما ورد عن عقب بن عامر – رضي الله عنه – قال: أمرني رسول الله e أن أقرأ بالمعوّذات دبر كل صلاة([564]).

 

الحكم السادس عشر

 

في الفصل بين الفريضة والنافلة

 

 

 

دلت نصوص الشريعة على أنه ينبغي لمن صلى الفريضة أن يتحول عن مكانه لصلاة النفل إذا كانت النافلة في المسجد، فإن حصل بينهما بكلام كفى، والمراد به: التحدث مع الآخرين؛ لأنه أبلغ في الفصل، وأبعد عن جنس الصلاة. والحال الأول أكمل، وذلك ليحصل تمييز بين الفريضة والنافلة، وهذا مقاصد الشريعة في مشروعية هذا الحكم.

 

ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم،ولا بين الرجل والمرأة، لعموم الأدلة.

 

وقد دل على ذلك ما ورد عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأل عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت من مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت؛ إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله e أمرنا بذلك؛ أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج([565]).

 

قال النووي: (فيه دليل لما قاله أصحابنا: إن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها من موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: "حتى يتكلم" دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام – أيضاً – ولكن بالانتقال أفضل؛ لما ذكرناه، والله أعلم)([566]).

 

وعن رجل من أصحاب النبي e: أن رسول الله e صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر فقال له: اجلس، فإنما هلك الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال رسول الله e: "أحسن ابن الخطاب"([567]).

 

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: من صلى المكتوبة ثم بدا له أن يتطوع فليتكلم، أو فليمش، وليصلّ أمام ذلك. قال: وقال ابن عباس: إني لأقول للجارية: انظري كم ذهب الليل؟ ما بي إلا أن أفصل بينهما([568]).

 

فهذه الأدلة بينت مسألتين:

 

الأولى: أن الفصل بين الفريضة والنافلة قد يكون بالزمان، وقد يكون بالتحول من مكان إلى مكان، وقد يكون بالكلام، ففي الحديث الأول الفصل بالتقدم من موضع إلى موضع، وفي الثاني الفصل بالزمان، فإن الظاهر أن عمر – رضي الله عنه – لم يرد بالفصل فصلاً بالتقدم؛ لأنه قال له: اجلس، ولم يقل: تقدم أو تأخر([569])، وفي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – الفصل بالكلام كما في حديث معاوية – أيضاً – وظاهره أنه لا يحصل الفصل بالذكر بعد الصلاة، وإلا لما احتاج ابن باس على مخاطبة الجارية([570]). ويمكن أن يحمل هذا على الأكمل، والله اعلم.

 

وأكمل أنواع الفصل أن يتحول الإنسان إلى بيته فيصلي فيه النافلة؛ لما ورد عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"([571]).

 

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي e قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً"([572]).

 

وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده، فيجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً"([573]).

 

قال القرطبي: (والخير الذي يجعل في البيت بسبب التنقل فيه هو: عمارته بذكر الله، وبطاعته، بالملائكة، وبدعائهم واستغفارهم، وما يحصل لأهله من الثواب والبركة)([574]) أهـ.

 

قلت: ومن الخير الموعود به تربية أهل البيت من الصغار والنساء على محبة الصلاة والعناية بها، والقيام بها على أكمل الوجوه.

 

المسألة الثانية: مما دلت عليه أحاديث هذا الحكم: أن فيها إشارة إلى الحكمة من الأمر بالتحول من مكان الفريضة أو الكلام بعدها، وهي الفصل بين الفريضة والنافلة والتمييز بينهما([575]).

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح أنه e نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس؛ يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي e.

 

وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة.

 

ولهذا استحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهي عن استقبال رمضان بيوم أو يومين. فهذا كله للفصل بين المأمور به من رمضان وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها.

 

وأيضاً فإن كثيراً من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة، بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلموا وما سلموا، فيصلون ظهراً، ويظن الظان أنهم يصلون السنة، فإن حصل التمييز بين الفرض والنفل كان في هذا منع لهذه البدعة([576])).

 

وما ذكره الشيخ – رحمه الله – موجوداً الآن لا سيما في الحرمين الشريفين، حيث ترى العدد الكثير من المصلين بمجرد السلام ينهضون لأداء السنة البعدية، ولا ريب أن هذا ارتكاب للنهي، وقد يكون فيهم من أهل البدع، كما ذكر – رحمه الله -.

 

وقد ذكر العلماء حكمة أخرى وهي تكثير مواضع العبادة، نسب ذلك الشوكاني إلى البخاري والبغوي([577])؛ لأن مواضع العبادة، تشهد للعابد أخذاً من عموم قوله تعالى:  ]فما بكت عليهم السماء والأرض[([578]) أي: أن الأرض تبكي على صاحب الطاعة([579])، وكذا قوله تعالى: ]يومئذ تحدّث أخبارها[([580]) أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها، من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم([581]). والله أعلم.

 

الحكم السابع عشر

 

من دخل المسجد وقد فاتته الصلاة فوجد من يصلي صلّى معه

 

 

 

من دخل المسجد وقد فاتته الجماعة فإما أن يجد من يصلي، أو لا، فإن وجد جماعة يصلون صلى معهم، وإن وجد منفرداً يصلي تلك الصلاة بأمارة دخل معه، وصار الأول إماماً للثاني، فتصح نية الإمامة في أثناء الصلاة؛ بدليل حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – عندما بات عند خالته ميمونة، فقام الرسول e يصلي من الليل، فقام معه عن يساره، فجعله عن يمينه([582]). ففيه إشارة إلى أنه e نوى الإمامة في أثناء الصلاة([583]).

 

قال ابن عبد البر: (فيه رد على من لم يجز للمصلي أن يؤم أحداً إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام؛ لأن النبي e لم ينو إمامة ابن عباس، وقد قام على جنبه فأتم به، وسلك رسول الله e سنة الإمام؛ إذ نقله عن شماله إلى يمينه)([584]).

 

وهناك أدلة أخرى تفيد اقتداء الصحابة – رضي الله عنهم – بالنبي e، ولم ينو الإمامة من أول الصلاة، فأم بهم، ولم ينكر عليهم، فدل على أن نية الإمامة ليست شرطاً.

 

قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: (ولا فرق بين الفريضة والنافلة؛ لأن الأصل التسوية بينهما في الأحكام، إلا ما خصه الدليل ولا مخصص هنا فيما أعلم، والله أعلم)([585]).

 

فإن لم يجد أحداً يصلي طلب من الحاضرين أن يصلي أحدهم معه؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -: أن رسول الله e أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"؟ فقام رجل فصلى معه([586]).

 

وعموم الحديث يفيد أن المصلي مع الجماعة يصلي مع هذا المتأخر ولو كانت المغرب أو العصر، وسأذكر ذلك، إن شاء الله([587]).

 

أو يخرج إلى مسجد آخر فيصلي فيه إذا كان يطمع في إدراك جماعته، وقد ورد في صحيح البخاري أن الأسود بن يزيد النخعي – أحد كبار التابعين – كان إذا فاتته الجماعة ذهب على مسجد آخر.

 

وقد أورد البخاري – رحمه الله – هذا الأثر في باب "فضل صلاة الجماعة"، وبين الحافظ ابن حجر أن البخاري قصد بإيراده في هذا الباب أن الفضل الوارد في صلاة الجماعة مقصور على من جمّع في المسجد، دون من جمّع في بيته – مثلاً -؛ لأن التجميع لو لم يكن مختصاً بالمسجد لجمّع الأسود في مكانه، ولم ينتقل إلى مسجد آخر؛ لطلب الجماعة([588]).

 

فينبغي لمن فاتته الجماعة في مسجده أن يحرص على تحصيل ثوابها ولو في مسجد آخر؛ لا سيما إذا كان قريباً من منـزله لا يشق عليه، وفي وقتنا هذا كثرت المساجد في الأحياء، وقد يكون هناك فارق في وقت الإقامة بين مسجد ومسجد، مما يكون سبباً في إدراك الصلاة في مسجد آخر. وقد مضى شيء من هذا في أول الكتاب، والله الموفق.

 

الحكم الثامن عشر

 

إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة

 

 

 

إذا دخل المصلي المسجد فوجد الإمام قد فرغ من الصلاة، أو في التشهد – كما مضى – فإن له أن يقيم جماعة ثانية هو ومن معه، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، لكن لا ينبغي للجماعة الثانية أن يصلوا إذا وجدوا الإمام في التشهد إلا بعد أن تنتهي الجماعة الأولى التي مع الإمام الراتب؛ لئلا تجتمع جماعتان في مسجد، سواء كانت الجماعة الثانية مع الأولى في مكان واحد من المسجد، أو لا؛ لئلا يكون ذلك افتياتاً([589]) على الإمام.

 

واعلم أن من تأمل مصادر الشريعة ومواردها وما اشتملت عليه من المصالح والرغبة في الاجتماع والائتلاف، وعدم التفريق والاختلاف؛ علم أن إقامة جماعة ثانية غير معتادة أولى من تفرقهم وصلاة كل واحد منهم منفرداً.

 

وقد دلت نصوص الشريعة على هذا، وسأذكر – بعون الله – بعض هذه الأدلة، وشيئاً من كلام أهل العلم في هذه المسألة المهمة:

 

فعن أبي بن كعب – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: " . . . وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل"([590]).

 

فدل الحديث بعمومه على أن من صلى مع رجل فهو أزكى من صلاته منفرداً، فيدخل في ذلك إقامة جماعة ثانية لمن فاتتهم الجماعة مع الإمام الراتب.

 

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -: أن رسول الله e أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه"؟ فقام رجل فصلى معه"([591])

 

وقد بوب ابن خزيمة على هذا الحديث فقال: "باب الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي قد جمّع فيه ضدّ قول من زعم أنهم يصلون فرادى إذا صلى في المسجد جماعة مرة"([592]).

 

قال البغوي: (ففيه دليل على أنه يجوز لمن صلى في جماعة أن يصليها ثانياً مع جماعة آخرين، وأنه يجوز إقامة الجماعة في مسجد مرتين، وهو قول غير واحد من الصحابة والتابعين)([593]).

 

وقول المانعين: إنها صلاة متنقل وراء مفترض فيجوز تكرارها، وأما بمفترض فلا يجوز. فهذا فيه نظر قوي؛ فإنها إذا جازت بمفترض ومتنقل فما الذي ينفي جوازها بمفترضين؟ ومن ادعى الفرق فعليه الدليل([594]).

 

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله e قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"([595]).

 

فهذا الحديث نص صريح في فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يرد تقييد ذلك بالا تكون جماعة ثانية، بل جاء مطلقاً في فضل صلاة الجماعة، والرجل مع الرجل جماعة؛ لأن الرسول e جعل التضعيف لغير الفذ، فعلم أن ما زاد على الفذ فهو جماعة، فإذا أقام رجلان جماعة ثانية حصل لهما التضعيف – إن شاء الله لهذا الحديث، والله أعلم.

 

ولقد كان السلف الصالح من هذه الأمة أفهم منا لمدارك النصوص وأعلم بمقاصد الشرع، فجاء عن عدد منهم إقامة جماعة ثانية في مسجد قد صلى فيه، حين فاتتهم الجماعة الأولى.

 

فقد ورد عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمّع بعلقمة ومسروق والأسود([596]).

 

وجاء أنس – رضي الله عنه – إلى مسجد قد صلّي فيه فأذن وأقام، وصلى جماعة([597]).

 

وعن ابن جريج: قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة – أي: بعد الصلاة – ليلاً أو نهاراً أو يؤمهم أحدهم([598])؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟([599]).

 

وهناك آثار وأقوال أخرى تفيد جواز ذلك([600])، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله.

 

وأما ما ورد عن السلف من كراهية جماعة ثانية وأنهم يصلون فرادى فلعله محمول على ما إذا اعتاد أناس إقامة جماعة دائمة في مسجد لا إمام راتب، يصلون وحدهم، ويخرجون وحدهم، فهذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الكلمة، والقضاء على وحدة المسلمين واجتماعهم، كما أنه سبب لاختلاف القلوب، والتهاون بالصلاة مع الإمام، ولئلا يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إماماً، فيؤدي ذلك على تقليل الجماعة مع الإمام الراتب وهذا ممنوع([601]).

 

ولا ريب أن إقامة جماعة ثانية بصفة دائمة لم يكن في عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حدث ذلك فيما بعد، فيكون من البدع، كما نص على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([602]).

 

ومن الملاحظ أن إقامة جماعة ثانية لا يكون في الغالب من قوم كثر، بل يصلي واحد بمثله أو باثنين أو ثلاثة، ولا أظن أن أحداً منهم يجري على باله تفريق الكلمة، أو التأخر عن الجماعة مع الإمام الراتب، ثم إن مثل هذه الجماعة إن وجدت في مساجدنا فهي في الغالب من عابري سبيل ليسوا من جماعة هذا المسجد الذي صلوا فيه، فالقول بجواز الجماعة الثانية على الصفة المذكورة وجيه، لما ذكر. والله اعلم.

 

أما ما يقع في المساجد التي على ظهر الطريق مما ليس فيه مؤذن راتب، ولا إمام معلوم، فيصلي فيه المارة جماعة جماعة فهذا لا محذور فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي تقدم من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إماماً. قال النووي: (إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة بالإجماع)([603]).

 

وقد استدل المانعون من إقامة جماعة ثانية في المسجد بحديث أبي بكرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله e أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منـزله، فجمع أهله فصلى بهم([604]).

 

ووجه الدلالة على المنع: أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة بلا كراهة لصلى النبي e في المسجد، ولما اختار بيته على جماعة المسجد.

 

والجواب عن ذلك من وجهين:

 

الأول: أن أحاديث فضل صلاة الجماعة أكثر وأقوى سنداً من هذا الحديث، فإنه مختلف في صحته، وللعلماء فيه كلام. وقد ذكره الهيثمي ثم قال: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات). وهذا لا يعني صحة الحديث، ولا أنه حس، على أن في سنده أبا مطيع معاوية بن يحيى، وهو متكلم فيه، بل إن الحافظ الذهبي في الميزان لما ترجمه ذكر له أحاديث مناكير، ومنها هذا([605]).

 

الثاني: على فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على المنع، وذلك من ثلاثة أوجه:

 

الأول: أن الحديث ليس بنص على أنه e جمع أهله فصلى بهم في المنـزل، بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد،ويكون ميله إلى منـزله لجمع أهله لا للصلاة فيه.

 

الثاني: سلمنا أنه صلى بهم في المنـزل، فلا يثبت منه كراهة جماعة ثانية في المسجد، بل غاية ما يفيد أنه لو جاء رجل إلى مسجد قد صلي فيه فله أن لا يصلي فيه، بل يذهب إلى بيته ويصلي بأهله، وأما أنه لا يجوز له أن يصلي في ذلك المسجد بالجماعة، أو يكره له ذلك فلا دلالة للحديث عليه.

 

الثالث: لو ثبت من هذا الحديث كراهة تكرار الجماعة؛ لأجل أنه e لم يصل في المسجد، فلآخر أن يستدل به على كراهة الصلاة فرادى؛ لأنه e لم يصل في المسجد لا منفرداً ولا بالجماعة، وعليه فالرسول e ترك فضل المسجد النبوي ولم يصل فيه منفرداً، وهم يقولون: لو كانت الجماعة الثانية مشروعة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي([606]).

 

وإذا كان الحديث بهذه الاحتمالات فكيف يؤخذ به ويترك ما هو أوضح دلالة وأقوى سنداً؟ على أن المنع من إقامة جماعة ثانية قوي فيمن اعتاد التخلف عن الجماعة، وصار ديدنه إقامة جماعة ثانية. والله اعلم.

 

الحكم التاسع عشر

 

من صلّى ثم دخل مسجداً صلّى معهم

 

 

 

من آداب دخول المساجد أن من دخل مسجداً فوجدهم يصلون وهو قد صلّى، فإنه يشرع له أن يصلي معهم، إدراكاً لفضل الجماعة، سواء كان الوقت وقت نهي أم لا، وتكون له نافلة؛ لقوله e: "صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ، ولا تقل: إني قد صليت فلا أصلي"([607]).

 

قال النووي: (وفي هذا الحديث: أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات؛ لأن النبي e أطلق الأمر بإعادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة وصلاة، وهذا هو الصحيح في مذهبنا، ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر؛ لأن الثانية نفل، ولا تنفل بعدهما، ووجه أنه لا يعيد المغرب؛ لئلا تصير شفعاً، وهو ضعيف)([608]) وقال في بداية المجتهد: (والتمسك بالعموم أقوى)([609]).

 

وعن يزيد بن الأسود العامري قال: شهدت مع رسول الله e صلاة الفجر في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته إذ هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، قال: "عليّ بهما"، فأتي بهما ترعد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟"، قالا: يا رسول الله! إنا قد صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم؛ فإنهما لكما نافلة"([610]).

 

قال الترمذي: (وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا صلى الرجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلوات كلها في الجمعة، وإذا صلى المغرب وحده ثم أدرك الجماعة قالوا: فإنه يصليها معهم ويشفع بركعة، والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم)([611]).

 

قال السندي: (وقوله: "فصليا معهم": هذا تصريح في عموم الحكم في أوقات الكراهة أيضاً، ورافع عن تخصيص الحكم بغير أوقات الكراهة؛ لاتفاقهم على أنه لا يصح استثناء المورد من العموم، والمورد صلاة الفجر). أهـ([612]).

 

وقال في عون المعبود: (وظاهر الحديث حجة على من منع عن شيء من الصلوات كلها، ألا تراه عليه الصلاة والسلام يقول: "إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصلّ فليصل معه"؟ ولم يستثن صلاة دون صلاة)([613]).

 

وقد أفتى بمقتضى ذلك إمام السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – قال أبو داود: سمعت أحمد قال له رجل: إذا دخلت المسجد وقد صليت العصر وأقيمت الصلاة؟ قال: صلّ معهم، قيل: والظهر؟ قال: والصلوات كلها، قال أبو داود لأحمد: والمغرب إذا صليتها أضيف إليها ركعة؟ قال: نعم . . . ([614]).

 

وهذه الإعادة سببها حضور الجماعة، ولا فرق بين أن يصلي الأولى وحده أو يصلي مع جماعة، ولا فرق – أيضاً – في إعادتها مع الجماعة بين ما إذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد، أو دخل المسجد وهم يصلون؛ لعموم الأدلة، ولئلا يكون قعود والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به، والوقوع في عرضه وأنه ليس من المصلين.

 

وظاهر قوله e في حديث يزيد: "إذا أتيتما مسجد جماعة" أن ذلك مختص بالجماعة التي تقام في المسجد، لا التي قد تقام في غيره، فمن حضر جماعة يصلون في منـزل لعذر وكان هو قد صلّى لم يصلّ معهم، فيحمل المطلق الوارد في بعض روايات الحديث على هذا المقيد، والله أعلم([615]).

 

قال في المغني: (إذا أعاد المغرب شفعها برابعة، نص عليه أحمد؛ لأن هذه الصلاة نافلة، ولا يشرع التنفل بوتر غيرا لوتر، فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها؛ لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته). أهـ([616]).

 

وفي هذه المفارقة مخالفة لقوله e: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"([617])، قال ابن أبي شيبة في مصنفه: (باب من قال: إذا أعدت المغرب فاشفع بركعة)، وذكر آثاراً عن السلف، منها: عن علي – رضي الله عنه – قال: يشفع بركعة. يعني: إذا أعاد المغرب([618]).

 

ولو قال قائل: إنه يصلي معهم المغرب، ولا يلزم أن يزيد عليها ركعة؛ لعموم الأدلة في هذه المسألة؛ لما كان ذلك بعيداً، لكنه مبني على صحة التطوع بوتر، والله أعلم.

 

 

 

 

 

الحكم العشرون

 

اختلاف نية الإمام والمأموم

 

 

 

من أحكام دخول المسجد التي ينبغي العلم بها أنه لا يشترط اتحاد نية الإمام والمأموم، وأن اختلاف نية الإمام عن المأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فالمفترض يأتم بالمتنفل، والمتنفل يأتم بالمفترض، والمفترض يقتدي بمفترض آخر، فهذه ثلاث حالات:

 

فالأولى: كما لو دخل إنسان المسجد، والإمام يصلي التراويح، فله أن يصلي العشاء خلفه ركعتين، ثم يقوم فيتم ركعتين، وهذا قول الإمام الشافعي وأصحابه، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، رحم الله الجميع([619])، وذلك لما ورد عن جابر – رضي الله عنه -: أن معاذاً – رضي الله عنه كان يصلي مع رسول الله e العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة"([620]).

 

كما يدل على ذلك – أيضاً – أن الرسول e صلّى بالطائفة الثانية صلاة الخوف، وهي له نافلة، فإنه صلى بطائفة وسلم، ثم صلى بطائفة أخرى وسلم([621]).

 

وأما حدث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"([622])، فلا دليل فيه على عدم الجواز؛ لأنه محمول على الاختلاف في الأفعال الظاهرة؛ لأن الرسول e فسّره بذلك، كما في تمام الحديث، وعلى تقدير أنه عام في اختلاف النيات والأفعال الظاهرة، فهو مخصوص بمثل حديث جابر المذكور، ولا تعارض بين العام والخاص.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (والذين منعا ذلك ليس لهم حجة مستقيمة، فإنهم احتجوا بلفظ لا يدل على محل النـزاع، كقوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"، وبأن "الإمام ضامن"، فلا تكون صلاته أنقص من صلاة المأموم، وليس في هذين الحديثين ما يدفع تلك الحجج، والاختلاف المراد به الاختلاف في الأفعال كما جاء مفسراً . . .).

 

وقال – أيضاً -: (فقد ثبت صلاة المتنفل خلف المفترض في عدة أحاديث، وثبت أيضاً بالعكس، فعلم أن موافقة الإمام في نية الفرض أو التنفل ليست بواجبة، والإمام ضامن وإن كان متنفلاً)([623]).

 

وقال السندي على حديث صلاة الخوف المتقدم: (ولا يخفى أنه يلزم فيه اقتداء المفترض بالمتنفل قطعاً، ولم أر لهم جواباً شافياً)([624]).

 

وأما الصورة الثانية: وهي متنفل يقتدي بمفترض، فكما لو دخل إنسان المسجد فوجدهم يصلون، وقد كان صلى تلك الصلاة، فإنه يصلي معهم وتكون له نافلة. وتقدم بحث هذه المسألة([625]).

 

وأما الصورة الثالثة: وهي مفترض يقتدي بمفترض آخر، فكما لو دخل إنسان لم يصل الظهر والإمام يصلي العصر، فإنه يصلي وراء إمامه بنية الظهر، ثم بعد فراغه يصلي العصر، لوجوب الترتيب، ولا يسقط خشية فوات الجماعة([626]).

 

وكذا يجوز أن يصلي الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء خلف من يصلي الفجر، وشرط ذلك: ألا تكون إحدى الصلاتين تخالف الأخرى في الأفعال الظاهرة؛ لحديث "فلا تختلفوا عليه"، فلا يصلي الظهر خلف من يصلي الكسوف – مثلاً –([627]).

 

وهذا قول الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لقصة معاذ – رضي الله عنه، حيث دل الحديث على أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر، فكذلك هنا، اختلاف نية الفريضة من فريضة إلى أخرى لا يؤثر، ومن منع ذلك استدل بما تقدم، والجواب كما سلف، والله أعلم.

 

الحكم الحادي والعشرون

 

إذا صلى المسافر خلف المقيم أتم

 

 

 

إذا دخل المسجد رجل مسافر، والناس يصلون صلى معهم، ولزمه الإتمام ومتابعة الإمام؛ وذلك لما ورد عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً، وإذا رجعنا على رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم([628]).

 

وعنه – أيضاً – قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين، سنة أبي القاسم e([629]).

 

وعن الشعبي: أن ابن عمر – رضي الله عنهما – كان إذا صلى بمكة يصلي ركعتين، إلا أن يجمعه إمام فيصلي بصلاته([630]).

 

وعن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الغمام بمنى أربعاً، فإذا صلّى لنفسه صلّى ركعتين([631]).

 

فهذه النصوص تفيد أن المسافر إذا صلى خلف مقيم لزمه الإتمام؛ لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإن اعتقد المأموم أن القصر أفضل، لأن فضيلة الجماعة آكد، يؤيد ذلك عموم قوله e: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"([632]).

 

لكن إذا دخل المسافر المسجد وقد صلّى الإمام ركعتين من الظهر – مثلاً – فهل تجزئه الركعتان الباقيتان باعتبار أنها صلاته لو كان منفرداً أم يلزمه الإتمام؟

 

الجواب: يلزمه الإتمام؛ لما ورد عن أبي جلز – واسمه: لاحق بن حميد – قال: قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم – يعني: المقيمين – أتجزئه الركعتان أو يصلي بصلاتهم؟ قال: فضحك، وقال: يصلي بصلاتهم([633]).

 

وعلى هذا فإذا أدرك المسافر مع المقيم ركعة فأكثر أتم الصلاة؛ لأنه أدرك الجماعة، واقتدى بمقيم في جزء من صلاته، فلزمه الإتمام.

 

أما لو صلى مسافر خلف إمام يصلي التراويح فهل تجزئه الركعتان؟ هذا مبين على مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل.

 

والأظهر الجواز، لدخوله في عموم "إنما جعل الإمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه"، وهذا صلى ركعتين كإمامه، فلم يختلف عليه، وأما الاختلاف المنهي عنه فهو الاختلاف في الأفعال الظاهرة، بدليل تفسيره e بعد ذلك بالأفعال الظاهرة، كما في بقية الحديث، والله اعلم([634]).

 

لكن إذا أدرك المسافر أقل من ركعة كأن يدرك إمامه في التشهد فهل يتم أو يقصر؟ هذا مبني على الخلاف فيما تدرك به الجماعة؛ فمن قال: تدرك بركعة، قال: له أن يقصر؛ لأن الجماعة فاتته، فهو كمن صلى منفرداً. نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله -، وبه قال مالك وجماعة من السلف: أن من أدرك أقل من ركعة فإنه يقصر، ومن قال: تدرك الجماعة بإدراك التشهد قال: يتم هذا المسافر صلاته؛ لأنه أدرك الجماعة([635]).

 

والقول بأن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة هو المختار في هذه المسألة، - كما تقدم – وذلك لأن المأموم لم يدرك مع الإمام شيئاً يحتسب له به؛ لأن ما دون الركعة لا يعتد به في الصلاة، لكونه يستقبل جميع صلاته منفرداً، والله أعلم([636]).

 

الحكم الثاني والعشرون

 

لا يحجز مكاناً في المسجد

 

 

 

اعتاد بعض الناس حجز مكان في بعض المساجد، خلف الإمام، إما بفرش سجادة معينة، أو وضع عصا، ونحو ذلك، وصاحب المكان إما في منـزله أو عمله، وهذه الظاهرة تكثر في المسجد الحرام ولا سيما في رمضان، حيث اعتاد أناس فرش سجاجيد في المسجد الحرام، ولا سيما عند الأعمدة يلازمون الصلاة فيها، ولا يكتفون بأماكن أنفسهم، بل يحجزون لأولادهم وأقربائهم وأصدقائهم، ويبذلون دريهمات لفئة من الناس يقومون بفرشها قبل مجيئهم، وطرد الناس عنها.

 

وهذا العمل مخالف لنصوص الشريعة وما عليه سلف هذه الأمة من وجوه:

 

الأول: أن المصلي مأمور بالتقدم إلى المسجد والقرب من الإمام بنفسه، لا بعصاه ولا بسجادته، وغالب من يصنع ذلك حريص على الصف الأول، لكن هذا الحرص أدى إلى مخالفة السنة.

 

الثاني: أن فيه مخالفة لأمر الرسول e بإتمام الصف الأول – كما تقدم – وإتمامه مطلوب حتى قبل الإقامة، بدليل قوله e: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"([637]).

 

ومن فهم أنه يدرك فضل الصف الأول وفضيلة التقدم بتقديم عصاه، وأنه يحصل على ذلك ولو جاء متأخراً فقد أخطأ في الفهم، وأساء التصرف، فإن الفضل لا يحصل بتقدم السجادة، ولا العصا، بل الإنسان نفسه، ولا يبعد أن هذا الشخص يفوته من الأجر ويحصل له من الإثم بقدر تأخره؛ لأنه منع غيره، وخالف أمر الشرع، وكيف يكون مأجوراً بفعل ما نهى عنه الشرع؟ ولا يبعد أن تكون صلاة المتحجر ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال فإنها تنقصها.

 

الثالث: أن الناس في بيوت الله سواء، لا أحقية إلا للمتقدم، والسبق إلى المساجد يكون بالبدن لا بالعصا، فمن وضع عصاه أو نحوها وتأخر فقد غصب طائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد أن يصلوا فيها، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ولا ريب أن السابق يستحق هذا المكان بسبقه، ولكن هذا المتحجر ظلمه حقه فهو عاص بذلك.

 

ومن تقدم ووجد الصف الأول قد تحجره أحد فصلى في الصفوف المتأخرة كان أفضل وأعظم أجراً؛ لأنه ما تقدم بنفسه إلا وهو يريد فضيلة السبق وأجر الصف الأول، فمنع ذلك بغير حق، فحصل على الفضل بنيته وقصده، وفات المتحجر الأجر بسبب فعله.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ليس لأحد أن يتحجر من المسجد شيئاً، لا سجادة يفرشها قبل حضوره، ولا بساطاً، ولا غير ذلك، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه، لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء، والله أعلم).

 

وقال أيضاً: (ليس لأحد أن يتقدم ما يفرش له في المسجد ويتأخر هو، وما فرش له لم يكن له حرمة، بل يزال ويصلي مكانه على الصحيح)([638]).

 

الرابع: أن الرسول e نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير([639])، قال ابن الأثير: (معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد مخصوصاً به، يصلي فيه، كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً)([640]).

 

قال في كشاف القناع: (ويكره اتخاذ غير الإمام مكاناً بالمسجد لا يصلي فرضه إلا فيه؛ لنهيه e عن إبطال المكان كإبطال البعير، ولا بأس باتخاذ مكان لا يصلي إلا فيه في النفل؛ للجمع بين الأخبار)([641]).

 

إن ملازمة الإنسان لمكان خاص في المسجد قد يفقده لذة العبادة؛ لكثرة إلفه له وحرصه عليه، كما أنه قد يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة، وفيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة التي تشهد له يوم القيامة([642]).

 

وبعض الملازمين لمكان خاص يحقد على غيره إذا رآه في مكانه، وربما دعاه ذلك إلى إزاحة من سبقه إليه، أو التضجر منه، ورحم الله إمام السنة أبا عبد الله أحمد بن حنبل الذي قال عنه المروزي: (كان أبو عبد الله يقوم خلف الإمام، فجاء يوماً وقد تجافى الناس أن يصلي أحد في ذلك الموضع، فاعتزل وقام في طرف الصف، وقال: نهي أن يتخذ الرجل مصلاه مثل مربض البعير)([643]).

 

الخامس: أن تقديم المفارش أو العصي يجعل صاحبها يتأخر عن الحضور اتكالاً على ذلك، وهذا مشاهد، فإذا حضر تخطي رقاب الناس وآذاهم فجمع بين التخطي والتأخر.

 

السادس: أن في التحجير ترفعاً على الآخرين، وإحساساً بالفارق الذي قد يفضي بصاحبه إلى الغرور والكبر، دون أن يشعر به صاحبه، وإنك لترى شيئاً من ذلك بادياً على وجوه كثير من المتحجرين في المسجد الحرام، وكيف يتخطون رقاب الناس على أماكنهم بلا مبالاة، ويمرون بينهم وبين سترتهم وهم يتنفلون، وهذا من الشهرة والرياء.

 

السابع: أن هذا التحجر يحدث النـزاع ويسبب العداوة والشحناء في أفضل البقاع، وهي المساجد التي لم تبن إلا لذكر الله تعالى وعبادته، وكم رأينا وسمعنا نزاعاً يقع في بيت الله الحرام حول هذه الأماكن المحجوزة، ولا سيما مع من يقومون بذود الناس عنها!

 

الثامن: أن هؤلاء المتحجرين – ولا سيما في المسجد الحرام – إذا كان في الصف الذي أمامهم فرجة محاذية لأحدهم لم يتقدم لسدها خوفاً على مكانه، بل منهم من لا يرص الصف، بل يطلب من غيره أن يقترب؛ لئلا يزول عن مكانه. وهذا مخالف لنصوص الشريعة القاضية بسد الفرج والتراص في الصفوف.

 

أما من كان في المسجد ووضع عصاه أو سجادته في مقدم الصف وصلى أو قرأ في مكان آخر؛ ليستند إلى عمود، أو ليراجع حفظه، ونحو هذا فلا حرج عليه، بشرط ألا يتخطى رقاب الناس، ولا يؤذيهم إذا جاء إلى مكانه، وإن كان الأولى عدم مثل ذلك متى وجد عنه مندوحة([644]).

 

ومن تقدم إلى المسجد وفي نيته انتظار الصلاة ثم عرض له عارض من وضوء ونحوه فقام حرج عليه في وضع عصا ونحوه حتى يرجع، وإذا رجع فهو أحق بمكانه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به"([645]).

 

قال النووي: (قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود إليه، كإرادة الوضوء، أو لشغل يسير ثم يعود، لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه، واختلف: هل يجب عليه؟ على وجهين: أصحهما الوجوب)، قال: (ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا. والله اعلم)([646]).

 

ومن سبق إلى مكان في المسجد فهو أحق به، فلا يجوز إقامته من موضعه الذي سبق له سواء كان شريفاً أو وضيعاً، صغيراً أو كبيراً، إلا إذا حصل منه أذى، كآكل الثوم وشارب الدخان، فإنه يخرج من المسجد، كما تقدم أول الكتاب.

 

وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي e: أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا([647]).

 

وهذا الحديث عام في كل المجالس، ولكنه خاص بالمجالس المباحة وفي مقدمتها المساجد، قال ابن أبي جمرة: (والناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئاً فأخذه منه بغير حق فهو غصب، والغصب حرام)([648]).

 

وينبغي للجالسين في المسجد وغيره أن يتوسعوا وينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل من الجمع فجوة تسع الداخل، ولا سيما في مثل المسجد الحرام والجوامع الكبيرة، حيث يكون حصول فجوات بواسطة انضمام بعض الجالسين إلى بعض، شريطة ألا يحصل مضايقة وعدم ارتياح في العبادة من صلاة أو غيرها؛ لأن هؤلاء المتقدمين أولى من هذا المتأخر.

 

وأعلم أن ما ذكرنا في الأمر الرابع من النهي عن اتخاذ مكان في المسجد لا يصلي الرجل إلا فيه لا يشمل المنـزل؛ بدليل حديث عتبان بن مالك الأنصاري – رضي الله عنه – وفيه: أنه قال للرسول e: فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكاناً، اتخذه مصلى. فقال رسول الله e: "سأفعل" . . . الحديث([649]).

 

قال الحافظ في فوائد الحديث: (وفيه أن النهي عن استيطان الرجل مكاناً إنما هو في المسجد العام)([650]).

 

فإن قيل: ما الجواب عما ورد في حديث يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سملة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرى عند هذه الأسطوانة، قال: فإني رأيت رسول الله e يتحرى الصلاة عندها([651])؟

 

فالجواب من ثلاثة أوجه:

 

الأول: أن هذا محمول على النفل، وليس في الفرض، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم النهي، جمعاً بين الأدلة – كما تقدم في النفل عن كشاف القناع – ولهذا كان سلمة – رضي الله عنه – يصلي عندها النفل، كما في رواية مسلم: (أنه – أي سلمة – كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه)، قال النووي: (المراد بالتسبيح: صلاة النافلة)([652]).

 

الثاني: أن الصلاة عند الأسطوانة معناها: أنه اتخذها سترة، ولهذا بوّب البخاري على هذا الحديث وقال: (باب الصلاة على الأسطوانة)([653]).

 

الثالث: أنه لم يحجز المكان الذي عندها، وإنما إذا رآه خالياً صلى عندها، وأما فعل سلمة فلعله أراد الاقتداء بالرسول e؛ لأنه يرى أن هذا من الأماكن الفاضلة؛ لكون الرسول e صلى فيه([654])، والله أعلم.

 

الحكم الثالث والعشرون

 

لا يهجر المسجد الذي يليه

 

 

 

تقدم أول الكتاب أن من حكم مشروعية صلاة الجماعة حصول الألفة بين الجيران وأهل المحلة الواحدة، فيتعرف بعضهم على أحوال بعض، فيقومون بإغاثة الملهوف وعيادة المريض، وتفقد أحوال العاجز، كما يظهر في صلاة الجماعة الاجتماع والبعد عن التفرق والاختلاف، ثم التعاون على الطاعة، وهذا وغيره إنما يتم إذا صلى أهل المحلة الواحدة في مسجد واحد،ومن هنا رغب الإسلام المسلم في أن يؤدي صلاة الجماعة في المسجد الذي يليه، ولا يتخطاه إلى غيره، إلا لغرض شرعي مطلوب. وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: "ليصل أحدكم في مسجده، ولا يتتبع المساجد"([655]).

 

إن تخطي الإنسان المسجد الذي بجواره إلى مسجد آخر يترتب عليه أمران محذوران في نظر الإسلام([656]):

 

الأول: هجر المسجد الذي يليه، فإذا ذهب هذا، وذهب هذا أدى ذلك إلى خلو المسجد عن جماعته، لا سيما مع قلتهم، ولا ريب أن عمارة المسجد، والتعاون على الطاعة، وتنشيط المتكاسل كل ذلك من المطالب العظيمة التي يتحقق بها قوله تعالى: ]وتعاونوا على البرّ والتقوى[([657]).

 

الثاني: إيحاش صدر الإمام، وإساءة الظن به، والوقوع في عرضه وذلك بالخوض في الأسباب التي جعلت هذا الإنسان يتخطى مسجده إلى مسجد آخر، وقد يفتعل أسباباً يبرر بها تصرفه، والإمام منها بريء، وهذا أمر ملاحظ، فإن الغالب أن من يتخطى مسجده إلى مسجد آخر بصفة دائمة إنما هو لسبب بينه وبين الإمام، لا لغرض شرعي.

 

قال في المغني: (وإن كان في قصد غيره – أي غير مسجده – كسر قلب إمامه أو جماعته فجبر قلوبهم أولى، وإن لم يكن كذلك فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب؟ فيه روايتان:

 

إحداهما: قصد الأبعد، لتكثر خطاه في طلب الثواب، فتكون حسناته أكثر.

 

والثانية: الأقرب؛ لأن له جواراً، فكان أحقّ بصلاته، كما أن الجار أحقّ بهدية جاره ومعروفه من البعيد . .)([658]).

 

وظاهرة تخطي المسجد الذي يليه تكثر في شهر رمضان المبارك عندما يتتبع الناس المساجد طلباً لحسن الصوت في صلاة التراويح، أو صلاة التهجد، وأدى ذلك إلى هجر مساجد أخرى وخلوها من المصلين، وفي ذلك تفريق الجماعة وإضعاف نشاطهم ورغبتهم، ثم إنه انصراف من شاء الله من عباده عن الخشوع في الصلاة وحضور القلب إلى التعلق بمتابعة الصوت الحسن لذات الصوت، فأدى ذلك إلى تكرّه النفوس للصلاة خلف إمام لا يستحسن صوته([659])، ومن الناس من لا يستقر على إمام معين فيظل ينتقل من مسجد إلى آخر طوال الشهر، وربما خرج من بعض المساجد قبل انصراف الإمام ونهاية التراويح؛ لأنه لم يعجبه صوته، فالله المستعان.

 

وقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد عن محمد بن بحر قال: رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان، وقد جاء فضل بن زياد القطان بأبي عبد الله التراويح، وكان حسن القراءة، فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد، فخرج أبو عبد الله، فصعد درجة المسجد، فنظر على الجمع، فقال: ما هذا؟ تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها، فصلى بهم ليالي، ثم صرفه كراهية لما فيه – يني من إخلاء المساجد، وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده([660]).

 

أما إذا وجد غرض صحيح لتخطي الإنسان مسجده إلى مسجد آخر، مثل أن يكون إمام مسجده لا يتم الصلاة([661])، أو يرتكب بعض المخالفات، أو ضعيفاً في القراءة ونحو ذلك فلا بأس إن شاء الله، أو كان يفعل ذلك في بعض الأوقات لحضور درس أو محاضرة في المسجد الأبعد، أو لكون الأبعد يبادر في الصلاة والمأموم محتاج إلى ذلك فأرجو أن لا الحرج، والله أعلم.

 

الحكم الرابع والعشرون

 

في إيذاء المصلين والتشويش عليهم

 

 

 

المصلي يناجي ربه ويلهج بذكره ودعائه ويستحضر عظمته وهيبته وجلاله، ولا يليق بمسلم أن يقطع هذه المناجاة على أخيه بالأذية أو التشويش، وقد قال النبي e: "ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً .." ويأتي بتمامه إن شاء الله، وقد شددّ الإسلام في موضوع الأذية، واعتبرها من موجبات اللعن، فقال النبي e: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم"([662]).

 

ولا ريب أن الأذية في المساجد والتشويش على المصلين والذاكرين أعظم من الأذية في الطرق، وذلك منكر عظيم، ينبئ عن تساهل في احترام المساجد، ومراعاة المتعبدين، والمطلوب من المسلم الذي قصد بيتاً من بيوت الله أن يكون متحلياً بمكارم الأخلاق من السماحة والهدوء والمرحمة، ولا يليق به أن يهدم من جانب ويبن من جانب آخر.

 

وأنا أذكر بعض ما وقع فيه كثير من الناس مما يتعلق بالتشويش على المصلين، لعل في ذكره وبيان حكمه علاجاً إن شاء الله، فإن من صفات المؤمن أنه إذا ذكّر تذكر، ومن ذلك:

 

تخطي الرقاب:

 

من التشويش على المصلين وأذيتهم قبل إقامة الصلاة: تخطي رقابهم ورفع الأرجل  فوق رؤوسهم، مع استكمال الصفوف وخلوها من الفرج، ولا سيما في يوم الجمعة، أو في المساجد التي يكثر فيها المصلون في غير الجمعة. وقد نهى النبي e عن تخطي الرقاب، فقال للذي رآه يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: "اجلس فقد آذيت"([663]).

 

وهذا الحديث من أقوى ما ورد في الزجر عن التخطي، كما قاله الحافظ في الفتح([664]). وقد وقع التصريح في حبوط ثواب الجمعة للمتخطي في حديث ابن عمرو – رضي الله عنهما – مرفوعاً: "من لغا أو تخطى كانت له ظهراً"([665]).

 

قال ابن وهب – أحد رواته -: معناه: أجزأت عنه الصلاة، وحرم فضيلة الجمعة([666]).

 

والحديث المذكور فيه تقييد النهي عن التخطي بيوم الجمعة، وظاهر ذلك أن النهي مختص به. ويحتمل أن يكون التقييد بيوم الجمعة خرج مخرج الغالب؛ لاختصاص يوم الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات، وعليه فلا يختص النهي عن التخطي بيوم الجمعة، بل يكون عاماً لجميع الصلوات، ويؤيد ذلك قوله e: "فقد آذيت" فعلّل أمره بالجلوس بالأذية، وهي لا تختص بيوم الجمعة.

 

قال النووي: (ينهي الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيره عن تخطي رقاب الناس من غير ضرورة)([667]).

 

وجاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله -: (ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره؛ لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى)([668]).

 

وهل تخطي الرقاب يوم الجمعة محرم أو مكروه؟ من أهل العلم من قال بالكراهة، وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة.

 

ومنهم من قال: بالتحريم، قال النووي: إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة. أهـ([669])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([670])، قال في الإنصاف: (والظاهر أن الذم إنما يتوجه إلى فعل محرم) أهـ([671]). وقال في بلوغ الأماني: (وهو الذي أميل إليه وأختاره)([672]).

 

وإذا ترك المتقدمون إلى الصفوف الأول فرجاً أو صفّوا في آخر المسجد وتركوا بين أيديهم صفوفاً خالية فلا حرمه لهم؛ لتقصيرهم. ولابد من تخطيهم لتكميل الصف الأول، أو لسد فرجة في الصفوف الأول، ولا يعد ذلك من الأذى؛ لأنهم اسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم، وهذا هو الصحيح من مذهب الإمام أحمد، وقيده الشافعية بتخطي رجل أو رجلين، وهو رواية عن الإمام أحمد، وخصّ المالكية ذلك بما قبل جلوس الإمام على المنبر، وأما بعده فلا؛ لأن تأخره عن وقت السعي قد أبطل حقه في التخطي إلى الفرجة. ودليل ذلك حديث عبد الله بن بسر المتقدم: "فقد آذيت وآنيت" أي: تأخرت، وهذا قريب من مذهب الحنفية([673])، والله أعلم.

 

مضايقة المصلين:

 

ومن الأذية: مضايقة المصلين المتقدمين ومزاحمتهم في أماكنهم بحيث يفقدون الراحة في صلاتهم وقراءتهم، وهذا يكثر فيمن يأتون يوم الجمعة متأخرين، فيجمعون بين التخطي والمضايقة والتأخر. وتكثر المضايقة في الحرمين الشريفين، كما في الجمعة، والعيد، وشهر رمضان المبارك، حتى أن بعض الداخلين المتأخرين يجلس أمامك ويمنع بدنك راحته، ومنهم من يدخل الصف قسراً، بحيث لا يستطيع المصلي وضع يديه على صدره، ولا أداء صلاته براحة، وهذا من الجفاء، وعدم احترام المصلين المتقدمين، وهو من قلة الفقه في الدين.

 

إن المطلوب من المتقدمين أن يتفسحوا ويتوسعوا للداخل إن أمكن ذلك؛ امتثالاً لقوله e: "ولكن توسعوا" وتقدم بتمامه.

 

وهذا دليل التواضع المقتضي للمحبة، والنفوس جلبت على حب من أحسن إليها. وليس من خلق المسلم أن يكون جشعاً فيأخذ من الأمكنة ما يزيد عن حاجته، ويأنف أن يفسح لغيره، ويجمع بين سوء القول وقبح الفعل.

 

والمطلوب من المتأخرين أن يحبوا لأخوانهم ما يحبون لأنفسهم. وليفرض كل واحد منهم أن يكون هو  المتقدم وزاحمه غيره. إن الإسلام لا يريد المضايقة حيث لا يمكن التفسح، ومن تعاليم هذا الدين الحنيف لأبنائه أن يجلسوا حيث ينتهي بهم المجلس، وذلك فيما رواه جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: كنا إذا أتينا رسول الله e جلسنا حيث ننتهي([674]).

 

رفع الصوت بالقراءة:

 

ومن التشويش على المصلين قبل الإقامة: رفع الصوت بقراءة القرآن بحيث يتأذى بجهره القارئ والمصلي، وقد نهى النبي e عن ذلك، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله e في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستر، وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة" أو قال: "في الصلاة"([675]).

 

وعن البياضي (فروة بن عمرو) رضي الله عنه: أن رسول الله e خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"([676]).

 

فهذان الحديثان فيهما نهي القارئ والمصلي عن رفع الصوت بالقراءة، لما في ذلك من أذية الآخرين من قارئ أو مصلّ أو ذاكر.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: (ليس لأحد أن يجهر بالقراءة لا في الصلاة ولا في غير الصلاة إذا كان في المسجد وهو يؤذيهم بجهره)([677]).

 

وقال في جواب له: (ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع من ذلك، والله أعلم )([678]).

 

أما إذا كان القارئ لا يتأذى بجهره أحد فقد جاءت الأحاديث بجواز الجهر؛ لا سيما إذا كان القارئ يأمن على نفسه من الرياء وطلب الشهرة، ويتأكد الجهر إذا كان على سبيل التعليم.

 

ولا ريب أن الجهر أحياناً فيه إيقاظ القلب وتجديد النشاط وانصراف السمع إلى القراءة وتعدى نفعها إلى السامعين([679]).

 

ويجوز رفع الصوت بالقرآن في الليل، بل ذلك مستحسن إذا لم يؤذ أحداً، وأمن من الرياء، وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي e: سمع رجلاً يقرأ في سورة بالليل، فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا، كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا"([680]).

 

المرور بين يدي المصلي:

 

إن المرور بين يدي المصلي وسترته حرام؛ لأنه تشويش عليه وإشغال لباله وهو يناجي ربه، وقد عبّر بعض العلماء بالكراهة، والمراد التحريم([681])، فإنه قد ثبت فيه النهي الأكيد، والوعيد الشديد؛ فقال النبي e: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه"، قال أبو النّضر: لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟([682]).

 

والمراد بما بين يدي المصلي: أن المصلي إن كان له سترة فما بينه وبين سترته محرم، لا يحل لأحد أن يمر منه، وإن لم يكن له سترة؛ فإن كان للمصلي سجادة يصلي عليها فإن هذه السجادة محترمة لا يحل لأحد أن يمر بين يدي المصلي فيها، وإن لم يكن له مصلى فإن المحرم ما بين قدمه وموضع سجوده فلا يمر بينه وبين هذا الموضع([683]).

 

ويكثر المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام حتى ولو كان المار له مندوحة عن المرور بين يدي أخيه، ومن الناس من يتساهل في المرور بين يدي المصلين الذين يقومون لقضاء ما فاتهم.

 

ويشرع للمصلي رد المار بين يديه سواء صلى إلى سترة أم لا، على الأظهر من قولي أهل العلم؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله e يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان"([684]).

 

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين"([685])، ففي حديث أبي سعيد تقييد دفع المار فلم يقيد بوضع المصلي سترة، وكذا وورد في حديث أبي سعيد عند البخاري في رواية له([686])، لأن التقييد بوضع السترة قيد أغلبي، ولا تعارض بين المطلق والمقيد، فالمقيد يبقى على تقييده، فيدفع إن اتخذ سترة، ويبقى المطلق على إطلاقه، فيرد ولو لم يتخذ سترة، لأن المصلي مأمور بالصلاة إلى سترة، ومأمور بدفع المار سواء امتثل فوضع سترة أم لا([687]).

 

والمراد بالمقاتلة: الدفع بعنف وقهر، لا جواز القتل؛ لأن هذا اللفظ خرج مخرج التغليظ، والمبالغة في كراهة المرور([688]).

 

رفع الصوت بالكلام:

 

ومن التشويش بعد الإقامة ما يقوم به بعض الناس، ولا سيما الشباب، في بعض المساجد من تبادل الأحاديث ورفع الصوت بذلك، فتفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكذلك قراءة الفاتحة فإذا ركع الإمام أسرعوا وآذوا المصلين بأصواتهم وحركتاهم، وهذا التصرف ينبئ عن تساهل بالصلاة من جانب، وعدمك رعاية المصلين من جانب آخر، وإذا كان من يصلي نافلة مأموراً بقطعها – على أحد الأقوال كما تقدم – لأجل أن يدرك الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة وشغله القيل والقال بل وأذية الآخرين؟!

 

ثم لا أدري ما حكم هذه الركعة التي ترك فيها هذا المتساهل قراءة الفاتحة مع إمكانه؟ تقدم الخلاف في هذه المسألة، لكني أخشى بطلان هذه الركعة التي لم يقرأ فيها هذا المصلي الفاتحة تساهلاً وتشاغلاً، لأن الخلاف ينبغي أن يكون فيمن دخل المسجد فوجد الإمام في الركوع فركع معه، فهذا معذور بفوات محل القراءة وهو القيام، أما هذا فلم يمتثل قول الرسول e: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا " فهو لم يكبر مع إمامه، ولم يقرأ دعاء الاستفتاح، ولم يقرأ الفاتحة مع إمكانه، فأي ركعة هذه؟ بل وأي صلاة هذه؟

 

ومن المأمومين من اعتاد رفع الصوت في أثناء الصلاة بالقراءة أو الذكر أو الدعاء فيشوش على من بجانبه ويخلّط عليه، وإذا كان هذا بصفة دائمة فهو خلاف السنة، فإن السنة المخافتة باتفاق المسلمين، لا سيما إذا كان الجهر فيه أذية.

 

لكن لو جهر المأمور أحياناً بشيء من الذكر فلا بأس، فقد ثبت أن من الصحابة المأمومين من جهر بدعاء حين افتتاح الصلاة، وعند رفع رأسه من الركوع ولم ينكر عليه النبي e، فقد ورد عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي e، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن انصرف قال: "من المتكلم"؟ قال: أنا، قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول"([689]).

 

قال في فتح الباري: (استدل به على جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه)([690])أهـ. وهذا إذا لم يكن بصفة دائمة وإلا حصل التشويش قطعاً([691]).

 

ومن التشويش أن يكبر المسبوق بصوت مرتفع إذا أراد الدخول في الصلاة، وقد يكون المصلون مع الإمام في السجود، فإذا سمعوا تكبير المسبوق ظنوه تكبير الإمام فرفعوا رؤوسهم قبل أن يرفع الإمام من السجود([692]).

 

ومن التشويش على المصلين – أيضاً – عدم إغلاق الوسائل الحديثة للاتصال كجهاز الهاتف النقال، والنداء، فينبغي للمصلي إغلاقها قبل دخوله المسجد، لئلا يشوش على نفسه وعلى غيره من إخوانه المصلين.

 

وما تقدم من النهي عن الكلام في المسجد لا يعني أن الكلام يحرم فيه بل هو مباح – على الراجح من قولي أهل العلم – إذا خلا من المحاذير السابقة، وهي التشويش على المصلين أو الإعراض عن الصلاة والتشاغل عنها، لكن لا بد من ملاحظة أن المساجد لم تبن إلا لذكر الله تعالى والصلاة، وما يتبع ذلك من تدريس العلم، وموعظة الناس، وقد ورد عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر ابن سمرة: أكنت تجالس رسول الله e؟ قال: نعم، كثيراً كان لا يقوم من مصلاه، الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون،فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويبتسم([693]).

 

قال القرطبي: (هذا الفعل منه e يدل على استحباب لزوم موضع صلاة الصبح، للذكر والدعاء إلى طلوع الشمس؛ لأن ذلك الوقت وقت لا يصلّى فيه، وهو بعد صلاة مشهودة، وأشغال اليوم بعد لم تأت، فيقع الذكر والدعاء على فراغ قلب وحضور فهم، فيرتجى فيه قبول الدعاء، وسماع الأذكار . .).

 

ثم نقل عن بعض العلماء كراهة الحديث في هذا الوقت، وأن قوله "وكانوا يتحدثون . ." فصل آخر من سيرة أخرى في وقت آخر . . ثم قال: (وهذا فيه نظر، بل يمكن أن يقال: إنهم في ذلك الوقت كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام فيه جائز غير ممنوع، إذ لم يرد في ذلك منع، وغاية ما هنالك أن الإقبال في ذلك الوقت على ذكر الله تعالى أفضل وأولى، ولا يلزم من ذلك أن يكون الكلام مطلوب الترك في ذلك الوقت. والله تعالى أعلم)([694]).

 

الحكم الخامس والعشرون

 

في المسألة في المسجد

 

 

 

المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لذكره ودعائه وعبادته، لا للتكسب وجمع حطام الدنيا، ولذا منع البيع والشراء، ونشد الضالة، وسار الصناعات في المساجد؛ لهذا المعنى.

 

وبناء على ذلك فالمساجد لا تصلح مكاناً للسؤال، وجمع المال، مع ما في ذلك من إيذاء المصلين والذاكرين والتشويش عليهم.

 

وقد وردت النصوص بجواز إعطاء الفقير من غير مسألة، وذلك بأن يعرف فقره وحاجته، فيعطى زكاة أو صدقة ونحو ذلك، أو تقسم أموال في المسجد، فيعطى مع الناس، فله أن يأخذ ما يأتيه.

 

ويدل لذلك ما ورد عن أنس – رضي الله عنه -: أن رسول الله e أتي بمال من البحرين، فقال: "أنثروه في المسجد" وكان أكثر مال أتي به رسول الله e، فخرج رسول الله e إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه، إذ جاءه العباس، فقال: يا رسول الله، أعطني، فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، فقال له رسول الله e: "خذ"، فحثا في ثوبه ثم ذهب يقلّه فلم يستطع، فقال: يا رسول الله، اؤمر بعضهم يرفعه إليّ، قال: "لا"، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: "لا" فنثر منه ثم احتمله، فألقاه على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول الله e يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجباً من حرصه فما قام رسول الله e وثمّ منها درهم([695]).

 

وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث بقوله: (باب القسمة وتعليق القنو في المسجد).

 

قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -: (المقصود بهذا الباب: أن المسجد يجوز أن يوضع فيه أموال الفيء وخمس الغنيمة وأموال الصدقة ونحوها من أموال الله التي تقسم بين مستحقيها) وقال: (وفي الحديث جوز قسم مال الفيء في المسجد ووضعه فيه، وهو مقصود البخاري بتخريج هذا الحديث فيه)([696]).

 

أما إذا سأل الفقير في المسجد فإن من أهل العلم من منع السؤال والإعطاء مطلقاً، ولعل القائلين بذلك نظروا على العمومات الدالة على صيانة المسجد من كل ما سوى العبادات، وأقرب شيء تقاس المسألة عليه قياساً جلياً نشد الضالة، والجامع بينهما: البحث والمطالبة بأمر مادي دنيوي، والعلة في المقيس أظهر؛ لأن ناشد الضالة يبحث عن ماله دون شبهة، ومع ذلك أمر الشارع بالدعاء عليه بالا ترد عليه، أما السائل فهو لا يطلب ماله، بل يطلب أموال الناس.

 

ومن أهل العلم من رخّص إذا كان السائل مضطراً، ولم يحصل بسؤاله في المسجد ضرر، من إيذاء المصلين والتشويش عليهم، أو المرور أو المرور بين أيديهم ونحو ذلك([697]).

 

واستدلوا على ذلك بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله e: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا"؟!! فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز بيد عبد الرحمن فأخذتها منه، فدفعتها إليه([698]).

 

قالوا: فهذا دليل على أن الصدقة على الفقير في المسجد ليست مكروهة، وأن السؤال في المسجد جائز؛ لأنه e أقرّ أبا بكر – رضي الله عنه – عليها، ولو كانت حراماً لم يقرّ عليها، بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال في المسجد([699]).

 

ولكن هذا الحديث ضعيف، وعلى هذا فالقول بالمنع وجيه جداً؛ تأكيداً لحرمة المسجد، وردعاً لذوي النفوس الضعيفة عن اتخاذهم المسجد مكاناً للتكسب، ولا سيما في زماننا هذا؛ فإن الكذب في هذا الزمان كثير، والحيل متعددة.

 

فإن جلس السائل في زاوية المسجد، أو عند بابه فلا بأس بإعطائه، أما من يشوش على المصلين، ويقطع عليهم تلاوتهم وذكرهم، أو يمر بين أيديهم وهم يصلون، ويلح عليهم بإعطائه فالقول بمنعه وزجره وجيه جداً.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد، ولم يؤذ أحداً بتخطيه رقاب الناس ولا غير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله، ولم يجهر جهراً يضر بالناس، مثل أن يسال والخطيب يخطب أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز، والله أعلم)([700]).

 

الحكم السادس والعشرون

 

في الأكل في المسجد

 

 

 

يباح الأكل والشرب في المسجد، إلا ما كان له رائحة كريهة كالثوم والبصل والكراث والفجل؛ لأن آكل هذه البقول منهي عن إتيان المسجد كما تقدم في أول الكتاب.

 

والأكل في المسجد إما أن يكون معتكفاً أو غير معتكف . . .

 

فإن كان معتكفاً فإنه يأكل ويشرب في المسجد، وليس له أن يخرج من أجل الأكل؛ لأن خروجه ينافي الاعتكاف، قال الإمام مالك – رحمه الله -: (أكره للمعتكف أن يخرج من المسجد فيأكل بين يدي الباب،، ولكن ليأكل في المسجد، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان لغائط أو بول)([701]).

 

وأما غير المعتكف فكذلك يجوز له الأكل في المسجد، ولا داعي لتقييد ذلك بالغريب دون غيره، فإن الأدلة عامة، ومن ذلك:

 

ما ورد عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي – قال: أكلنا مع رسول الله e شواء في المسجد، فأقيمت الصلاة، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نصلي، ولم نتوضأ([702]).

 

وعنه – أيضاً – رضي الله عنه قال: كنا نأكل على عهد رسول الله  e  في المسجد الخبـز واللحم([703]).

 

ويشهد لذلك أن أهل الصفة كانوا يسكنون في المسجد، وهذا يدل ضمناً على أن الأكل فيه جائز. وكذا قصة ربط ثمامة بن أثال – رضي الله عنه – في المسجد([704]) وكذا قصة سعد بن معاذ – رضي الله عنه – عندما وضع له النبي e خيمة في المسجد يعوده من قريب بعد ما أصيب في غزوة الخندق([705]).

 

فهذا كله يدل على جواز الأكل في المسجد، إذ لم يشتهر عند الصحابة – رضي الله عنهم – منع الأكل في المسجد، والأصل أنه مباح، فكيف إذا تأيد هذا الأصل بأدلة قوية؟!([706]).

 

وينبغي للآكل في المسجد أن يضع سفرة ونحوها تقع عليها فضلات الأكل، لئلا تلوث المسجد، أو يتناثر شيء من الطعام فتتجمع عليه الهوام([707]). والله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني

 

في أحكام حضور الجمعة

 

 

 

تمهـيد

 

الفصل الأول: في أحكام الاستعداد للجمعة

 

الفصل الثاني: في أحكام حضور مسجد الجمعة

 

تمهـيد

 

في فضل يوم الجمعة، والتحذير من التهاون بالصلاة

 

 

 

يوم الجمعة من أفضل الأيام عند الله تعالى، ادخره الله لهذه الأمة؛ لشرفها وكرمها على الله تعالى، وفيه من الفضائل وله من الخصائص ما جعل النبي e يعظمه ويخصه بعبادات ليست لغيره.

 

وقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "نحن الآخرون ونحن السابقون يوم الجمعة، بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد"([708])

 

وعنه – أيضاً رضي الله عنه – أن النبي e قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"([709]).

 

وإذا كان الله تعالى فضلنا على سائر الأمم بهذا اليوم الفضيل، فعلينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة التي منّ بها علينا زيادة في ثوابنا ورفعة لدرجاتنا، ومن شكره أن نهتم بهذا اليوم، وأن نستغفر هذه النعمة، وذلك بأن نخص هذا اليوم بمزيد عناية، وأن نجاهد أنفسنا بالطاعة، وأن نتأدب بالآداب الواردة في نصوص الشريعة والتي جاء تقييد الثواب والمغفرة بالتحلي بها.

 

وإن من فضل الله على عباده كثرة طرق الخيرات وتنوع سبل الطاعات؛ ليدوم نشاط المسلم، ويبقى ملازماً لخدمة مولاه.

 

يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – في ذكر خصائص يوم الجمعة: (الثالثة والعشرون: أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرّغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا، فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان، ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم سلمت له سائر جمعته، ومن صح له رمضان وسلم سلمت له سائر سنته، ومن صحت له حجته وسلمت له صح له سائر عمره. فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والجد ميزان العمر، وبالله التوفيق)([710]).

 

إن الاهتمام بالطاعة في هذا اليوم شأن الصالحين من سلف هذه الأمة، وأعني به الاهتمام الذي يتحول إلى واقع عملي يرضى عنه المسلم. وأكثر الناس اليوم يرون أن يوم الجمعة يوم نوم وكسل، ومن آثاره التأخر عن الحضور على الجمعة؛ لأنه مسبوق بليلة سهر على ما حرم الله عند غالب الناس. والله المستعان!

 

ولقد استقر في أذهان الناس عموماً أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، لكنهم لا يعملون بمقتضى علمهم. إن علينا أن نتأسى بالنبي e الذي كان من هديه – كما يقول ابن القيم – تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره([711])، ومن تعظيم هذا اليوم أن نعمل بما شرع لنا من أحكام، وأن نتأدب بما سنّ من آداب.

 

وقد ورد النهي الأكيد، والوعيد الشديد في التخلف عن صلاة الجمعة والتهاون بحضورها.

 

فعن أبي هريرة وابن عمر – رضي الله عنهم – أنهما سمعا رسول الله e يقول على أعواد منبره: "لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين"([712]).

 

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه -: أن النبي e قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلاً، يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم"([713]).

 

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره([714]).

 

والأحاديث في هذا كثيرة([715])، وفيها دلالة واضحة على عظيم شأن صلاة الجمعة، وأن من تركها أو تساهل بها فهو على خطر عظيم؛ إنه متوعّد بالختم على قلبه، فلا تغشاه رحمة الله تعالى، ولا ألطافه، فلا يزكيه ولا يطهره، بل يبقى دنساً، تغشاه ظلمات الذنوب والمعاصي.

 

فعلى من كان متساهلاً بهذه الفريضة العظيمة إما كسلاً أو خروجاً في نزهة أو صيد أو حضور مباراة أو نحو ذلك من الموانع التي ظهرت في هذا الزمان – أن يبادر بالتوبة النصوح، فيقلع ويندم ويعزم على أن لا يعود، عسى الله أن يتوب عليه.

 

الفصل الأول

 

في أحكام الاستعداد للجمعة

 

الحكم الأول

 

غسل الجمعة

 

 

 

يتأكد في حق من أراد حضور الجمعة أن يغتسل سواء كان به رائحة يحتاج إلى إزالتها أو لا، وعليه أن يقصد بذلك الغسل غسل الجمعة لا يقصد به النظافة أو التبـرد فحسب، لأجل أن يؤجر على نيته.

 

وقد تعددت النصوص على بيان أهمية غسل الجمعة ومنـزلته في نظر الإسلام، بل أكدت النصوص أهمية الغسل في كل أسبوع مرة، ففي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده"([716]).

 

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله e يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"([717]).

 

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"([718]).

 

وعن أبن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: "إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل . . ." الحديث([719]).

 

فهذه النصوص تدل على أن المسلم مطالب بالغسل مرة على الأقل في كل سبعة أيام؛ ليبقى نظيفاً نشيطاً، ولم يترك الإسلام تنظيف الرأس وتنقيته للأهواء والظروف ولا لانتظار الجنابة التي قد يطول أمرها ولا سيما من ليس له زوج، بل أكد ذلك على المسلم وحثه على الإكثار منه، وهذا غسل راتب مسنون للنظافة في كل أسبوع وإن لم يشهد الجمعة([720]).

 

ولا خلاف في استحباب الغسل يوم الجمعة، كما أنه لا خلاف في أن الصلاة جائزة بدونه، وإنما الخلاف في وجوبه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ويستحب الغسل في ذلك اليوم، وعن جماعة يجب، ودليل وجوبه أقوى من دليل وجوب الوتر، ومن الوضوء من مس النساء ومن القهقهة ومن الرعاف ومن الحجامة ومن القيء، ومن دليل وجوب الصلاة على النبي e)([721]).

 

وعند تأمل النصوص الواردة في غسل الجمعة يلوح لك رجحان القول بالوجوب، وهو قول الظاهرية وجماعة من الصحابة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وحكي عن مالك([722])، فقد ورد في بعض أنه حق على كل مسلم، والوجوب يثبت بأقل من هذا([723]).

 

وأما تأويل لفظ: (واجب وحق) الواردة في بعض النصوص السابقة بتأكيد المشروعية، وحمل الأمر على الندب، جمعاً بين الأحاديث فهو مسلم لا تطمئن إليه النفس، ولا يطلب الجمع بمثل هذا.

 

والأحاديث القاضية بالغسل فيها حكم زائد على الأحاديث المفيدة لاستحبابه فلا تعارض بينهما، والواجب الأخذ بما تضمن الزيادة([724]).

 

وأوضح دليل القائلين بالاستحباب – وهم الجمهور – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا"([725])، قال الحافظ في التلخيص: (إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة)([726]).

 

قال في فتح الباري: (وأجيب عنه: بأنه ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آ×ر في الصحيحين بلفظ "من اغتسل" فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء)([727]).

 

ومنها حديث سمرة قال: قال رسول الله e: "من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"([728]).

 

وهذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وفي سماعه منه خلاف بين أهل العلم، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة القاضية بالوجوب.

 

قال ابن حزم بعد أن ساق هذا الحديث وما في معناه: (لو صحت لم يكن فيه نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل وأن الغسل أفضل، وهذا لا شك فيه، وقد قال الله تعالى: ]ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم[([729])، فهل دل هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضاً؟! – حاشا لله من هذا – ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس فرضاً لما كان في ذلك حجة؛ لأن ذلك كان يكون موافقاً لما كان عليه الأمر قبل قوله عليه الصلاة والسلام: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" و "على كل مسلم" وهذا القول منه عليه الصلاة والسلام حكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ)([730]).

 

وعلى ما تقدم فالظاهر – إن شاء الله – أن غسل الجمعة واجب، فمن تركه فقد قصّر فيما وجب عليه، وصلاته صحيحة إذا كان طاهراً، فإن الأصل في الأمر أنه للوجوب، ولا يصرف عنه على الندب إلا بدليل، وقد ورد الأمر بالغسل صريحاً، ثم تأيد في معنى الوجوب بورود النص الصريح الصحيح بأن غسل الجمعة واجب. ومثل هذا الذي هو قطعي الدلالة والذي لا يحتمل التأويل لا يجوز أن يؤول لأدلة أخرى، بل تؤول الأخرى إن كان في ظاهرها المعارضة له، والله أعلم([731]).

 

وقد ورد في بعض النصوص أن الفضل المرتب على التبكير للجمعة لا يحصل إلا لمن اغتسل، وذلك كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه . . ." الحديث. ويأتي قريباً بتمامه إن شاء الله. وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل([732]).

 

وقوله: "غسل الجنابة" أي: غسلاً كغسل الجنابة في الكيفية لا في الحكم على أحد القولين([733]).

 

وقد حكى ابن القيم – رحمه الله – في المسألة قولاً ثالثاً، وهو التفصيل بين من له رائحة يحتاج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، ثم ذكر أن الأقوال الثلاثة لأصحاب أحمد. وقد أشار الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" على هذا القول، ونسبه صاحب "الإنصاف" إلى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحم الله الجميع –([734]).

 

والأفضل أن يغتسل للجمعة عند مضيه إليها؛ لأنه أبلغ في المقصود، ولا سيما إذا خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه([735]).

 

إن الحرص على الغسل يوم الجمعة أكبر دليل على تعظيم هذا اليوم والاهتمام بهذه العبادة العظيمة، وهذا الجمع الكثير، ومن الناس من لا يقيم وزناً لذلك، فتراه يحضر المسجد بهيئة رثة، أو بثياب مهنته، ويجمع إلى ذلك رائحة كريهة تنبعث من جسده يؤذي بها الحاضرين. فالله المستعان!

 

وليحذر المسلم من أمر محرم وقع فيه الكثيرون – ولا سيما الشباب – في هذا اليوم المبارك؛ ألا وهو حلق اللحية الذي صار يوم الجمعة ميعاداً له، يعتبرون ذلك من تمام الغسل وتمام الزينة، ولا ريب أن حلق اللحية معصية، لأن الرسول e أمر بإعفائها، ونهى عن حلقها. وحلقها في هذا اليوم أعظم من حلقها في غيره؛ لشرف الوقت، فيكون في حلقها يوم الجمعة محذوران:

 

الأول: الحلق نفسه فإنه محرم شرعاً في الجمعة وغيرها؛ لأن هذا من أحكام الشرع لا من العادات.

 

الثاني: التزين للجمعة بمعصية الله تعالى.

 

فعلى كل مسلم أن يراقب الله تعالى، وأن يكون زيّه ولباسه موافقاً لآداب الشريعة وأحكامها، وأن يحذر كل الحذر من التشبه بمن نهينا عن التشبه بهم؛ لأن المتشبه بأعداء الله تعالى على خطر عظيم. والله الموفق.

 

الحكم الثاني

 

حسن اللباس

 

 

 

على قاصد الجمعة أن يهتم بلباسه ويتخير أحسن ما يجد، وتحسين الهيئة في الصلاة عموماً مطلوب – كما تقدم أول الكتاب – لكن أختص يوم الجمعة بمزيد عناية وردت عن الشارع.

 

فعن أبي أيوب – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله e يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت له كفارة لما بينهما"([736]).

 

وعن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – أنه سمع النبي e يقول على المنبر يوم الجمعة: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته"([737]).

 

إن حسن اللباس يوم الجمعة ظاهرة بادية على كثير من الناس – ولله الحمد – وهذا دليل إحساس بقيمة الزينة في هذا اليوم، لكن لا يزال أناس مقصرين في هذا الجانب، وأكثرهم ممن تقدمت بهم السن، فهم يحضرون إلى المسجد بثيابهم المعتادة وقد يظهر منها روائح كريهة، فلعلهم يهتمون بلباسهم في هذا اليوم العظيم، فقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يتجملون يوم الجمعة([738]).

 

وعلى المسلم أن يحذر الإسبال، الذي وقع فيه كثيرون – ولا سيما الشباب – فإنه محرم، وفيه وعيد عظيم، وقد ثبت ذلك بنصوص كثيرة، بلغت مبلغ التواتر، ومن ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"([739])، وعنه – أيضاً – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطراً"([740]).

 

وعن ابن جريّ – جابر بن سليم – أن النبي e قال له: "وإياك والإسبال، فإنه من المخيلة"([741]).

 

ومن هذه الأدلة وغيرها يؤخذ ما يلي:

 

أولاً: أن الإسبال منهي عنه مطلقاً، وأما ما ورد من التقييد بالخيلاء فلا يفيد أن النهي مختصّ به لأمرين:

 

الأول: أن الحكم مختلف؛ فإن الوعيد في حال الخيلاء يختلف عن الوعيد في غير الخيلاء، وعليه فلا يحمل المطلق على المقيد، فإن الإسبال للخيلاء كبيرة، وإن كان لغير الخيلاء فهو محرّم، ويخشى أن يكون من الكبائر.

 

الثاني: أن الإسبال ذاته خيلاء؛ لقوله e: "وإياك والإسبال، فإنه من المخيلة".

 

ثانياً: في الإسبال مفاسد ومخالفات عديدة؛ ففيه مخالفة السنة في اللباس، وارتكاب النهي، والخيلاء والإعجاب بالنفس، وفيه التشبه بالنساء، وفيه الإسراف بتعريض الملبوس للنجاسة والقذر ومسح مواطئ الأقدام، وقبل هذا كله التعرض للوعيد الشديد في الدنيا والآخرة([742]).

 

الحكم الثالث

 

السواك للجمعة

 

 

 

من تمام الزينة يوم الجمعة أن يهتم المصلي بالسواك، وهو مطلوب من المصلي عند كل صلاة، وإذا ثبت السواك في غير الجمعة، فهو في الجمعة مع الأمر باغتسال لها وإحسان الهيئة أولى([743]).

 

وقد ورد في سواك الجمعة نص خاص؛ فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه"([744]).

 

وفي حديث ابن عباس المتقدم في غسل الجمعة: (فمن جاء الجمعة ليغتسل، وإن كان طيب فليمس منه، وعليكم بالسواك).

 

الحكم الرابع

 

الطيب يوم الجمعة

 

 

 

إن الطيب من حسن الهيئة وجمال المظهر، وطيب الرائحة أم مرغوب فيه، وقد تقدم من الأحاديث ما يفيد تأكيد استعمال الطيب يوم الجمعة مهما كان قليلاً، وقد ورد – أيضاً في بعض الأحاديث: "وأن يمس طيباً إن وجد"([745]).

 

فعلى المسلم أن يستعد بالطيب ليوم الجمعة، ليرتاح الناس بجواره، ويظهر المسجد بالمظهر الطيب، ولا يتم ذلك إلا بامتثال جميع الناس، قال القرطبي: (وآداب الجمعة ثلاث: الطيب، والسواك، واللباس الحسن. ولا خلاف فيه لورود الآثار بذلك([746]).

 

قال القاضي عياض: (قوله: "ويمس من الطيب ما قدر عليه": يحتمل لتكثيره، ويحتمل لتأكيده مما وجده من طيب، وبدليل قوله: "ولو من طيب المرأة" يريد المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه، فأباحه هنا؛ لعدم غيره، وللضرورة إليه، وهذا يدل على تأكيده).([747])

 

الحكم الخامس

 

المبادرة إلى حضور المسجد

 

 

 

وعلى المصلي أن يبادر إلى الحضور؛ للثواب العظيم المرتب على ذلك في جميع الصلوات، وفي الجمعة فضائل خاصة حسب الأول فالأول، وقد دلّ على ذلك ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"، وفي رواية لمسلم: "فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر"([748]).

 

وأعلم أن المراد بالساعة في هذا الحديث: الزمن، لا الساعة المعروفة، وفي هذا الحديث خمس ساعات ما بين طلوع الشمس وخروج الإمام، فيقسم الزمن صيفاً أو شتاء على خمس ساعات، ويعرف مقدار كل ساعة من هذه الساعات الخمس([749]).

 

والمراد بطي الصحف: طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة على الجمعة، دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعاً([750]).

 

إن التأخر في الحضور لصلاة الجمعة ظاهرة بينة في كثير من المساجد. ولا أدري كيف يرضى المسلم أن يفوت على نفسه هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل بالكسل والقعود في بيته حتى يدخل الخطيب أو يفوته بعض الصلاة؟ إن من الناس من لا يستيقظ يوم الجمعة إلا متأخراً، ومنهم من يشتغل بأمور دنياه من بيع وشراء، فيتأخر في المجيء إلى منـزله.

 

وقد كان التبكير إلى الجمعة من هدي السلف الصالح؛ بقول أنس بن مالك – رضي الله عنه -: (كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل)([751]).

 

وقد كان الواحد من السلف يغتم إذا تأخر ولم يتقدم؛ فهذا علقمة يقول: رحت مع عبد الله بن مسعود يوم الجمعة ووجد ثلاثة قد سبقوه. فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد؛ إني سمعت رسول الله e يقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع"، ثم قال: رابع أربعة: وما رابع أربعة من الله ببعيد([752]).

 

وعن سمرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها"([753]).

 

الحكم السادس

 

المشي إلى الجمعة

 

 

 

يستحب أن يكون ذهابه إلى المسجد ماشياً إن أمكن؛ لأن المشي إلى الصلاة أفضل من الركوب، كما تقدم أول الكتاب، وفي الجمعة أدلة خاصة؛ فقد بوب البخاري  - رحمه الله – في صحيحه فقال: "باب المشي إلى الجمعة" ثم ساق بسنده إلى عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله e يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار".

 

وأخرجه النسائي ولفظه: حدثني يزيد بن أبي مريم – قال: لحقني عباية بن رافع وأنا ماش إلى الجمعة. فقال: أبشر! فإن خطاك هذه في سبيل الله. سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله e: "من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار"([754]).

 

فالبخاري – رحمه الله – أورد هذا الحديث في باب (المشي إلى الجمعة) لعموم "في سبيل الله"، فدخلت فيه الجمعة، ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك. هذا هو الظاهر، والله أعلم([755]). قال الإمام أحمد – رحمه الله -: (استحب أن يذهبوا رجّاله إلى العيدين والجمعة)([756]).

 

وعلى الساعي إلى الجمعة السكينة والوقار راجلاً كان أو راكباً؛ لعموم الأدلة في هذا الحكم؛ ولقوله e في حديث أبي أيوب المتقدم: "ثم خرج وعليه السكينة".

 

الحكم السابع

 

في السفر يوم الجمعة

 

 

 

اعلم أن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة له حالتان:

 

الأولى: أن يكون قبل الزوال.

 

الثانية: أن يكون بعد الزوال وقبل الصلاة.

 

فأما السفر قبل الزوال صباحاً أو ضحى فإنه يجوز – على الصحيح من قولي أهل العلم – وقد ورد عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: أنه أبصر رجلاً عليه هيئة السفر، فسمعه يقول: لولا أن اليوم الجمعة لخرجت، فقال: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر. وفي لفظ: فاخرج ما لم يحن الرواح([757]).

 

وعن صالح بن كيسان قال: إن أبا عبيدة خرج يوم الجمعة في بعض أسفاره ولم ينتظر الجمع([758]).

 

وعن الحسن أنه قال: (لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم يحضر وقت الصلاة)([759]).

 

فهذه الآثار وغيرها تدل بمجموعها على جواز السفر يوم الجمعة ما لم يدخل وقت الصلاة، ولأن الإنسان لم يؤمر بحضور الجمعة ما لم يدخل وقت الصلاة، ولأن الإنسان لم يؤمر بحضور الجمعة قبل النداء فلم يتعلق به طلب.

 

وقد ورد عن السلف آثار تدل على منع السفر يوم الجمعة بعد الفجر حتى يصلي الجمعة، وبها أخذ جمع من أهل العلم([760]).

 

أما السفر بعد الزوال فيحرم على من تلزمه الجمعة قبل أن يصليها، على قول الجمهور من أهل العلم؛ لأنه بعد الزوال يكون قد دخل الوقت بالاتفاق، والغالب أن الإمام يحضر بعد الزوال، فيكون بسفره قد تعمد ترك الواجب، ويستدل على ذلك – أيضاً – بقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون[([761]).

 

ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالسعي إلى الجمعة وترك البيع؛ لأنه ذريعة على التشاغل عنها وعدم حضورها، فكذلك ينهى عن السفر إذا نودي للصلاة، لأنه مانع من حضورها، وتعليق الحكم بالنداء أولى من تعليقه بالزوال([762]).

 

واعلم أنه لم يثبت عن النبي e في السفر يوم الجمعة شيء([763])، وما ورد من ذلك فهو ضعيف، فلا يعول عليه، ومن ذلك ما ورد من دعاء الملائكة على من سافر يوم الجمعة بأن لا يصحب في سفره، ولا تقضي له حاجة، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبمعناه حديث ابن عمر – رضي الله عنهما([764]).

 

قال الشوكاني، بعد ذكر الأقوال في حكم السفر يوم الجمعة: (والظاهر جواز السفر قبل دخول وقت الجمعة، وبعد دخوله، لعدم المانع من ذلك، وحديث أبي هريرة، وكذلك حديث ابن عمر لا يصلحان للاحتجاج بهما على المنع، لما عرفت من ضعفهما ومعارضة ما هو أنهض منهما، ومخالفتهما لما هو الأصل فلا ينتقل عنه إلا بناقل صحيح، ولم يوجد.

 

وأما وقت صلاة الجمعة فالظاهر عدم الجواز لمن وجب عليه الحضور، إلا أن يخشى حصول مضرة من تخلفه للجمعة، كالانقطاع عن الرفقة التي لا يتمكن من السفر إلا معهم، وما شابه ذلك من الأعذار، وقد أجاز الشارع التخلف عن الجمعة لعذر المطر، فجوازه لما كان أدخل في المشقة منه أولى)([765]).

 

وعلى ما تقدم فينهى عن السفر وقت صلاة الجمعة، إلا إن خاف فوت رفقته، أو خاف إقلاع الطائرة، ونحو ذلك مما يصلح عذراً مسقطاً للجمعة، وكذا لو أمكنه أن يصليها في طريقة، كما هو متحقق الآن أكثر من زمن مضى. والله أعلم.

 

الفصل الثاني

 

في أحكام حضور مسجد الجمعة

 

الحكم الأول

 

الحذر من تخطي الرقاب وأذية الآخرين

 

 

 

عند تأمل النصوص الواردة في فضل الجمعة نرى فيها تعليق غفران ما بين الجمعتين من الذنوب على خصال متعددة. منها:

 

عدم أذية الآخرين. ففي حديث أبي أيوب المتقدم: "ولم يؤذ أحداً" وفي حديث سلمان الفارسي – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى"([766]).

 

قال الشوكاني: (وظاهر الحديث أن الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما ذكر في الحديث من الغسل والتنظيف والتطيب أو الدهن وترك التفرقة والتخطي والأذية والتنقل والإنصات، وكذلك لبس أحسن الثياب، كما وقع في بعض الروايات، والمشي بالسكينة كما وقع في أخرى، وترك الكبائر كما في رواية أيضاً)([767]).

 

وعليه فيتعين في حق المصلي يوم الجمعة أن يكف أذاه عن الآخرين، والأذية تكون بأمور منها:

 

التفرقة بين اثنين: وذلك بالقعود بينهما، أو إخراج أحدهما والقعود في مكانة([768])، بل عليه أن يطلب التوسعة من الحاضرين. وعن جابر – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم ليخالف إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن – يقول: - افسحوا"([769]).

 

قال النووي: (وهذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره، يوم الجمعة أو غيرها، لصلاة أو غيرها، فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث)([770]).

 

تخطي رقاب المصلين: فعلى الداخل للمسجد يوم الجمعة أن يحذر كل الحذر من تخطي رقاب الناس، ومضايقة الجالسين المتقدمين، فيجمع بين التأخر والتخطي والمضايقة. ويكثر ذلك في أفضل البقاع: في المسجد الحرام يوم الجمعة، وهذا من أذية المصلين وقله الفقه في الدين، وقد وقع التصريح في حبوط ثواب الجمعة للمتخطي فيما رواه عبد الله بن عمرو – رضي اله عنهما – مرفوعاً: "من لغا أو تخطى كانت له ظهراً". قال ابن وهب – أحد رواته -: معناه: أجزأت عنه الصلاة عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة([771]).

 

هذا وقد مضى الكلام على تخطي الرقاب بأوسع من هذا، وإنما أفردت الجمعة بالذكر؛ لكثرة التخطي فيها، ولورود نص خاص في النهي عن أذية المصلين يوم الجمعة، وبالله التوفيق.

 

الإيذاء بالقول كالشتم أو الغيبة أو الاستهزاء([772]) ونحو ذلك. فليحفظ المصلي لسانه. ويلزم الصمت إذا سابّه أحد أو تكلم عليه، ولا سيما عند مكان الجلوس، فيحاول أن يفسح له، ولا يرد عليه، وقد رأينا من الداخلين للمساجد – ومنها: المسجد الحرام – من يطلق لسانه ويبسطه بالسوء إلى المتقدمين، وخيرهم من حفظ لسانه، واشتغل بعبادة ربه، فأقبل على صلاته وتلاوته.

 

الحكم الثاني

 

القرب من الإمام

 

 

 

إذ بكر الإنسان للمسجد يوم الجمعة فينبغي له أن يدنو من الإمام، ولا يتأخر كما يفعله جمع من الناس، يحرمون أنفسهم فضيلة الدنو من الإمام والصف الأول، إما جهلاً منهم أو رغبة عن الثواب؛ فتراهم يجلسون وسط المسجد، أو في مؤخرته مع خلو الصفوف الأول.

 

وقد تقدم الكلام على فضل الصف الأول والقرب من الإمام، وتقدم – أيضاً – حديث سمرة – رضي الله عنه – "احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال الرجل يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها"([773])، قال الطيبي: "أي: لا يزال الرجل يتباعد عن استماع الخطبة، وعن الصف الأول الذي هو مقام المقربين حتى يؤخر إلى آخر صف المتسلفين، وفيه توهين أمر المتأخرين، وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفساسفها . . . "([774]).

 

 

 

 

 

 

 

الحكم الثالث

 

التنفل قبل دخول الإمام

 

 

 

إذا وصل إلى مكانه في الصف صلى ما كتب له نفلاً غير مقيد بعدد، دل على ذلك حديث سلمان المتقدم قريباً: "ثم يصلي ما كتب له"، وفي حديث أبي أيوب الذي سبق ذكره في الكلام على اللباس: "ثم يركع ما بدا له". فدل ذلك على مسألتين:

 

الأولى: أن المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة أن يصلي قبل أن يجلس ما شاء حتى يخرج الإمام، وهذا نفل مطلق، وليس بسنة للجمعة؛ لأن الجمعة ليس لها سنة قبلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي e أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئاً لا بقوله ولا بفعله، وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد . .)([775]).

 

وما يفعله بعض الناس – ولا سيما في المسجد الحرام – من صلاته ركعتين أو أربع بعد الأذن الأول يوم الجمع مباشرة؛ معتقدين أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون قبل الظهر، فهذا لا أصل له، كما تقدم، ولا دليل لهم في حديث: بين كل أذانين صلاة"([776])؛ لأن المراد بالحديث: الأذان والإقامة. وعلى فرض أن المراد بذلك الأذانان فلا يصح الاستدلال به أيضاً؛ لأنه لم يكن في عهد النبي e يوم الجمعة سوى الأذان الأول والإقامة فيعتذر فعل السنة؛ لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة فلا صلاة بينهما([777]).

 

يقول ابن الحاج رحمه الله في كتابه "المدخل": (وينهى الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة؛ لأنه مخالف لما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ لأنهم كانوا على قسمين: فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد، ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر، فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم، ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي الجمعة، ولم يحدثوا ركوعاً بعد الأذان الأول ولا غيره. فلا المتنفل يعيب على الجالس ولا الجالس يعيب على المتنقل. وهذا بخلاف ما هم اليوم يفعلونه، فإنهم يجلسون حتى إذا أذن المؤذن قاموا للركوع . . . )([778]).

 

المسألة الثانية: أنه يصلي في أي وقت كان؛ لأنه e قال: "ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام". وظاهر هذا جواز الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال، وهذا من خصوصيات هذا اليوم أنه مستثنى من وقت النهي الذي هو قيام الشمس حتى تزول، كما بين ذلك العلامة المحقق ابن القيم – رحمه الله – في "زاد المعاد" واحتج لذلك بحديث سلمان المذكور، وقال عقبه: (فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام. ولهذا قال غير واحد من السلف منهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: خروج الإمام يمنع الصلاة، وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار . . .)([779]).

 

الحكم الرابع

 

الاشتغال بالذكر وتلاوة القرآن

 

 

 

فإذا صلى ما كتب له شرع في تلاوة كتاب الله تعالى إن كان يحسن ذلك، وقد ورد الترغيب في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"([780]).

 

والمراد بيوم الجمعة: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فكل ذلك ظرف لقراءة هذه السورة، وليس ذلك خاصاً بوقت صلاة الجمعة، كما قد يفهمه بعض الناس، فلو قرأها صباحاً أو بعد العصر حصل المقصود إن شاء الله، والله أعلم([781]).

 

وإذا كان لا يحسن القراءة فعليه أن يشتغل بذكر الله تعالى ودعائه، فإن كل ما يقال من الأذكار في غير يوم الجمعة يقال فيهن ويزداد استحباب كثر الذكر فيه على غيره؛ لشرف الوقت.

 

ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس رجاء مصادفة ساعة الأجوبة. فقد اختلف فيها على أقوال كثيرة. وفي هذه الساعة ورد حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها([782]).

 

كما يستحب الإكثار من الصلاة على النبي e في يوم الجمعة، وحاضر الصلاة الذي لا يشتغل بالقراءة يحرص على ذلك. وقد ورد عن أوس بن أوس – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إن من أفضل ايامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة؛ فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ - يقولون: قد بليت – قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"([783]).

 

ومن الناس من إذا صلى ما كتب له استدعى النعاس حتى والإمام يخطب، وهذا قد حرم نفسه خيراً كثيراً، وفوت فضائل عديدة، فليحرص المسلم على دفع النعاس إما براحة قبل مجيئه للجمعة، أو بالقيام من مجلسه. فقد ورد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله e: "إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره"([784]).

 

والحكمة في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه، والله اعلم([785]).

 

وقد مضت كلمات حول هذه الظاهرة في الكلام على وظيفة الجالس في المسجد قبل أحكام الجمعة، والحمد لله رب العالمين.

 

الحكم الخامس

 

الإنصات والاستماع للخطبة

 

 

 

إذا شرع الإمام في الخطبة أقبل عليه بوجهه ولا يستدبره أو يستقبل غير جهته؛ لفعل الصحابة – رضي الله عنهم -؛ لأن استقبال تهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده ويقبله وحضور ذهنه، كان أدعى لفهم موعظته، وموافقته فيما شرع له القيام لأجله([786]). قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي e وغيرهم؛ يستحبون استقبال الإمام إذا خطب)([787]).

 

قال ابن القيم: (وكان e إذا خطب قائماً في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوهم، وكان وجهه e قبلهم في وقت الخطبة)([788])

 

ومن هنا يتبين أن ما يفعله بعض الناس من الاعتماد على جدار أو عمود مستدبرين القبلة ووجه الخطيب أن هذا خلاف المطلوب، وانظر كيف أذن الشرع للخطيب أن يستدير القبلة ليواجه المصلين فكيف ينصرف بعض الناس ويستدير القبلة والخطيب؟!

 

فإذا أقبل على الخطيب أنصت له مستمعاً مستفيداً. قال ابن القيم: (الإنصات للخطبة إذا سمعها واجب في أصح القولين)([789]). وقد تقدم في حديث سلمان: "ثم ينصت إذا تكلم الإمام" وهو يفيد أن الإنصات من الصفات التي رتبت عليها مغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى.

 

والمراد: السكوت مطلقاً عن القراءة والذكر والحديث مع غيره، ولا يلزم من تجويز تحية المسجد حال الخطبة – كما تقدم – تجويز الذكر مطلقاً؛ لأن ذلك ثبت بدليل خاص([790]).

 

إن المقصود من خطبة الجمعة وعظ الناس وتذكيرهم، ولا يتم ذلك وغيره من المقاصد إلا بالإنصات للخطيب والإصغاء إليه، والبعد عن العبث بيد أو لحية أو ساعة أو سبحة أو سواك ونحو ذلك مما يمنع الإقبال، ويشعر بالإعراض وعدم الاهتمام.

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي e قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام"([791]).

 

وعنه أيضاً – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسّ الحصا فقد لغا"([792]).

 

وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عن النبي e أنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته – إن كان لها – ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً"([793]). ومعنى (لم يلغ): لم يتكلم ولم يشتغل بغير ما ندب إليه.

 

قال النووي: (قوله: "من مس الحصا فقد لغا": فيه النهي عن مسّ الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا: الباطل المذموم والمردود)([794])

 

وقال ابن الأثير: (جعل المسّ كاللغو؛ لأنه يشغله عن سماع الخطبة، كما يشغله الكلام)([795]).

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي e قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت"([796]).

 

فإذا كان يفوت على نفسه فضيلة الجمعة بقوله لصحابه: أنصت. وهو أمر بالمعروف فما دون ذلك من باب أولى([797]).

 

ولهذا فالمختار أن المستمع للخطبة لا يرد السلام، ولا يشمت العاطس؛ لأن الاستماع واجب بسنة رسول الله e، قال النووي في "شرح المهذب" في ذكر الأوجه عند الشافعية في هذه المسألة: (الصحيح المنصوص عليه تحريم تشميت العاطس كرد السلام). ومثله في "روضة الطالبين"([798]).

 

وفي "بدائع الفوائد" لابن القيم: في "مسائل الكوسج لأحمد": قلت: إذا عطس الرجل يوم الجمعة؟ قال: لا تشمته. أهـ([799]). وفي مسائل الإمام أحمد لأبي داود: قال: قلت لأحمد: يرد السلام والإمام يخطب؟ قال: إذا كان ليس يسمع الخطبة. يقول الله عز وجل: ]فاستمعوا له وأنصتوا[([800]) فإذا كان يسمع فلا، قيل لأحمد وأنا أسمع: رجل يسمع نغمة الإمام بالخطبة ولا يدري ما يقول يرد السلام؟ قال: لا، إذا سمع شيئاً . . . قال أبو داود: سمعت رجلاً قال لأحمد: أرى الرجل يتكلم والإمام يخطب؟ قال: أشر إليه أو أوح إليه([801]).

 

وإذا دخل المسجد والإمام يخطب فإنه لا يسلم على الحاضرين؛ لانشغالهم عن الرد عليه باستماع الخطبة([802]).

 

ويستثني من النهي عن الكلام والإمام يخطب ما إذا كلم الإمام لمصلحة تتعلق بالخطبة، أو لحاجة تعني المسلمين، أو كلمة الإمام، كأن ينبّه الخطيب يوم الجمعة إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا، فمطرنا، فما كدنا أن نصل على منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة، قال: فقام ذلك الرجل – أو غيره – فقال: يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا . . الحديث([803]).

 

قال في فتح الباري: (فيه جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة)([804])، ومن الأدلة – أيضاً – حديث جابر – رضي الله عنه – قال: جاء رجل والنبي e يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: "أصليت يا فلان؟" قال: لا، قال: "قم فاركع"([805]).

 

الحكم السادس

 

لا يرفع يديه عند الدعاء في الخطبة

 

 

 

أعلم أنه لا يشرع رفع اليدين حال دعاء الإمام في خطبة الجمعة، لا للخطب ولا للسامعين. وقد ورد عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه. فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله e ما يزيد على أن يقول بيده هكذا. وأشار بإصبعه المسبحة، وفي رواية: يوم جمعة([806]).

 

قال النووي: (هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليدين في الخطبة، وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته؛ لأن النبي e رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى. وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض)([807]).

 

وقال الشوكاني: (والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة)([808]).

 

وقال أبو شامة في ذكر بدع الجمعة: (وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة) وتبعه على ذلك السيوطي في كتابه: (الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)([809]).

 

وجاء في الاختبارات لابن تيمية: (ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، وهو أصح الوجهين لأصحابنا؛ لأن النبي e إنما كان يشير بإصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر)([810])

 

الحكم السابع

 

في تحية المسجد والإمام بخطب

 

 

 

إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين ولا يزيد عليهما؛ ليفرغ لسماع الخطبة. وذلك لما ورد عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي e خطب فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين" وفي رواية: "فيركع ركعتين وليتجوّز فيهما"([811]).

 

فهذا دليل صريح على أن الداخل والإمام يخطب لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، وهو حجة على من قال بعدم مشروعيتها حال الخطبة، وما أجابوا به عن هذا الحديث وأمثاله فهو غير ناهض، وما أحسن قول الإمام النووي – رحمه الله – عن هذا الحديث. (وهذا نص صريح لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحاً فيخالفه)([812]).

 

كما أن حديث أبي قتادة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" يتناول بعمومه وقت أداء التحية حال الخطبة.

 

وليست الركعتان سنة قبلية للجمعة، فإنه لا سنة للجمعة قبلها – كما تقدم – بل يصلي الداخل قبل صعود الإمام نفلاً مطلقاً غير مقيد بعدد. وإنما هما تحية المسجد([813]).

 

لكن لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن، فهل يصلي التحية حال الأذان؛ ليفرغ لاستماع الخطبة، أو يجيبه ثم يصلي بعد فراغه؟

 

الظاهر أنه يصلي تحية المسجد ولا يتابع المؤذن في هذه الحال؛ لأن استماع الخطبة آكد. فإن إجابة المؤذن مستحبة عند الجمهور، كما ذكره الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في "فتح الباري"([814]). وقد حكى الطحاوي – رحمه الله – في "شرح معاني الآثار"([815]) عن قوم من السلف القول بالوجوب، وهو ظاهر من صيغة الأمر في قوله e: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن"([816]).

 

وقد ذكر العلماء أن هذا الأمر صرف عن الوجوب بما ورد عن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله e يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع مؤذناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر. فقال رسول الله e "على الفطرة". ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد لا إله إلا الله، فقال رسول الله e: "خرجت من النار" فإذا هو راعي معزى([817]).

 

لكن يحتمل أن الرسول e أجاب المؤذن فقال مثل ما قال، إذ ليس في الحديث ما ينفي ذلك، ثم إن هذا فعل، والأمر السابق قول، والفعل منه e لا يعارض القول الخاص بالأمة([818]).

 

والأظهر أن الصارف عن الوجوب قول e لمالك بن الحويرث ومن معه: "إذا حضرت الصلاة فيؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم"([819])، ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، والحاجة داعية إلى بيان كل ما يحتاجه هؤلاء الذين وفدوا على النبي e، وقد لبثوا عنده عشرين يوماً، وقد لا يكون عندهم علم بما قال النبي e في متابعة الأذان، فما ترك النبي e بيان ذلك مع دعاء الحاجة إليه علم أن المتابعة غير واجبة([820]).

 

وقد ورد في الموطأ عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن "قال ثعلبة" جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد([821]).

 

قال النووي في شرح المهذب على هذا الأثر: وفيه جواز الكلام حال الأذان([822]). أهـ.

 

وعلى ما تقدم فإن صح كون الأمر بإجابة المؤذن للاستحباب لصلاحية ما تقدم لصرف الأمر عن الوجوب فالحكم واضح بالنسبة لمسألتنا وهي أنه يقدم تحية المسجد حال الأذان؛ ليفرغ لأمر واجب، وهو استماع الخطبة.

 

وإن قلنا: إن الأمر للوجوب فالظاهر أن استماع الخطبة أكد، بدليل تحريم الكلام حال الخطبة ووجوب الإنصات، ولا يحرم الكلام حال الأذان، ومما يؤيد ذلك أن الداخل مأمور بأن يتفرغ لسماع الخطبة ما أمكنه ذلك ولو بتخفيف تحية المسجد؛ لقوله e: "فليركع ركعتين وليتجوز فيهما". قال في نيل الأوطار: (فيه مشروعية التخفيف لتلك الصلاة؛ ليتفرغ لسماع الخطبة). أهـ([823]).

 

وقد رأيت في المغني لابن قدامة: (وإن دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ، ويقول مثل ما يقول جمعاً بين الفضيلتين، وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة فلا بأس، نص عليه أحمد)([824]).

 

والظاهر أن هذا في غير الجمعة، وأما في الجمعة فينبغي أن يصلي التحية لأجل استماع الخطبة، والله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

الحكم الثامن

 

بم تدرك الجمعة؟

 

 

 

لا تدرك الجمعة إلا بإدراك ركعة تامة وإن لم يدرك من الخطبة شيئاً، فمن دخل مع الإمام قبل أن يركع الركعة الثانية أو أدرك معه الركوع فقد أدرك صلاة الجمعة، فيأتي بركعة أخرى وتتم صلاته، وهذا قول الجمهور من أهل العلم، وهو الراجح في المسألة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"([825]).

 

وهذا نص عام يشمل جميع الصلوات، ومنها: صلاة الجمعة.

 

وقد بوب الترمذي – رحمه الله – على هذا الحديث في جامعة بقوله: (باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة). ثم قال: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي e وغيرهم، قالوا: من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى، ومن أدركهم جلوساً صلى أربعاً، وبه يقول: سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد وإسحاق)([826]).

 

أما من أدرك مع الإمام أقلّ من ركعة كأن يدركه بعد أن رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية أو في السجود أو في التشهد فقد فاتته الجمعة، لمفهوم الحديث المتقدم، فإن مفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة.

 

وعليه أن يصليها ظهراً أربع ركعات ولو كان قد دخل مع الإمام بنية الجمعة، فإذا سلم الإمام نوى الظهر ثم صلاها، وهذا هو القول الراجح – إن شاء الله – ولا يسع الناس العمل بغيره؛ لأن الظهر فرع عن الجمعة، فإذا انتقل من الجمعة إلى الظهر فقد انتقل من أصل إلى بدل. وكلاهما فرض الوقت([827]).

 

ويستثنى من ذلك ما إذا صليت الجمعة قبل الزوال وأدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه لا يتمها جمعة؛ لأنه لم يدرك منها ركعة، ولا يصليها ظهراً؛ لأنه لم يدخل وقت الظهر، فيتمها نفلاً فإذا دخل وقت الظهر بالزوال صلى الظهر. والله أعلم([828]).

 

الحكم التاسع

 

الصلاة بعد الجمعة

 

 

 

إذا صلى الجمعة صلى بعدها ركعتين أو أربعاً، نقله ابن قدامة عن الإمام أحمد، وفي رواية عنه: أو ستاً([829]). وقد دل على ذلك ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً"([830])، وفي رواية بيان الصارف للأمر، وأنه ليس للوجوب بل للاستحباب؛ لقوله: "من كان منكم مصلياً"([831]).

 

وعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله e يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته([832]).

 

وعنه – أيضاً – قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدّث أن رسول الله e كان يفعل ذلك([833]).

 

قال أبو شامة: أراد بقوله: (أن رسول الله e كان يفعل ذلك): أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته، ولا يصليهما في المسجد، وذلك هو المستحب([834]).

 

وقال في عون المعبود: (والحاصل أن النبي e أمر الأمة أمراً مختصاً بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة، وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت، واقتصاره e على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لعدم المعارضة بينهما([835]).

 

وأما الست ركعات فهي مروية عن طائفة من الصحابة منهم على وابن عمر وأبو موسى رضي الله عنهم أجمعين؛ جمعاً بين هذا وهذا([836]).

 

وصلاة هذه السنة في المنـزل أفضل، ولو صلاها في المسجد جاز، لا فرق في ذلك بين الركعتين أو الأربع([837])، ومما يدل على أفضلية الصلاة في المنـزل قوله e: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"([838])

 

الحكم العاشر

 

إذا اجتمع العيد والجمعة

 

 

 

إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقط وجوب الجمعة وحضورها عمن صلى العيد، على الأظهر من أقوال أهل العلم، ويصلي مكانها صلاة الظهر. ودليل ذلك حديث زيد بن أرقم – رضي الله عنه – أن معاوية بن أبي سفيان سأله: هل شهدت مع رسول الله e عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصلّ"([839]).

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله e أنه قال: " اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء، أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون"([840]).

 

وعن عثمان – رضي الله عنه -: أنه خطب في يوم عيد وجمعة، فقال: من أحبّ من أهل العوالي أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له([841]).

 

فهذه أدلة صحيحة تفيد التخيير في حضور إحداهما، وأن صلاة العيد تجزئ عن صلاة الجمعة، فلا يجب حضورها. وتكون هذه الأدلة مخصصة لعموم قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع[([842]).

 

وينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يحضر العيد، وإن صلى الإنسان العيد والجمعة فهو أكمل، لينال الأجر، ويحظى بالفضيلة، والله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثالث

 

في أحكام حضور المرأة المسجد

 

 

 

وفيه ثلاثة فصول:

 

الأول: في حكم حضور المرأة المسجد

 

الثاني: في شروط حضورها المسجد

 

الثالث: في أهم الأحكام التي تنفرد بها المرأة عن الرجل في الصلاة

 

 

 

الفصل الأول

 

في حكم حضور المرأة المسجد

 

 

 

لقد أذن الإسلام للمرأة أن تخرج إلى المسجد وتصلي مع الناس. ومع هذا فقد حثها على أن تصلي في بيتها؛ لأن أستر لها، ولئلا تفتن غيرها.

 

فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن"([843]).

 

وعن أم حميد الساعدية – رضي الله عنها -: أنها جاءت إلى رسول الله e فقالت يا رسول الله: إني أحب الصلاة معك، فقال: "قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة"([844]).

 

قال في فتح الباري: (ووجه كون صلاتك في الإخفاء أفضل: تحقّق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود مما أحدث النساء من التبرج والزينة)([845]).

 

وإذا كان ابن حجر – رحمه الله – قد قال هذا في زمانه في القرن التاسع فكيف لو رأى هو وغيره من أهل العلم ما عليه النساء في زماننا من خروجهن متبرجات متطيبات كاسيات عاريات، حتى في أفضل بقعة على وجه الأرض: في بيت الله الحرام.

 

لا ريب أن مثل هؤلاء يحرم خروجهن إلى المساجد وغير المساجد، ويجب على وليهن منعهن وعدم الإذن لهن، ولكن أين الغيرة الإسلامية من أولياء أمورهن؟ إن أكثرهم لا يرفع طرفاً ولا يحرك لساناً، فإلى الله تعالى المشتكى!!

 

وقال في بلوغ الأماني: (يستفاد من هذا الحديث مشروعية تستر المرأة في كل شيء حتى في صلاتها وعبادة ربها، وكلما كانت في مكان أستر كان ثوابها أعظم وأوفر؛ لهذا أرشدها النبي e إلى أخفى  مكان في بيتها وأبعده عن الناس، وهو e لا يرشد إلا إلى كل خير، فبادرت بالعمل بإرشاده، وأمرت ببناء مسجد لها في أبعد ناحية لها في بيتها وأظلمها، ولا زالت تعبد الله عز وجل حتى ماتت – رحمها الله -)([846]).

 

وعن عائشة – رضن الله عنها – قالت: أعتم رسول الله e بالعتمة حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان، فخرج النبي e فقال: "ما ينتظرها أحد غيركم من أهل الأرض" ولا يصلى يومئذ إلا في المدينة، وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول([847]).

 

فهذا الحديث دل على وجود النساء في المسجد وحضورهن الجماعة. وليس هذا بواجب عليهن.

 

قال أبو محمد بن حزم: (وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضاً، وقد صح في الآثار كون نساء النبي e في حجرهن لا يخرجن إلى المساجد)([848]).

 

وإذا استأذنت المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد ملتزمة بالشروط المعتبرة فإن يأذن لها؛ لأن الرسول e أمر الأزواج بذلك؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي e قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن"([849]).

 

وعنه – أيضاً – رضي الله عنه أن رسول الله e قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)([850]).

 

الفصل الثاني

 

في شروط حضور المرأة المسجد

 

 

 

ليس للمرأة أن تخرج إلى المسجد ولا يحل لزوجها أن يأذن لها إلا بشروط ذكرها العلماء. بعضها دل عليه النص، وبعضها ملحق بالمنصوص؛ لمشاركته له في علته([851])، والشروط هي:

 

ألا تكون متطيبة. لما ورد عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله e: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسّ طيباً"([852])، أي: إذا أرادت حضور المسجد فلا تتطيب؛ لأن الطيب من أسباب الفتنة وتحريك شهوة الرجال. ويلحق به الزينة كالثياب الفاخرة والحلي وصوت الخلخال، ونحو هذا، فلابد أن تكون المرأة عند خروجها إلى المسجد على درجة تامة من التستر والبعد عن كل ما يثير الرجال.

 

أن تغض بصرها كما أمرها ربها، فلا تنظر إلى الرجل الأجنبي. قال الله تعالى: ]وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن[([853]).

 

قال ابن كثير – رحمه الله -: (أي: عما حرم عليهن من النظر إلى غير أزواجهن، ولهذا ذهب كثير من العلماء على أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً . . . )([854]).

 

وقال النووي – رحمه الله -: (الصحيح الذي عليه الجمهور من العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الرجل الأجنبي، كما يحرم عليه النظر إليها)([855]).

 

ولا ريب أن الفتنة مشتركة، فكما أن نظر الرجل إلى المرأة سبب الأفتتان بها، كذلك نظرها إليه سبب للافتتان به.

 

ألا يكون في الطريق إلى المسجد ما يخاف منه مفسدة. فإن كان الطريق غير آمن ويخشى عليها من الفساق حرم خروجها؛ لمظنة الفتنة وتحقق الفساد.

 

أن تكون متحجبة الحجاب الشرعي بستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان والقدمان، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج إلى المسجد كاشفة عن وجهها وكفيها، تذهب لأداء عبادة هي في بيتها أفضل، ولكنها تبوء بإثم عظيم بما جنت على نفسها وعلى غيرها من الفتنة وتحريك دواعي الشهوة.

 

ألا تختلط بالرجال لا في الطريق ولا في المسجد، ولا تتقدم إلى صفوف الرجال ولا إلى أماكن الرجال، بل تصلي خلفهم بعيدة عنهم.

 

وقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"([856]).

 

6)    ألا ترفع صوتها في الصلاة لا في القراءة ولا في التأمين ولا في تنبيه الإمام إذا سها، بل تكتفي في الأخير بالتصفيق؛ لقوله e: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"([857]).

 

7) أن تنصرف قبل الرجال لئلا تحصل لهن مزاحمة من الرجال في الطرقات أو على أبواب المساجد. وقد ورد عن أم سلمة – رضي الله عنها -: أن النبي e كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً.

 

قال ابن شهاب: فنرى – والله أعلم – لكي ينفذ من ينصرف من النساء قبل أن يدركهن الرجال([858]).

 

قال الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث: مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت . . . وفيه أن النساء كن يحضرن في المسجد . . .)([859]).

 

وقصارى القول  أن المرأة مأمورة بالستر والبعد عن كل ما يثير الرجال حال خروجها من منـزلها عموماً وإلى المسجد خصوصاً.

 

وعلى المرأة المسلمة أن تكون وقّافة عند حدود الله تعالى، ولتعلم يقيناً أن الذي أمرها بالصلاة وأباح لها أن تخرج إلى المسجد هو الذي أمرها بالحجاب والحشمة والعفة والحياء، فكيف تطيعه في الأول وتعصيه في الثاني؟؟ كيف تكون مأجورة بفعل ما نهى عنه الشارع؟ كيف تؤدي مباحاً وسيلته محرمة؟ إنه لا يبعد أن تكون صلاتها ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال فإنها تنقصها.

 

وإن الأسى ليحرق القلب عندما ترى كثيراً من النساء في أفضل البقاع – بيت الله الحرام – وما هن عليه من التبرج وكشف الوجه وإظهار المحاسن ذاهبات لأداء عبادة عظيمة في أقدس بقعة على وجه الأرض، ثم مزاحمتهن للرجال في المطاف أو عند الأبواب دخولاً وخروجاً، أضف على ذلك تقدم بعض النساء للصلاة في ساحة المطاف قريباً من الكعبة. تظن أن ذلك أفضل، وأين الأفضلية والرجال يمرون حولها والرسول e يقول في الحديث المتقدم: "وشر صفوف النساء أولها"، أي: لقربها من الرجال. فكيف إذا ذهبت تزاحم الرجال وتصلي في أماكنهم؟! فالله المستعان!!

 

وعلى المرأة أن تحذر من مزاحمة الرجال في الأبواب ولا سيما في الخروج، فإما أن تنتظر حتى تذهب حطمة الناس، وإما أن تبادر بالخروج بعد سلام الإمام قبل أن يدركها الرجال، وإلا فمن المعلوم أن المستحب للرجال أن يثبتوا بقدر ما يرون أن النساء قد انصرفن. ولكن أكثرهم لا يفقهون.

 

والأولى تخصيص أبواب للنساء، بل هذا متعين؛ تأسياً بما حصل في القرن الأول، لما فيه من المصالح العظمية.

 

الفصل الثالث

 

في أهم الأحكام التي تنفرد بها المرأة عن الرجل في الصلاة

 

 

 

أعلم أن الأصل في الأحكام الشرعية – ومنها الصلاة – أن المرأة تشارك الرجل فيها، فما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا ما دل الدليل على استثنائه. وقد جاء في أحكام الصلاة مسائل تنفرد بها المرأة، لوجود أدلة تفيد ذلك، وأهم هذه الأحكام ما يلي:

 

موقف المرأة خلف الإمام:

 

لا خلاف بين أهل العلم أن السنة أن تقف المرأة خلف الرجل، فإذا صلى رجل ومعه امرأة وقفت خلفه، وإن كان معه رجل آخر وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفهما. وإن حضر رجال ونساء وقف الرجال خلف الإمام صفاً واحداً أو صفوفاً، ثم تقف النساء بعد الرجال صفاً واحداً أو صفوفاً([860]).

 

وقد دل على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي e وأمي – أم سليم – خلفنا([861]).

 

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"([862]).

 

فدل الحديث على أن خير الصفوف للرجال أولها، والنساء بالعكس، وهذا يفيد أن النساء تكون خلف الرجال([863]).

 

وعلى المرأة إذا حضرت المسجد أن تتأخر وتبتعد عن الرجال وعن صفوفهم، لئلا يحصل الاختلاط إذ كثرت الصفوف، أو تسمع النساء كلام الرجال وترى حركاتهم، فيتعلق القلب بهم، وتحصل الفتنة.

 

وقد ذكر العلماء أن المراد بالحديث السابق – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-: النساء اللاتي يصلين مع الرجال في مكان واحد، وأما إذا صلين في مكان خاص بهن – كما يوجد في بعض المساجد – فهن كالرجال، خير صفوفهن أولها وشرها آخرها([864]).

 

وقد أفاد هذا الحديث أن النساء يقفن في الصلاة صفوفاً لا منفردات، وعليهن أن يسوين صفوفهن، لعموم الأدلة في الأمر بتسوية الصفوف، وسدّ الفرج، وتكميل الصف الأول فالأول.

 

فإن وقفت المرأة منفردة خلف صف النساء بدون عذر لم تصح صلاتها على الراجح من قولي أهل العلم، فيكون حكمها حكم الرجل المنفرد خلف صف الرجال؛ لأن أحكام النساء مساوية لأحكام الرجال إلا ما استثناه الدليل، وليس هنا دليل على استثناء وقوف المرأة خلف صف النساء، وإنما الدليل على استثناء وقوف المرأة المنفردة خلف صف الرجال – كما تقدم([865]).

 

وإذ صف الرجل أو الرجال خلف صف النساء – كما قد يوجد في المسجد الحرام أيام الحج أو في رمضان إذ كثر الناس – صحت الصلاة لوجود الضرورة في مثل ذلك، على الراجح من قولي أهل العلم([866]).

 

وينبغي للرجل ألا يقف بجانب امرأة في الصلاة، بل ينتقل إلى مكان آخر؛ خشية الافتتان بها، ولا تبطل صلاة المرأة ولا صلاة الرجل إذا وقفت المرأة في صف الرجال – على الراجح من قولي أهل العلم -، وإذا أرادت امرأة أن تقف بجانبه طردها، أو أمرها أن تبتعد عنه([867]).

 

موقف إمامة النساء:

 

لو دخلت نساء المسجد وقد انقضت الصلاة، أو كنّ في مجمع خاص – كبيت أو مدرسة – جاز لهن أن يصلين جماعة، وكذا لو كانت الصلاة نافلة، إذا لم يتخذ ذلك عادة([868]).

 

والسنة أن تقف إمامة النساء في وسط الصف ولا تبرز أمامهن؛ لأن ذلك أستر، والمرأة مطلوب منها الستر([869]).

 

وقد ورد عن أم ورقة بنت نوفل: أن النبي e كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها([870]).

 

والمراد بـ (أهل دارها): النساء. وأما إمامة المرأة للرجل فإنها لا تجوز على الصحيح من أقوال أهل العلم، لما في ذلك من المفاسد العظيمة والله أعلم.

 

مرور المرأة بين يدي المصلي:

 

تقدم أنه يحرم المرور بين يدي المصلي وسترته، أو بين يديه قريباً منه إذا لم يكن له سترة، وهو آثم بالإجماع، ولا خلاف في أن مرور الرجل لا يقطع صلاة المصلي([871]).

 

وأما المرأة إذا مرت بي يدي المصلي فعامة أهل العلم يقولون أنها لا تقطع الصلاة لحديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله e ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلّي، فإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح([872]).

 

والقول الثاني: أنها تقطع الصلاة. وهو قول الحسن البصري، وابن حزم ورواية عن الإمام أحمد، اختارها عدد من أصحابه. لحديث أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله e كما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان"([873]).

 

وهذا دليل صحيح لا مطعن فيه، ونص صريح لا لبس في دلالته على أن مرور المرأة أمام المصلي يقطع صلاته.

 

وأما حمل هذا الحديث على أن المراد بالقطع: القطع عن الخشوع والذكر لشغل القلب بها والالتفات إليها؛ لأنها تفسد الصلاة فهو ضعيف؛ لأن شغل القلب لا يختص بالثلاثة المذكورة([874]). ثم إنه ورد حديث أبي ذر عند ابن خزيمة وابن حبان بلفظ: "تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود"([875]).

 

وأما ما ورد من أن الرسول e كان يصلي وأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – نائمة بين يديه فلا دلالة فيه على عدم القطع؛ لأن فساد الصلاة مقرون بمرور المرأة أمام المصلي لا بالصلاة إلى النائم أو المضطجع أو الجالس([876]).

 

والمراد بالمرأة التي تقطع الصلاة: البالغة. أما الصغيرة التي لم تبلغ فلا تقطع الصلاة([877]) لما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي e قال: "يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض"([878]).

 

وهذه المسألة وإن كانت نادرة الوقوع في المساجد، لكنها قد توجد في المسجد الحرام. فعلى المسلم أن يمنع من مرور الإنسان بين يديه، ولا سيما المرأة فإنها تقطع الصلاة. وقد أجاز بعض العلماء المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام؛ لأن الناس يكثرون بمكة، لأجل قضاء نسكهم ويزدحمون فيها. وهذا وإن كان تعليلاً قوياً من حيث النظر، ولكنه معارض بعموم أدلة القطع، ولا مخصص لها([879]) – كما تقدم – لكن الضرورة أحكام. والله أعلم.

 

وإلى هنا تم ما أردنا كتابته في عصر يوم الثلاثاء التاسع من شهر الله المحرم بداية العام الرابع عشر بعد الأربع مائة وألف، سائلاً المولى تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه، نافعاً لعباده، وأصلي وأسلم على خير خلقه وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.

 

وتم الفراغ منه لإعداده للطبعة الثانية في الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من ضحى يوم الخميس الموافق للعشرين من شهر ذي الحجة خاتمة السنة الحادية والعشرين بعد الأربع مائة والألف من هجرة المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله على توفيقه.

 

الفهـرس

 

 

 

الموضوع                                   رقم الصفحة

 

 

 

مقدمة الطبعة الثانية

 

مقدمة

 

تمهيد

 

المطلب الأول: في تعريف المسجد وفضل بنائه

 

المطلب الثاني: في وجوب صلاة الجماعة

 

الباب الأول: في أحكام الخروج إلى المسجد

 

الفصل الأول: في أحكام الخروج إلى المسجد

 

الحكم الأول: الخروج في أحسن هيئة

 

الحكم الثاني: المبادرة بالحضور إلى المسجد

 

فضائل المبادرة إلى المسجد

 

الحكم الثالث: الدعاء عند الخروج إلى الصلاة

 

الحكم الرابع: الذهاب إلى المسجد ماشياً

 

الحكم الخامس: المشي بسكينة ووقار

 

الحكم السادس: لا يشبك بين أصابعه

 

الحكم السابع: في حضور الصبيان المساجد

 

الحكم الثامن: في دخول الجنب والحائض المسجد

 

الفصل الثاني: أحكام حضور المسجد

 

الحكم الأول: تعاهد النعلين

 

الحكم الثاني: تقديم اليمنى عند الدخول

 

الحكم الثالث: الدعاء عند دخول المسجد

 

الحكم الرابع: التقدم للصف الأول

 

المكان الفاضل في المسجد النبوي

 

الحكم الخامس: السلام على من في المسجد

 

الحكم السادس: صلاة تحية المسجد

 

الحكم السابع: الصلاة على سترة

 

السترة في المسجد الحرام

 

الحكم الثامن: لا يخرج من المسجد بعد الآذان

 

الحكم التاسع: وظيفة الجالس في المسجد

 

الحكم العاشر: تسوية الصفوف وإتمامها

 

الحكم الحادي عشر: في صلاة المنفرد خلف الصف

 

الحكم الثاني عشر: الدخول مع الإمام على أي حال

 

الحكم الثالث عشر: ما تدرك به الجماعة

 

الحكم الرابع عشر: في صفة الصلاة

 

الحكم الخامس عشر: في الذكر بعد الصلاة

 

الحكم السادس عشر: في الفصل بين الفريضة والنافلة

 

الحكم السابع عشر: من دخل المسجد وقد فاتته الصلاة فوجد من يصلي صلّى معه

 

الحكم الثامن عشر: إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة

 

الحكم التاسع عشر: من صلّى ثم دخل مسجداً صلّى معهم

 

الحكم العشرون: اختلاف نية الإمام والمأموم

 

الحكم الحادي والعشرون: إذ صلى المسافر خلف المقيم أتم

 

الحكم الثاني والعشرون: لا يحجز مكاناً في المسجد

 

الحكم الثالث والعشرون: لا يهجر المسجد الذي يليه

 

الحكم الرابع والعشرون: في إيذاء المصلين والتشويش عليهم

 

الحكم الخامس والعشرون: في المسألة في المسجد

 

الحكم السادس والعشرون: في الأكل في المسجد

 

الباب الثاني: في أحكام حضور الجمعة

 

تمهيد في فضل يوم الجمعة، والتحذير من التهاون بالصلاة

 

الفصل الأول: في أحكام الاستعداد للجمعة

 

الحكم الأول: غسل الجمعة

 

الحكم الثاني: حكم اللباس

 

الحكم الثالث: السواك للجمعة

 

الحكم الرابع: الطيب يوم الجمعة

 

الحكم الخامس: المبادرة إلى حضور المسجد

 

الحكم السادس: المشي إلى الجمعة

 

الحكم السابع: في السفر يوم الجمعة

 

الفصل الثاني: في أحكام حضور مسجد الجمعة

 

الحكم الأول: الحذر من تخطي الرقاب وأذية الآخرين

 

الحكم الثاني: القرب من الإمام

 

الحكم الثالث: التنفل قبل دخول الإمام

 

الحكم الرابع: الاشتغال بالذكر وتلاوة القرآن

 

الحكم الخامس: الإنصات والاستماع للخطبة

 

الحكم السادس: لا يرفع يديه عند الدعاء في الخطبة

 

الحكم السابع: في تحية المسجد والإمام يخطب

 

الحكم الثامن: بم تدرك الجمعة؟

 

الحكم التاسع: الصلاة بعد الجمعة

 

الحكم العاشر: إذا اجتمع العيد والجمعة

 

الباب الثالث: في أحكام حضور المرأة المسجد

 

الفصل الأول: في حكم حضور المرأة المسجد

 

الفصل الثاني: في شروط حضور المرأة المسجد

 

الفصل الثالث: في أهم الأحكام التي تنفرد بها المرأة عن الرجل في الصلاة

 

الفهرس

 

 

 

 

 

([1]) هذا جزء من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (1/273) والبيهقي (10/194) وهو حديث صحيح. انظر الصحيحة للألباني رقم (195).

 

([2]) في مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني، ص(185) مقال جيد، قي موضوع: تحول العبادات إلى عادات، للدكتور محمد أبي الفتح البيانوني.

 

([3]) الصحاح (2/484 – 485).

 

([4]) تثقيف اللسان ص (186).

 

([5]) أخرجه البخاري (335) ومسلم (521).

 

([6]) إعلام الساجد ص (27)، تحفة الراكع ص(12).

 

([7]) أحكام المساجد في الإسلام ص(18).

 

([8]) إعلام الساجد ص(28)، تحفة الراكع ص(12). والرّبط: مفرده رباط وهو: المكان يبنى للفقراء.

 

([9]) المغني (8/190)، أحكام المساجد في الإسلام ص(18).

 

([10]) أخرجه الترمذي (594، 595) وأبو داود (455) وابن ماجه (758)، وإسناده صحيح. إلا أنه أعلّ بالإرسال. لكن جاء وصله من ثقة فيقبل. والمراد بالدور: القبائل، كما فسرها سفيان ابن عيينة. ونقله الترمذي، وقيل: البيوت، وهو قول الخطابي. انظر: تحفة الأحوذي (3/206)، معالم السنن (1/258).

 

([11]) شرح السنة (2/400).

 

([12]) انظر: المجموع (2/180)، إعلام الساجد ص (386).

 

([13]) المجموع شرح المهذب (2/180).

 

([14]) الفروع (1/202).

 

([15]) أخرجه البخاري (324).

 

([16]) المجموع (2/180).

 

([17]) منتهى الإرادات (1/83)، معونة أولي النهى (1/397)، الإنصاف (1/246)، الشرح الممتع (5/204)، مجالس عشر ذي الحجة ص (105).

 

([18]) انظر: كشاف القناع (1/148).

 

([19]) انظر: المجموع (6/507) الإنصاف (3/364).

 

([20]) أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (2/79)، فتاوى ابن عثيمين (14/351)، أحكام المساجد في الإسلام (2/59).

 

([21]) سورة التوبة: الآية 18.

 

([22]) أخرجه البخاري (450) ومسلم (533).

 

([23]) أخرجه البزار (260 مختصر زوائده) والطبراني في الصغير (2/120) وابن حبان (4/490) وابن أبي شيبة (1/310). وهو حديث صحيح.

 

([24]) أخرجه ابن ماجه (738) وابن خزيمة (2/269)، قال في الزوائد (1/261): "هذا إسناد صحيح . . .".

 

([25]) انظر: أساس البلاغة ص (335).

 

([26]) انظر: حياة الحيوان الكبرى (2/255).

 

([27]) فتح الباري (1/545).

 

([28]) المجموع (2/180)، أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (2/46).

 

([29]) أخرجه أحمد (19/372) وأبو داود (449) والنسائي (2/32) وابن ماجه (739) وابن خزيمة (2/282) وابن حبان (1614) و(6760) من طرق عن حماد بن سلمة، وإسناده صحيح على شرط مسلم. رجالة ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم.

 

([30]) انظر: فتح الباري (1/539).

 

([31]) المجموع (2/180).

 

([32]) انظر: الإبداع في مضار الابتداع ص (74، 183)، الأمر بالاتباع ص (300).

 

([33]) القصة: بفتح القاف: الجصّ بلغة الحجاز.

 

([34]) شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/97، 98) وانظر: الحوادث والبدع للطرطوشي ص(103).

 

([35]) الحوادث والبدع ص(107).

 

([36]) أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (2/101، 102).

 

([37]) انظر: العمارة في صدر الإسلام، ص(26) المساجد بين الاتباع والابتداع ص(16).

 

([38]) مجموع فتاوى ابن عثيمين – رحمه الله – (13/338).

 

([39]) سورة النساء: الآية 102.

 

([40]) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص (112)، ومجموع الفتاوى (23/227).

 

([41]) انظر: كتاب الصلاة ص (137).

 

([42]) سورة البقرة: الآية 43.

 

([43]) زاد المسير (1/75)، بدائع الصنائع (1/155)، وانظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص(113).

 

([44]) سورة القلم: الآيتان 42 – 43.

 

([45]) تفسير ابن كثير (8/225).

 

([46]) كتاب الصلاة لابن القيم ص(112).

 

([47]) أخرجه البخاري برقم (626)، ومسلم رقم (651).

 

([48]) انظر كتاب الصلاة لابن القيم ص(114)، وانظر فتح الباري (2/141).

 

([49]) رواه مسلم رقم (654).

 

([50]) انظر كتاب الصلاة لابن القيم ص(120).

 

([51]) أخرجه البخاري رقم (620)، ومسلم رقم (649).

 

([52]) فتح الباري (2/135).

 

([53]) فتح الباري (2/136). وانظر: الموطأ (1/161).

 

([54]) المصدر السابق.

 

([55]) أخرجه مسلم رقم (232).

 

([56]) انظر كتاب (أهمية صلاة الجماعة) للدكتور: فضيل إلهي (ص46) وما بعدها.

 

([57]) أخرجه مسلم رقم (653).

 

([58]) أخرجه أبو داود (2/257)، وقال عنه النووي: (رواه أبو داود بإسناد صحيح أو حسن) [شرح المهذب 4/191]. وقوله: (لا يمني) أصله: يلائمني بالهمز أي: يوافقني ثم خفف الهمز فصار ياء، وقد جاء في رواية بالواو [النهاية لابن الأثير 4/278].

 

([59]) صحيح ابن خزيمة (2/368).

 

([60]) أخرجه أحمد (24/245). قال في بلوغ الأماني (5/178): (وأخرجه ابن خزيمة (1479) والحاكم (1/247) وصحح إسناده وأقره الذهبي) وله شاهد من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه وقد تقدم في أول الكلام.

 

([61]) أخرجه أبو داود (2/257)، والحاكم (1/247)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

 

([62]) سورة عبس: الآيتان 1 – 2.

 

([63]) أخرجه الطبراني في الكبير (8/266)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/247).

 

([64]) انظر معالم السنن للخطابي (1/160).

 

([65]) فتح الباري (2/131).

 

([66]) المصنف لابن أبي شيبة (2/205).

 

([67]) مصنف عبدا لرازق (1/515).

 

([68]) سورة الأعراف: الآية 31.

 

([69]) تفسير ابن كثير (3/402).

 

([70]) التمهيد (6/369).

 

([71]) أخرجه مسلم رقم (91). ومعنى (بطر الحق): دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، و(غمط الناس): احتقارها. ذكره النووي.

 

([72]) نيل الأوطار (2/124).

 

([73]) سورة الأعراف: الآية 31.

 

([74]) اقرأ في كتاب (وفي الصلاة صحة ووقاية)، للدكتور: فارس علوان.

 

([75]) سورة الأعراف: الآية 31.

 

([76]) انظر الروض المربع بحاشية ابن قاسم (1/493).

 

([77]) الأم للشافعي (1/111).

 

([78]) شرح المهذب للنووي (3/170).

 

([79]) سيأتي تخريجه إن شاء الله في حضور الصبيان المساجد.

 

([80]) انظر تعليق الشيخ الألباني على حجاب المرأة ولباسها في الصلاة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص27).

 

([81]) أخرجه البخاري رقم (352)، ومسلم رقم (516).

 

([82]) فتح الباري (1/471).

 

([83]) الإنصاف: (1/454)، والمغني (2/290).

 

([84]) فتح الباري (1/472).

 

([85]) أخرجه الطبراني في الأوسط (10/170) من طريق زهير بن عباد، قال: حدثنا حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. قال في "فمجمع الزوائد" (2/51): إسناده حسن. أ هـ. ولعل ذلك من أجل زهير فهو متكلم فيه كما في التهذيب (3/297) وأخرجه البيهقي (2/236) من طريق أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، به. قال الألباني: (وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين) انظر السلسلة الصحيحة (3/356).

 

([86]) انظر المغني: (2/291).

 

([87]) انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (3/527)، غذاء الألباب للسفاريني (2/163)، وتمام المنة للألباني (ص 164 – 165).

 

([88]) سورة الأعراف: الآية 31.

 

([89]) انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين (12/294).

 

([90]) أخرجه أبو داود رقم (643)، والترمذي رقم (378) وغيرهما، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (6883). وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/242).

 

([91]) انظر المغني (2/298).

 

([92]) أخرجه مسلم رقم (2995).

 

([93]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/344)، ففيه تعليل للنهي عن تغطية الفم في الصلاة.

 

([94]) أخرجه البخاري رقم (816)، ومسلم رقم (564).

 

([95]) أخرجه مسلم برقم (564) (74)، وانظر: (عمدة الأحكام) تحقيق: محمود الأرناؤوط رقم (124).

 

([96]) أخرجه البخاري رقم (718)، ومسلم رقم (564) (73)، واللفظ للبخاري.

 

([97]) انظر شرح النووي على مسلم (5/52)، وفتح الباري (2/343).

 

([98]) انظر: فتح الباري (2/343)، ومعالم السنن للخطابي (5/329)، تنبيه الأفهام بشرح عمدة الأحكام لابن عثيمين (2/68).

 

([99]) انظر فتح الباري (2/343).

 

([100]) رواه أبو داود (10/305)، وأحمد (17/74 الفتح) وسنده جيد، وقد رواه مسلم في صحيحه (567)، عن عمر رضي الله عنه موقوفاً عليه، وهو المذكور بعد.

 

([101]) انظر فتح الباري (2/344).

 

([102]) رواه الطبراني في الكبير رقم (3050)) بإسناد حسن.

 

([103]) أخرجه البخاري رقم (847)، ومسلم رقم (252)، وأبو داود (46) والترمذي (22) والنسائي (1/266)، وأخرجه مالك في الموطأ (1/66)، وأحمد (12/293)، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (7/194) والحديث له طرق، وله ألفاظ.

 

([104]) أخرجه النسائي (1/10)، وأحمد (6/47)، وعلّقه البخاري مجزماً به (4/158 الفتح)، قال النووي في شرح المهذب (1/268): (إن تعليقات البخاري إذا كانت بصيغة الجزم فهي صحيحة)، والحديث له شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فانظر: التلخيص الحبير (1/70)، وإرواء الغليل (1/105).

 

([105]) انظر: كتاب (زينة المرأة المسلمة) لراقمه (ص95). ط الرابعة.

 

([106]) سورة آل عمران: الآية 133.

 

([107]) سورة البقرة: الآية 148.

 

([108]) سورة الأنبياء: الآية 90.

 

([109]) تفسير ابن سعدي (1/112).

 

([110]) أخرجه البخاري (590) ومسلم (437).

 

([111]) شرح مسلم (4/402)، وانظر فتح الباري (2/97).

 

([112]) بهجة النفوس لابن أبي جمرة (1/214).

 

([113]) سورة النور: الآيات 36 – 38.

 

([114]) كتاب الزهد (ص 460).

 

([115]) سير أعلام النبلاء (3/164).

 

([116]) طبقات ابن سعد (7/96).

 

([117]) المصنف (1/351).

 

([118]) طبقات ابن سعد (5/131).

 

([119]) المصدر السابق.

 

([120]) تهذيب التهذيب (4/196).

 

([121]) المصدر السابق (1/391).

 

([122]) المصدر السابق أيضاً (1/151).

 

([123]) ذيل طبقات الحنابلة (2/365)، وانظر كتاب (الرقائق) للأستاذ محمد أحمد الراشد (ص 24).

 

([124]) أخرجه البخاري رقم (629)، ومسلم رقم (1031)، ومالك في الموطأ (2/952).

 

([125]) التمهيد (2/282).

 

([126]) شرح النووي (7/127).

 

([127]) أخرجه البخاري رقم (434، 628)، وأخرجه مسلم رقم (649).

 

([128]) أخرجه مالك (1/161).

 

([129]) التمهيد (19/26، 43).

 

([130]) المصدر السابق.

 

([131]) انظر فتح الباري (2/136)، والفواكه العديدة (1/102).

 

([132]) أخرجه مسلم رقم (251)، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1/155).

 

([133]) انظر دليل الفالحين (1/366).

 

([134]) أخرجه ابن ماجه (1/262)، والحاكم (1/213). وقال: صحيح على شرط الشيخين، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1/202). وروى الحديث ابن خزيمة بلفظ آخر مقارب (2/374).

 

([135]) النهاية (1/130).

 

([136]) صحيح بان خزيمة (2/374).

 

([137]) سورة الأحزاب: الآية 43.

 

([138]) انظر تفسير ابن سعدي (4/158).

 

([139]) ذكر ذلك البخاري عن أبي العالية. انظر فتح الباري (8/532).

 

([140]) انظر: فتح الباري لابن رجب (6/294) وابن حجر (2/213).

 

([141]) أخرجه مسلم (709)، واللفظ له. وأخرجه النسائي (2/94)، وأبو داود (2/322)، وابن ماجه (1006) بدون الدعاء.

 

([142]) عون المعبود (2/322).

 

([143]) أخرجه أحمد (20/41) والنسائي في عمل اليوم والليلة (67) وابن خزيمة من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أنس، به وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (2/224)، والترمذي (1/624)، والنسائي (68) وغيرهم من طريق زيد العمّي، وإسناده ضعيف، وحسنه الترمذي، ولعل ذلك للطريق الذي قبله. وانظر: "نتائج الأفكار" لابن حجر (1/364).

 

([144]) أخرجه البخاري رقم (601)، ومسلم رقم (838)، وانظر معالم السنن للخطابي (2/83).

 

([145]) أخرجه ابن حبان (4/77)، وانظر الصحيحة للألياني رقم الحديث (232).

 

([146]) انظر الموافقات للشاطبي (1/151)؛ وأصول الفقه لأبي زهرة (ص32).

 

([147]) أخرجه الترمذي (2/440)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/77).

 

([148]) شرح الطيبي (3/74).

 

([149]) المجموع شرح المهذب (4/206)، وشرح النووي على مسلم (4/363)، وفتح الباري (2/179).

 

([150]) أخرجه البخاري (749)، ومسلم (410).

 

([151]) هذا جزء من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أخرجه مسلم رقم (404).

 

([152]) أخرجه البخاري (2/262 فتح) ومسلم (410).

 

([153]) انظر فتح الباري (2/265).

 

([154]) المصدر السابق (2/266).

 

([155]) أخرجه ابن ماجه (1/278) بإسناد صحيح، كما في "الزوائد" للبوصيري (1/176)، وأخرجه ابن خزيمة (1/288).

 

([156]) أخرجه أحمد (13/95) والنسائي (2/144) وإسناده صحيح.

 

([157]) انظر: فتح الباري لابن رجب (7/91) ولابن حجر (2/262).

 

([158]) سورة المؤمنون: الآيات 1 – 11.

 

([159]) هذا جزء من حديث طويل، أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه برقم (832).

 

([160]) أخرجه أبو داود (3/3) والنسائي في "الكبرى" (1/211) وسنده حسن. صحيح الجامع (2/65).

 

([161]) تفسير ابن كثير (5/456)، والحديث أخرجه أحمد (3/128)، والنسائي (7/61 – 62). وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.

 

([162]) راجع الوابل الصيب لابن القيم (ص 25، 26). والحديث أخرجه أبو داود (4985)، وأحمد (5/364) وهو حديث صحيح.

 

([163]) سورة آل عمران: الآية 190.

 

([164]) أخرجه مسلم رقم (763)، وأصله في البخاري، لكن جاء بدل قوله: (فخرج إلى الصلاة وهو يقول): (وكان يقول في دعائه). وانظر: شرح النووي على مسلم (6/295، 298)؛ وفتح الباري (11/116)، وتحفة الأحوذي (9/367). وقد ذكره الشيخ محمد بن عبدا لوهاب – رحمه الله – في (آداب المشي إلى الصلاة) ص4.

 

([165]) انظر تخريج أحاديث الأذكار (2/266).

 

([166]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (22/335).

 

([167]) سورة النور: الآية 35.

 

([168]) شرح النووي على مسلم (6/291).

 

([169]) الأذكار (ص 31).

 

([170]) أخرجه أبو داود رقم (5094)، والترمذي رقم (3423)، والنسائي (8/268)، وابن ماجه رقم (3884) وإسناده صحيح.

 

([171] ) أخرجه أبو داود رقم (5095)، والترمذي رقم (3426)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (89)، وهو حديث صحيح.

 

([172]) أخرجه مسلم رقم (251).

 

([173]) أخرجه البخاري رقم (623)، ومسلم رقم (662).

 

([174]) أخرجه مسلم رقم (663).

 

([175]) أخرجه مسلم رقم (666).

 

([176]) أخرجه أبو داود رقم (561)، والترمذي رقم (223) وهو حديث صحيح بشواهده. فانظر:  "صحيح الترغيب" (1/198) وصحيح ابن حبان (5/394).

 

([177]) دليل الفالحين لابن علان (3/558، 559)، وانظر عون المعبود (2/268).

 

([178]) راجع كتاب (الصلاة والرياضة البدنية) تأليف: عدنان الطرشة (ص82) وما بعدها، وكتاب (في الصلاة صحة ووقاية) للدكتور: فارس علوان (ص159، 246).

 

([179]) أخرجه البخاري رقم (610)، ومسلم رقم (603) واللفظ للبخاري.

 

([180]) أخرجه مسلم رقم (602 – 151).

 

([181]) أخرجه مسلم رقم (602 – 154).

 

([182]) أخرجه مسلم بتمامه رقم (664).

 

([183]) أخرجه أبو داود رقم (563). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/112) وانظر: تحفة الأشراف (11/157).

 

([184]) أخرجه البخاري رقم (609)، ومسلم (603)، وانظر القواعد النورانية لابن تيمية (ص49) ففيها بيان أن الأمر بالسكينة في المشي إلى الصلاة يقتضي وجوب السكينة في الصلاة. وهذه من الفوائد.

 

([185]) سورة الجمعة: الآية 9.

 

([186]) فتح الباري (2/390).

 

([187]) سورة البقرة: الآية 114.

 

([188]) سورة الإسراء: الآية 19.

 

([189]) المفردات في غريب القرآن ص233، وانظر مجموع الفتاوى (22/259)، وحاشية السندي على النسائي (2/114)، والتبيان لابن القيم 0ص6، 7).

 

([190]) حديث أبي بكرة أخرجه البخاري برقم (993)، وحديث أبي موسى أخرجه البخاري برقم (1010)، ومسلم برقم (912).

 

([191]) أخرجه الدارمي (1/267)، والحاكم (1/206)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال الألباني: "وهو كما قالا": (الإرواء: 2/102)

 

([192]) أخرجه أبو داود رقم (562)، وصححه الألباني في صحيح أبي دادود (1/112).

 

([193]) معالم السنن (1/295).

 

([194]) أخرجه البخاري رقم (468)، ومسلم ( 573).

 

([195]) راجع فتح الباري (1/565)، وانظر غذاء الألباب (2/391).

 

([196]) رواه ابن أبي شيبة (2/344). قال في إرواء الغليل (2/99): سنده حسن.

 

([197]) اللسان (14/450)، الدر النقي لابن عبد الهادي (1/170)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص(31)، فتح الباري (2/346).

 

([198]) أخرجه أبو داود (494) والترمذي (407) وقال: حديث حسن صحيح، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عند أبي داود (495).

 

([199]) أخرجه البخاري (516) ومسلم (543)، والرواية المذكروة له. وقوله: (ولأبي العاص . .) معطوف على (زينب) والتقدير: بنت لزينب ولأبي العاص.

 

([200]) أخرجه أبو داود (918) وإسناده صحيح.

 

([201]) انظر معالم السنن للخطابي (1/431)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/156).

 

([202]) أخرجه البخاري (566) وقوله: (أعتم) أي: دخل في العتمة مثل: أصبح، دخل في الصباح. والمعنى: أخّر صلاة العشاء إلى العتمة، وهي: ثلث الليل بعد مغيب الشفق، ومثل حديث عائشة حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – عند البخاري (7239) ومسلم (642).

 

([203]) فتح الباري (2/344) تحذير الساجد (25).

 

([204]) فتح الباري (2/48).

 

([205]) ورد ذلك في حديث الربيع بنت معوّذ – رضي الله عنها – أخرجه البخاري (4/200) ومسلم (1136).

 

([206]) أخرجه البخاري (911) ومسلم (2177).

 

([207]) المفهم (5/509).

 

([208]) قد يحتج من يرى إبعاد الصبيان عن المساجد بحديث "جنبوا مساجدكم صبيانكم" وقد أخرجه ابن ماجه (750) والطبراني في الكبير (22/57) من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عتبة عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – والحارث هذا ضعيف جداً، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك،وقال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: لا يكتب حديثه. ذكر ذلك الذهبي في الميزان (1/444) والحديث له شواهد لا يصح منها شيء. انظر: نصب الراية (2/491).

 

([209]) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/341).

 

([210]) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (2/533) الفروع (1/406، 407).

 

([211]) الشرح الممتع (3/21).

 

([212]) أخرجه مسلم (432) ومثله حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وهو عند مسلم أيضاً.

 

([213]) الشرح الممتع (3/ )، وانظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/1116).

 

([214]) أخرجه البخاري (380) ومسلم (658) وقوله: "فلأصلّ لكم" اللام لام الأمر وهي ساكنة لوقوعها بعد فاء العطف، والفعل مجزوم بحذف الياء. وفي رواية: "فلأصل" بكسر اللام على أنها للتعليل. والفعل بعدها منصوب بفتح الياء. (تنبيه الأفهام) لابن عثميمين (1/172).

 

([215]) سورة النساء: الآية 43.

 

([216]) تفسير ابن جرير (8/379 – 384).

 

([217]) الأم (1/70 – 71)، الأوسط لابن المنذر (2/108).

 

([218]) تفسير ابن كثير (2/275)، تفسير القرطبي (5/207)، فتح القدير (1/469).

 

([219]) الفتاوى الكبرى (1/126).

 

([220]) أخرجه مسلم (298) وأخرجه بلفظ آخر برقم (299).

 

([221]) أخرجه أبو داود (232) وابن خزيمة (1327) وهو حديث مختلف في تصحيحه، فقد صححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان في "الوهم والغيهام" (5/332) والزيلعي في "نصب الراية" (1/194)، كما صححه الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/270) وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: لا بأس بإسناده.

 

ضعفه البيهقي في سننه (2/443) وقال عبد الحق: لا يثبت، وبالغ ابن حزم فقال في "المحلى" (2/186): إنه باطل.

 

([222]) الفتاوى (21/344 – 345).

 

([223]) ذكره بان كثير في تفسيره (2/275)، وذكره المجد في  المنتقى (1/399)، وقال ابن كثير: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. أهـ. وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات، سوى هشام بن سعد. فقد قال عنه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. أهـ. لكن نقل الحافظ في تهذيبه (11/37) أن الآجري روى عن أبي داود أنه قال: أثبت الناس في زيد بن أسلم هشام ابن سعد. أهـ.

 

([224]) عزاه في "إعلام الساجد" ص (315) إلى مسند أحمد ومسند سعيد بن منصور، وقال: هذا إسناد على شرط مسلم. وكذا عزاه إلى الثاني فقط المجد في المنتقى (1/399) وساقه بإسناده.

 

([225]) مجموع الفتاوى (26/177).

 

([226]) أخرجه أبو داود (2/353)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، كما في "مشكاة المصابيح" بتحقيق الألباني (1/238)، وله شاهد من حديث أنس – رضي الله عنه – أخرجه الحاكم (1/235)، والبيهقي (2/404) وغيرهما. وهو حديث صحيح على شرط البخاري كما قال الحاكم.

 

([227]) أخرجه البخاري رقم (386)، ومسلم رقم (555).

 

([228]) أخرجه عبد الرازق (1/384) ورجاله رجال الصحيح.

 

([229]) انظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني (2/344)، وفتح الباري (1/494).

 

([230]) حاشية ابن عابدين (2/344).

 

([231]) إحكام الأحكام (2/345)، وقارنه بفتح الباري (1/494)، وانظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (24/195).

 

([232]) انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم (1/166).

 

([233]) أخرجه أبو داود رقم (654، 655)، وصححه الألباني، صحيح أبي داود (1/128، 129).

 

([234]) أخرجه الحاكم (1/218)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

 

([235]) فتح الباري (523).

 

([236]) أخرجه البخاري رقم (426)، ومسلم رقم (268). وانظر: فتح الباري (1/523).

 

([237]) عمدة القاري (3/429).

 

([238]) الفتوحات الربانية لابن علان (2/42).

 

([239]) أخرجه مسلم رقم (713). وأما زيادة (رب اغفر لي، وافتح لي . . ) فقد وردت عند الترمذي (314) من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى. وهذا سند منقطع، كما قال الترمذي، وليث بن أبي سليم ضعيف، وقد تفرد بهذه الزيادة، وقد تابعه على رواية أصل الحديث إسماعيل بن علية، وليس فيه هذه الزيادة، وقد ساقه الترمذي (315). وإسماعيل ثقة حافظ، والله أعلم.

 

([240]) أخرجه أبو داود رقم (466)، بإسناد جيد، كما قاله النووي في "الأذكار" ص (33)، وقد عزاه الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/70) إلى صحيح البخاري، فلعله سهو، والله أعلم.

 

([241]) أخرجه ابن خزيمة (1/231)؛ وابن حبان (3/247)؛ والحاكم (1/206)، وقال: على شرطهما. وأقره الذهبي؛ وأخرجه النسائي رقم (90)؛ وابن السني رقم (85)، كلاهما في عمل اليوم والليلة، وأخرجه ابن ماجه (1/254)، من طريق محمد بن بشار، وفيه: (اللهم اعصمني) بدل (أجرني)، وهذا الحديث إسناده حسن لشواهده.

 

([242]) سورة الجمعة: الآية 10.

 

([243]) الفتوحات الربانية لابن علان (2/42).

 

([244]) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة رقم (93)، وابن السني رقم (106)، والحاكم (1/207)، قال الحافظ: إسناده حسن. انظر الفتوحات الربانية لابن علان (2/143).

 

([245]) تقدم تخريجه.

 

([246]) انظر: فتح الباري (2/97) والنهاية لابن الأثير (5/246).

 

([247]) أخرجه مسلم برقم (439).

 

([248]) أخرجه أبو داود رقم (544)، وإسناده حسن كما قال الألباني.

 

([249]) أخرجه مسلم برقم (438)، وأبو داود رقم 0680)، والنسائي (2/83).

 

([250]) فتح الباري (2/208).

 

([251]) مجموع فتاوى ابن تيمية (22/262).

 

([252]) أخرجه مسلم برقم (432)، والنسائي (2/90)، وأبو داود رقم (674).

 

([253]) شرح النووي على صحيح مسلم (4/399 – 400).

 

([254]) الإنصاف (2/285).

 

([255]) أخرجه البخاري رقم (1133)، ومسلم رقم (1394)، وراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/403).

 

([256]) انظر وفاء الوفاء (1/358).

 

([257]) الرد على الأخنائي المطبوع بهامش "تلخيص كتاب الاستغاثة" ص(196-  198).

 

([258]) أخرجه البخاري رقم (1141، 1158)، ومسلم رقم (538)، وأبو داود (3/191).

 

([259]) أخرجه أبو داود (3/193)، والنسائي (3/19)، واللفظ له، وأصله الصحيحين.

 

([260]) أخرجه أبو داود (3/195)، والترمذي (2/204)، وابن ماجه (1/324)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

 

([261]) أخرجه أبو داود (3/194)، والترمذي (2/363)، والنسائي (3/5) وحسنه الترمذي.

 

([262]) نيل الأوطار (2/370).

 

([263]) أخرجه البيهقي (2/260) من طريق محمد بن الصلت التّوّزي، وقد تفرد به، قال البيهقي وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم. أهـ. وعلى هذا ففي ثبوت هذه الصفة نظر، والأولى الاقتصار على الصفتين الأوليين، والله أعلم.

 

([264]) نيل الأوطار (2/371)، وانظر في موضوع السلام على المصلي "زاد المعاد" (2/413).

 

([265]) أخرجه البخاري رقم (433)، ومسلم رقم (714).

 

([266]) فتح الباري (1/537).

 

([267]) إحكام الأحكام (2/467).

 

([268]) شرح مسلم (5/233).

 

([269]) شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/93).

 

([270]) شرح القاضي عياض على صحيح مسلم (3/49).

 

([271]) المحلى (2/231).

 

([272]) أخرجه أبو داود (3/467)،والنسائي (3/103)، وأحمد (4/188). والزيادة له، والحديث إسناده حسن، وله شواهد، وصححه ابن خزيمة (3/156).

 

([273]) أخرجه البخاري رقم (46)، ومسلم رقم (11).

 

([274]) أخرجه البخاري رقم (930)، ومسلم رقم (875).

 

([275]) انظر فتح الباري (2/409).

 

([276]) انظر نيل الأوطار (3/79).

 

([277]) إحكام الأحكام (4/468).

 

([278]) حاشية الصنعاني (4/468).

 

([279]) نيل الأوطار (3/79).

 

([280]) انظر مجموع الفتاوى (23/178 – 199، 210 – 217).

 

([281]) انظر (2/208).

 

([282]) أخرجه البخاري رقم (561)، ومسلم رقم (827).

 

([283]) أخرجه البخاري رقم (572)، ومسلم رقم (684).

 

([284]) أخرجه أبو داود (2/283)، والترمذي (219)، والنسائي (2/112)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. والفرائص بالصاد: جمع فريصة، وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها. قاله في النهاية (3/431).

 

([285]) أخرجه الترمذي (3/604)، والنسائي (1/284)، وأحمد (4/80)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

 

([286]) انظر مجموع الفتاوى (23/185، 195)، وإعلام الموقعين لابن القيم (2/322).

 

([287]) انظر مجموع الفتاوى (23/192، 193).

 

([288]) انظر مجموع الفتاوى (23/187، 196).

 

([289]) انظر فتح الباري (2/59)، وتعليق الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عليه.

 

([290]) أخرجه مسلم رقم (710)، وأبو داود (4/143)، والترمذي (2/481)، والنسائي (2/16).

 

([291]) صحيح ابن حبان (3/307)، ورجال إسناده ثقات.

 

([292]) شرح النووي على مسلم (5/230).

 

([293]) شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (3/46).

 

([294]) انظر: نيل الأوطار (3/97).

 

([295]) أخرجه مسلم رقم (1718)، وأخرجه البخاري تعليقاً في البيوع وموصولاً في الصلح. انظر فتح الباري (4/355)، وأخرجه أبو داود رقم (4606)، وابن ماجه رقم (14).

 

([296]) انظر إعلام الموقعين (2/356)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/483)، ومجموع الفتاوى (23/264).

 

([297]) المصنف لابن أبي شيبة (2/79).

 

([298]) أخرجه البخاري برقم (371)، ومسلم برقم (411) وهو من حديث أنس – رضي الله عنه – وقد ورد اللفظ في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – ورواه أبو داود (2/314) من حديث أبي هريرة.

 

([299]) سورة محمد: الآية 33.

 

([300]) فتح القدير (5/41).

 

([301]) أخرجه البخاري (555) ومسلم (607) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.

 

([302]) الممتع (4/238)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (15/99).

 

([303])  المراعاة شرح المشكاة (2:71).

 

([304]) سورة محمد: الآية 33.

 

([305]) المحلى (3/112).

 

([306]) أخرجه أبو داود (61) والترمذي (3) وابن ماجه (275) وقال الترمذي: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن". وقال النووي: حديث حسن، والحديث له شواهد يرقى بها إلى درجة الصحة. انظر: نصب الراية (1/308).

 

([307]) أخرجه أبو داود (1114) وابن ماجه (122) والدارقطني (1/157) وابن حبان (6/11)، وابن خزيمة (1018)، والحاكم (1/184) وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي. والحديث له طرق، وقد اختلف في وصله وإرساله. فانظر السنن الكبرى للبيهقي (2/254)، وانظر معناه في "معالم السنن" (1/248).

 

([308]) انظر إحكام الأحكام بحاشية الصنعاني (2/474)، والقواعد النورانية (ص101).

 

([309]) انظر فتح الباري (2/412).

 

([310]) الدارية (2/17)، وانظر نصب الراية (3/51).

 

([311]) الموضوعات الكبرى (ص156)، وانظر السلسلة الضعيفة للألباني (3/73).

 

([312]) حاشية ابن عابدين (2/460).

 

([313]) تصحيح الفروع مع الفروع (1/502).

 

([314]) المجموع (4/52).

 

([315]) الفتاوى السعدية ص (161).

 

([316]) فتاوى ابن عثيمين (4/353).

 

([317]) أحكام المساجد (2/188).

 

([318]) تقدم تخريجه.

 

([319]) المجموع (4/53).

 

([320]) المغني (2/554)، أحكام المساجد (2/188).

 

([321]) فتح الباري (1/538)، كشاف القناع (2/46).

 

([322]) تقدم تخريجه.

 

([323]) فتح الباري (1/14).

 

([324]) انظر: الأم (1/227).

 

([325]) انظر: عمدة القاري (4/123)، ونيل الأوطار (3/3).

 

([326]) أخرجه أبو داود (2/390)، وابن ماجه (1/307)، والبيهقي (2/267)، وقد صححه ابن خزيمة (2/27)، والألباني في "صحيح الجامع" (654،664)

 

([327]) نيل الأوطار (3/2)، وانظر السيل الجرار للشوكاني (1/176).

 

([328]) أخرجه أبو داود (2/388)، وصححه بن خزيمة (2/27)، والنووي في المجموع (3/8).

 

([329]) أخرجه أحمد (3/404)، والطبراني في الكبير (7/114)، وابن خزيمة (2/13) وإسناده حسن.

 

([330]) لسان العرب (12/308) (5/44)، والمعجم الوسيط (1/459)، وانظر: "الحرف والصناعات في الحجاز" ص(212).

 

([331]) أخرجه البخاري (1/573)، ومسلم (4/464).

 

([332]) المعجم الوسيط (1/164)، وانظر: "الحرف والصناعات في الحجاز" ص(218).

 

([333]) أخرجه البخاري (1/573)، ومسلم (4/464).

 

([334]) المعجم الوسيط (2/631).

 

([335]) أخرجه مسلم 04/473).

 

([336]) شرح النووي على مسلم (4/462).

 

([337]) أخرجه البخاري (1/577)، (2/106).

 

([338]) رواه البخاري تعليقاً (1/577) بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة (2/370) وهو أثر حسن.

 

([339]) فتح الباري (1/57).

 

([340]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/61) وسنده حسن.

 

([341]) انظر: إتحاف الأخوة بأحكام الصلاة إلى السترة (ص128).

 

([342]) حاشية السندي على سنن النسائي (2/62).

 

([343]) أخرجه مسلم (4/470).

 

([344]) عمدة القاري 04/122).

 

([345]) شرح النووي على مسلم (4/463).

 

([346]) المجموع (3/248)، سبل السلام (1/284).

 

([347]) أخرجه عبد الرازق في المصنف (2/9)، ورواه أبو داود عن عطاء (2/481) وهو أثر صحيح.

 

([348]) شرح النووي على مسلم (4/463).

 

([349]) التمهيد (4/197).

 

([350]) أخرجه أبو داود (693)، وأحمد (6/4) وغيرهما من طريق على بن عياش ثنا أبو عبيدة الوليد ابن كامل البجلي، حدثني المهلب بن حجر البهراني عن ضباعة . . به. وهذا إسناد ضعيف، تفرد به الوليد بن كامل، كما قاله البيهقي (2/279) وعلته ثلاثة أمور:

 

1)   جهالة الوليد بن كامل، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإبهام" (3/352): "الوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم، ولا لهم من الرواية كبير شيء يستدل به على حالهم".

 

2)   اضطراب الوليد فيه، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر وغيره، ففي رواية على بن عياش – هذه – جعله فعلاً، وفي رواية بقية جعله قولاً. كما عند النسائي – على ما قاله ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/341) – كما أنه تارة يقول: ضباعة بنت المقداد، وتارة: ضبيعة بنت المقدام.

 

3)   جهالة ضباعة والمهلب. ذكر ذلك ابن القطان – أيضاً – (2/352) ولهذا ضعفه المحققون من أهل العلم أمثال: البيهقي وعبد الحق وابن القطان والنووي والمنذري وغيرهم. والله أعلم. انظر تهذيب السنن (1/341)، ونصب الراية (2/83)، وإتحاف الأخوة ص(131).

 

([351]) انظر: المحلى (4/261)، فتح الباري (1/575)، شرح ثلاثيات مسند أحمد (2/786).

 

([352]) رواه البخاري (1/574)، ومسلم (4/472).

 

([353]) انظر فتح الباري (1/574- 575).

 

([354]) أخرجه أحمد (2/113)، والنسائي (2/63)، وأبو داود (2024)، وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

 

([355]) شرح السنة (2/447).

 

([356]) أخرجه البخاري رقم (479)، ومسلم رقم 0503).

 

([357]) فتح الباري (1/576).

 

([358]) سورة البقرة: الآية 125.

 

([359]) أخرجه مسلم رقم (1218).

 

([360]) أخرجه ابن أبي شيبة 01/277).

 

([361]) أخرجه البخاري معلقاً مختصراً، وانظر فتح الباري (1/581)، وتغليق التعليق (2/247)، وانظر في هذا الأثر وما قبله (حجة النبي e) للألباني (ص24)، ط الثالثة.

 

([362]) أخرجه أحمد (6/399)، وأبو داود رقم (2016)، وابن ماجه (2/986)، والنسائي (2/67، 5/235)) واللفظ له.

 

([363]) انظر السلسلة الضعيفة للألباني رقم (928).

 

([364]) تقدم تخريجه قريباً.

 

([365]) حاشية السندي على سنن ا لنسائي (2/67).

 

([366]) انظر فتح الباري ((1/576).

 

([367]) أخرجه البخاري رقم (583)، ومسلم رقم (389).

 

([368]) شرح ابن بطال على البخاري (2/235)، فتح الباري (2/87).

 

([369]) أخرجه مسلم (3/162) وغيره. وانظر إعلام الموقعين (3/160)، وفيه (قال عمار . .) بدل (قال أبو هريرة).

 

([370]) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/501 – 502) ورواته محتج بهم في الصحيح، قاله في مجمع الزوائد (2/5)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/179).

 

([371]) جامع الترمذي (1/608 مع التحفة).

 

([372]) أخرجه البخاري رقم (613)، ومسلم رقم (605).

 

([373]) أخرجه ابن ماجه (1/123 صحيح ابن ماجه)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/179).

 

([374]) رواه أبو داود في المراسيل (ص82)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/179).

 

([375]) قاله الألباني في المصدر المذكور.

 

([376]) سورة النور: الآيتان 36 – 37.

 

([377]) تفسير ابن كثير (6/65).

 

([378]) أخرجه مسلم (5/177).

 

([379]) بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني للساعاتي (15/22).

 

([380]) أخرجه البخاري (1/322)، ومسلم (3/195).

 

([381]) التبيان في آداب حملة القرآن (ص56).

 

([382]) مجموع الفتاوى (22/200، 262).

 

([383]) سورة النور: الآية 36.

 

([384]) تفسير ابن كثير (6/66).

 

([385]) تفسير القرطبي (12/277).

 

([386]) شرح الزرقاني على الموطأ (1/168).

 

([387]) أخرجه البخاري (470) وفي لفظ (كنت نائماً). انظر: فتح الباري (1/560).

 

([388]) رواه مسلم رقم (568)، وأبو داود رقم (473)، والترمذي رقم (1321) واللفظ له.

 

([389]) رواه الترمذي رقم (322)، وأبو داود رقم (1079)، والنسائي (2/47)، وإسناده حسن. انظر: صحيح أبي داود (1/201).

 

([390]) رواه مالك في الموطأ (1/174).

 

([391]) أخرجه أبو داود رقم (1119) واللفظ له، والترمذي رقم (526) بلفظ: (يوم الجمعة)، والبيهقي (3/273)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. أهـ. وفيه عنعنة محمد بن إسحاق، لكن أخرجه أحمد في المسند (2/135) فصرح فيه ابن إسحاق بالحديث، فزالت شبهة تدليسه، لكن قال البيهقي عقبه: (ولا يثبت رفع هذا الحديث، والمشهور عن ابن عمر من قوله). لكن ذكر الألباني أن المرفوع يتقوى بأن له طريقاً أخرى وشاهداً، ثم ذكر ذلك. انظر: جامع الأصول (5/194)، والصحيحة للألباني رقم (469).

 

([392])  نيل الأوطار (3/284).

 

([393]) أخرجه البخاري رقم (690)، ومسلم (433)، والرواية الثانية للبخاري.

 

([394]) أخرجه مسلم رقم (432).

 

([395]) أخرجه البخاري رقم (685)، ومسلم (436).

 

([396]) أخرجه البخاري (724).

 

([397]) فتح الباري (2/210).

 

([398]) أخرجه أبو داود رقم (666)، وأخرج آخره من قوله: "ومن وصل صفاً . . "ابن خزيمة (3/23) والنسائي (2/93) والحاكم (1/213) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم لم يخرجاه" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/131).

 

([399]) رواه الطبراني في الأوسط (5793) وانظر صحيح الترغيب رقم (502).

 

([400]) أخرجه أحمد (5/316 الفتح الرباني)، وابن ماجه رقم (997) وغيرهما، وإسناده صحيح.

 

([401]) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/103، 115، 141) وروى الشطر الأول منه الزار (351 زوائده) وإسناده حسن؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو سيء الحفظ، ويشهد له حديث ابن عباس الذي عند أبي داود (672) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5/52)، وابن خزيمة (1566).

 

([402]) انظر معالم السنن للخطابي (1/334).

 

([403]) أخرجه البخاري رقم 0692)، والرواية الثانية لأبي يعلى في مسنده (4/30) وسعيد بن منصور والإسماعيلي كما في فتح الباري (2/211). وسندها صحيح على شرط الشيخين كما في السلسلة الصحيحة (31).

 

([404]) المصباح المنير ص(322).

 

([405]) أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (2/211 الفتح). انظر تغليق التعليق (2/302).

 

([406]) أخرجه أبو داود رقم (671)، والنسائي (2/93)، وإسناده صحيح.

 

([407]) انظر: الشرح الممتع (3/13).

 

([408]) انظر رسالة: (لا جديد في أحكام الصلاة)، بقلم: بكر أبو زيد (ص9) وما بعدها. مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/51).

 

([409]) فتح الباري (2/211).

 

([410]) أخرجه ابن خزيمة (1567)، وابن ماجه رقم (1002)، والحاكم (1/218)، والبيهقي (3/104)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وفي سنده: هارون بن مسلم، وهو مستور، لكن يشهد له ما بعده، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (335).

 

([411]) أخرجه أبو داود (2/370)، والترمذي (2/21)، والنسائي (1/131)، وابن خزيمة (1568)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال الحافظ في الفتح (1/578): حديث أنس إسناده صحيح . . . وحسّنه الترمذي. أهـ.

 

([412]) انظر فتح الباري (1/578).

 

([413]) انظر فتح الباري (1/578)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/104).

 

([414]) انظر: القول المبين في أخطاء المصلين (ص 213)، والحديث الثاني تقدم تخريجه في الحكم الرابع من هذا الفصل.

 

([415]) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/410).

 

([416]) المصدر السابق (23/408).

 

([417]) انظر: المصنّف لابن أبي شيبة (1/351).

 

([418]) تقدم قريباً.

 

([419]) رواه أبو داود رقم (664)، والنسائي (2/89، 90)، وابن خزيمة (3/24)، وإسناده صحيح، وانظر صحيح الترغيب رقم (490).

 

([420]) أخرجه مالك في الموطأ (1/158)، وانظر المنتقى للباجي (1/279)، وشرح السنة للبغوي (3/369).

 

([421]) بداية المجتهد (1/187).

 

([422]) أخرجه البخاري وأبو داود (684) واللفظ له.

 

([423]) شرح السنة (3/338).

 

([424]) الإفصاح (1/54).

 

([425]) أخرجه أبو داود (2/376)، والترمذي (3/22)، وقال: حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه (1/321)، وأحمد (4/228)، وحسنه كما في رواية الأثرم، كما نقله الحافظ في التلخيص (2/38).

 

([426]) أخرجه ابن ماجه (1/320)، وأحمد (4/23)، والبيهقي (3/105)، وابن حبان (3/312) وغيرهم، وهو حديث صحيح لغيره، وله شواهد وطرق لا تخلو من مقال. راجع الإرواء (2/327).

 

([427]) انظر: المسند (4/228).

 

([428]) المصنف لابن أبي شيبة (2/193)، ونيل الأوطار (3/229)، والمغني (3/56)، ومجموع الفتاوى (23/397)، والقواعد النورانية (ص98، 99) والاختيارات (ص71)، والمسائل الماردينية (ص84)، وإعلام الموقعين (2/21، 22)، والفتاوى السعدية (ص169) وما بعدها.

 

([429]) سورة التغابن: الآية 16.

 

([430]) سورة البقرة: الآية 286.

 

([431]) أخرجه مسلم رقم (1337)، والنسائي (5/110، 111).

 

([432]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/397)، وانظر الفتاوى السعدية (ص171).

 

([433]) انظر: إرواء الغليل (2/263، 264).

 

([434]) أخرجه الطبراني في الكبير (22/145)، والبيهقي (3/105)، وأبو يعلى (2/245) من طريق السري بن إسماعيل عن الشعبي عن وابصة، والسري بن إسماعيل: متروك، وقد توبع على هذه الزيادة بمتابعة واهية. فانظر "الإرواء" (2/326).

 

([435]) انظر تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – على فتح الباري (2/213)،وانظر الضعيفة (2/322).

 

([436]) تقدم تخريجه في الحكم العاشر.

 

([437]) عون المعبود (2/366).

 

([438]) المغني (3/55).

 

([439]) شرح الزاد بحاشية ابن قاسم (2/443).

 

([440]) راجع رسالة: (ثلاث مسائل في الصلاة)، بقلم نزار محمد عرعور (ص35).

 

([441]) أخرجه أبو داود (3/145)، وابن خزيمة (3/57)، والدارقطني (1/347)، والحاكم (1/216)  والبيهقي (2/89)، وقال: "تفرد به يحيى بن أبي سليمان المديني، وقد روي بإسناد آخر، أضعف من ذلك عن أبي هريرة" أهـ. ويحيى هذا قال عنه البخاري: منكر الحديث . . . لكن له شاهد قوي، فانظر: السلسلة الصحيحة (3/185) والإرواء (2/260).

 

([442]) تقدم هذا الحديث في الحكم الرابع من أحكام الخروج إلى المسجد.

 

([443]) فتح الباري (2/118).

 

([444]) أخرجه الترمذي (3/199)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1/183)، وانظر نيل الأوطار (3/173)، وانظر الصحيحة (3/185).

 

([445]) تحفة الأحوذي (2/199).

 

([446]) المرجع السابق.

 

([447]) مجموع الفتاوى (23/280).

 

([448]) المصدر السابق (22/341)، (23/281).

 

([449]) أخرجه مسلم رقم (404).

 

([450]) أخرجه أبو داود (823) والترمذي رقم (311) وأحمد (5/316، 322) والبخاري في "جزء القراءة خلف الإمام" ص(61) من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – وقال الترمذي: حديث حسن، وانظر: التلخيص (1/246).

 

([451]) أخرجه البخاري 0756)، ومسلم (394) عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه -.

 

([452]) مغني المحتاج (1/257)، وانظر تلبيس إبليس (ص161).

 

([453]) انظر مجموع الفتاوى (22/296).

 

([454]) انظر شرح المهذب (4/212، 213)، والحديث جزء من حديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وقد ذكر تخريجه قريباً.

 

([455]) مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص35)، وانظر حاشية الروض لابن قاسم (2/275)، وشرح المهذب (4/215).

 

([456]) مسائل الإمام أحمد (ص35) والمغني (2/182).

 

([457]) المغني (2/183)، وانظر: القواعد لابن رجب "القاعدة الثامنة عشرة".

 

([458]) مسائل الإمام أحمد (ص35).

 

([459]) المغني (2/130).

 

([460]) تقدم تخريجه في الحكم السادس.

 

([461]) صحيح ابن خزيمة (3/57).

 

([462]) من كلام الشوكاني – رحمه الله – في رسالة لهن أوردها صاحب عون المعبود (3/157).

 

([463]) تقدم تخريجه قريباً.

 

([464]) انظر الصحيحة رقم (230).

 

([465]) انظر مجموع الفتاوى (23/290).

 

([466]) المغني (2/183)، والمجموع شرح المهذب (4/218).

 

([467]) شرح المهذب (4/218)، وحاشية ابن قاسم (2/277)، وانظر الإنصاف (2/225)، وانظر السنن الكبرى للبيهقي (2/91).

 

([468]) انظر القول التمام (ص202).

 

([469]) تقدم تخرجيه قريباً.

 

([470]) انظر: فتاوى ابن عثيمين(15/89) وفتاوى ابن بارز (12/173).

 

([471]) مجموع الفتاوى (23/257).

 

([472]) تقدم تخريجه في الحكم السادس.

 

([473]) انظر: مجموع الفتاوى (23/257)، أحكام الإمامة والائتمام ص(360).

 

([474]) انظر: الإنصاف (2/127،128)، الفتاوى السعدية ص(153)، أحكام الإمامة والائتمام ص(369).

 

([475]) هذه الجملة وردت في حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – وقد انفرد بها البخاري (631) عن بقية أصحاب الكتب الستة.

 

([476]) انظر: شرح النووي على مسلم (5/105)، بدائع الفوائد (3/80).

 

([477]) زاد المعاد (1/201).

 

([478]) الخاري (735)، ومسلم (390، 391)، وانظر: زاد المعاد (1/202).

 

([479]) المغني (2/258)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/73، 74).

 

([480]) انظر: نيل الأوطار (2/179).

 

([481]) أبو داود (723)، النسائي (2/97). وإسناده صحيح. وانظر: التلخيص (1/238).

 

([482]) البخاري (740)، ابن خزيمة (479)، البيهقي (2/30)، وانظر: الشرح الممتع (3/46).

 

([483]) انظر: الخشوع في الصلاة، لابن رجب ص(35-36).

 

([484]) الشرح الممتع (3/51).

 

([485]) انظر: الإنصاف (2/69).

 

([486]) أبو داود (775)، والترمذي (242)، النسائي (2/132)، وابن ماجه (806)، والحاكم (1/235) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. والحديث له عدة طرق، عن عمر وأبي سعيد وعائشة رضي الله عنهم، وقد أخرجه مسلم (399) بسند فيه انقطاع، لكن مسلماً أورده عرضاً لا قصداً، وانظر: شرح النووي (3/354).

 

وفي رفع هذا الحديث مقال لأهل العلم، وقد صح عن عمر موقوفاً، وله حكم الرفع. وقد اختار الإمام أحمد هذا الاستفتاح لعشرة أوجه، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد (1/205).

 

([487]) البخاري (744)، ومسلم (598).

 

([488]) وهذا الذي ينبغي في العبادات الواردة على وجوه متعددة كأفعال الصلاة وأقوالها – كما تقدم ص (58)، انظر: قواعد ابن رجب "القاعدة الثانية عشرة"، مجموع فتاوى ابن تيمية (22/459).

 

([489]) مجموع الفتاوى (22/340)، نيل الأوطار (2/243)، فتاوى الشيخ ابن باز (1/61)، مجموع فتاوى الشيخ بن عثيمين (13/154).

 

([490]) مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/352).

 

([491]) منتهى الإرادات (1/214)، المجموع شرح المهذب (3/406).

 

([492]) مسلم (498)، وابن ماجه (872)، وانظر: مجمع الزوائد (2/305)، فتح الباري (2/275).

 

([493]) الخاري (828)، والترمذي (260)، وأبو داود (731)، (734).

 

([494]) أبو داود (869)، وابن ماجه (87)، وانظر: صفة صلاة النبي e للألباني ص(132).

 

([495]) انظر: سنن الترمذي (2/57) والمصر السابق.

 

([496]) الخاري (4968)، ومسلم (484).

 

([497]) الأذكار للنووي ص(50).

 

([498]) الخاري (828).

 

([499]) الخاري (757)، ومسلم (397).

 

([500]) الخاري (789)، مسلم (392/ 28).

 

([501]) مسلم (477).

 

([502]) البخاري (740)، وانظر: رسالة الشيخ: عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع) ضمن "ثلاث رسائل في الصلاة" من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وانظر: النكت على المحرر لابن مفلح (1/62).

 

([503]) أبو داود (838)، والنسائي (2/206)، والترمذي (268) وقال: حديث حسن غريب. وانظر: المغني (1/193)، وزاد المعاد (1/223)، والشرح الممتع (3/154).

 

([504]) أبو داود (734)، والترمذي (270، 171) وقال عن كل واحد منهما: حديث حسن صحيح.

 

([505]) سنن الترمذي (2/59-61).

 

([506]) البخاري (390)، ومسلم (495).

 

([507]) الشرح الممتع (3/169). صفة صلاة النبي - e – للألباني، ص(142)، وانظر: رسالة "لا جديد في أحكام الصلاة" لبكر أبو زيد –الطبعة الثالثة – فقد أثبت أن السنة في القدمين حال السجود هو التفريق باعتدال على سمت البدن وضعّف القول برص الساجد عقبيه، والله اعلم.

 

([508]) مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/187).

 

([509]) أبو داود (902)، والترمذي. وانظر: فتح الباري (2/294)، والتنقيح المشبع ص(69).

 

([510]) المغني (1/197)، الشرح الممتع (3/160).

 

([511]) أبو داود (871)، والترمذي (262) وقال: حديث حسن صحيح.

 

([512]) تقدم تخريجه.

 

([513]) مسلم (483).

 

([514]) الأذكار للنووي (53)، وصفة الصلاة للألباني ص(145).

 

([515]) مسلم (498، وأبو داود (958)، والنسائي (2/187)، وانظر: المغني (2/205).

 

([516]) يرى الفقهاء – رحمهم الله – أن اليد اليمنى تبسط بين السجدتين كما تبسط اليسرى، وحملوا الأحاديث التي فيها القبض على الجلوس للتشهد، وانظر: فتاوى ابن باز (11/146).

 

([517]) قال بذلك ابن القيم كما في زاد المعاد (1/238)، وتبعه على ذلك الشيخ محمد العثيمين كما في مجموع فتاواه (13/191 – 211)، وانظر: رسالة "لا جديد في أحكام الصلاة" لبكر أبو زيد ص(38).

 

([518]) أبو داود (874)، والنسائي (2/183)، وابن ماجه (897)، والحاكم (1/271)،وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صفة الصلاة ص(153).

 

([519]) أبو داود (850)، والترمذي (284)، وابن ماجه (898)، والحاكم (1/271) وصححه ووافقه الذهبي. وحسنه النووي في "الأذكار" ص(56) وقد نقل الترمذي في هذا الموضع عن الشافعي وأحمد وإسحاق أنهم يرون أن هذا الدعاء جائز في المكتوبة والتطوع.

 

([520])  أبو داود (992)، (838)، والنسائي (2/186)، وابن خزيمة (629).

 

([521])  انظر: المغني (2/215)، ويرى مالك والشافعي أن السنة أن ينهض معتمداً على يديه لحديث مالك بن الحويرث: (أنه e لما رفع راسه من السجدة الثانية استوى قاعداً ثم اعتمد على الأرض) أخرجه النسائي (2/186) ولعل ذلك محمول على أنه كان منه e لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، وبهذا تجتمع الأدلة، وهو قول صاحب المغني (2/214).

 

([522])  مجموع فتاوى ابن تيمية 022/425)، الممتع (3/112). وفي جلسة الاستراحة خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من قال: إنها تشرع عند الحاجة، وهو الذي اختاره ابن قدامة وابن القيم. فانظر: المغني (2/213)، زاد المعاد (1/240).

 

([523]) المغني (2/215).

 

([524]) مسلم (579) (580).

 

([525]) أبو داود (726)، والنسائي (2/126)، وابن الجارود (208)، وابن خزيمة (1/355، 356)، وإسناده صحيح، وانظر: زاد المعاد (1/238) فتاوى ابن باز (11/185).

 

([526]) أبو داود (990) والنسائي (3/39) وأحمد (26/25) وابن خزيمة (718، 719) وهو حديث صحيح.

 

([527]) المغني (2/202)، صفة الصلاة للألباني ص(161).

 

([528]) البخاري (835)، ومسلم (402).

 

([529]) انظر: صفة الصلاة للألباني ص(164).

 

([530]) البخاري (776)، ومسلم 0451).

 

([531]) مسلم (452).

 

([532]) البخاري (828).

 

([533]) أبو داود (965) والترمذي (304) وقال: حديث حسن صحيح.

 

([534]) مسلم (579).

 

([535]) الشرح الممتع (3/301).

 

([536]) صفة الصلاة ص(164).

 

([537]) البخاري (835) ومسلم (588).

 

([538])  البخاري (834) ومسلم (2705).

 

([539]) مسلم (771).

 

([540]) أبو داود (996) والنسائي (3/52) والترمذي (295) وابن ماجه (914) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

 

([541]) أبو داود (997)، قال الحافظ في البلوغ (1/84): بسند صحيح. أ هـ. وقد اختلفت كلمة العلماء في ثبوت كلمة (وبركاته) في التسليمة الثانية، فلم يذكرها عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/413) وابن الأثير في جامع الأصول (5/410) والزيلعي في نصب الراية (1/432) وقد سقطت من طبعة محمد محيي الدين لسنن أبي داود (1/265) لكنها موجودة في النسخة الهندية، وفي طبعة الدعاس ص(607) وقد تكون عن الهندية، وقد نسبها إلى أبي داود الحافظ في البلوغ – وقد حذفت من بعض الطبعات -، وفي التلخيص (1/289) مع أنه أنكرها في نتائج الأفكار (2/236)، كما نسبها إلى أبي داود ابن دقيق العيد في الإلمام رقم (260)، وقد نصّ عليها الصنعاني في سبل السلام (1/380)، وقد وردت – أيضاً – في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه – كما ذكر الحافظ في التلخيص – لكنها غير موجود في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي (914). وذكر الارناؤوط أنها في نسخة خطية في السنن لابن ماجه في دار الكتب الظاهرية، وذلك في تعليقه على شرح السنة (3/205).

 

([542]) انظر: مجموع الفتاوى (23/339)، فتاوى العز بن عبد السلام ص(46، 47)، ورسالة: "تمام الكلام في بدعية المصافحة بعد السلام".

 

([543]) سورة ق: الآية 40.

 

([544]) أخرجه البخاري (4852).

 

([545]) الأذكار ص(66).

 

([546]) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص(421).

 

([547]) أخرجه مسلم (591)، وحديث عائشة – رضي الله عنها – رقم (592).

 

([548]) أخرجه البخاري (844) ومسلم (593).

 

([549]) هذه الزيادة عند أحمد (30/127) والنسائي (3/71) وابن خزيمة (1/365)، وانظر: فتح الباري (2/333) والسلسلة الصحيحة للألباني رقم (196).

 

([550]) أخرجه مسلم (594).

 

([551]) أخرجه الترمذي (3474) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (127) وهذا لفظ الترمذي، إلا قوله: "بيده الخير" فللنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. ونقله النووي عنه في الأذكار ص(70) وأقرّه، والحديث رجاله كلهم ثقات، إلا شهر بن حوشب فقد قال عنه الحافظ في التقريب: "صدوق كثير الإرسال والأوهام" ونقل الحافظ في تهذيبه (4/325) عن الترمذي عن البخاري أنه قال: شهر حسن الحديث. وقوّى أمره. وذكر ابن القطان في طبيان الوهم والإبهام" (3/321) بأنه قد وثقه قوم وضعفه آخرون، ثم قال: ولم أسمع لمضعفيه حجة. . ثم إن الحديث ورد من عدة طرق عن عدد من الصحابة يدل على أنه حفظه.

 

([552]) أخرجه أبو داود (1522) والنسائي (3/45) والحاكم (1/273) وهو حديث صحيح كما قال النووي في الأذكار ص(69) والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/297)، وله شواهد تؤيده فانظر (صحيح كتاب الأذكار وضعيفه) للهلالي (1/206).

 

([553]) أخرجه البخاري (2822) وهذا على أن المراد بدبر الصلاة: ما بعد السلام، والقول الثاني: أن دبر الصلاة ما قبل السلام. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما نقله عنه ابن القيم في (زاد المعاد) (1/305) وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية (22/518) وقال رحمه الله: (المناجاة والدعاء حين الإقبال والتوجه إليه في الصلاة، أما حال الانصراف من ذلك فالثناء والذكر أولى) وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم كما في الزاد (1/257). وانظر فتاوى ابن باز (1/194 – 197).

 

([554]) أخرجه مسلم (597).

 

([555]) أخرجه مسلم (596).

 

([556]) أخرجه البخاري (6329) بلفظ آخر من طريق سمي عن أي صالح عن أبي هريرة، وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود.

 

([557]) أخرجه أحمد (5/184، 190) والنسائي (3/76) والحاكم (1/253) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث ابن عمر عند النسائي (3/76). وسنده حسن.

 

([558]) ورد عند أبي داود (1502) من طريق محمد بن قدامة، حدثنا عثام عن الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه به، بلفظ: "بيمينه" وهي لفظة تغرد بها محمد بن قدامة – شيخ أبي داود – مخالفاً بذلك بقية الرواة الآخذين عن عثام الذين رووا الحديث بمثل لفظ الجماعة – أقران الأعمش – أمثال: شعبة وسفيان الثوري وإسماعيل بن علية، وغيرهم ممن هم جبال في الحفظ والإتقان، وكلهم لا يذكرون لفظة "بيمينه"، وعليه فهي شاذة غير محفزظة؛ لأن قاعدة المحدثين أنه إذا اتحد مخرج الحديث امتنع الحمل على التعدد، وهذا الحديث متحد المخرج – كما تقدم – ومثل هذه الزيادة لا تقبل إذا خالف الراوي من هم أكثر منه عدداً، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، وكلا الأمرين موجود هنا،  ولو كانت هذه اللفظة محفوظة لما غفل عنها الجمهور من رواة الحديث، يقول شيخ المفسرين الحافظ محمد بن جرير الطبري – رحمه الله -: (والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالهم واحد منفرد ليس له حفظهم، كانت الجماعة الإثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفهم). انظر: رسالة: "لا جديد في أحكام الصلاة" ص(53)، تفسير الطبري (9/566) تحقيق: محمود شاكر، النكت على ابن الصلاح لابن حجر (2/691)، فتاوى ابن باز (11/186 – 187).

 

([559]) أخرجه أحمد (6/371) وأبو داود (1501) والترمذي (3635) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وانظر: بلوغ الأماني (14/221).

 

([560]) أخرجه البخاري (841) ومسلم (583) وانظر: رسالة: "تحقيق الكلام في مشروعية الجهر بالذكر بعد السلام" لابن سحمان – رحمه الله -.

 

([561]) انظر: تصحيح الدعاء ص(134).

 

([562]) أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (10) وعزاه المنذري في "الترغيب" (2/453) إلى ابن حبان في كتاب الصلاة، والحديث له طرق، وهو حديث صحيح. فانظر: الصحيحة (972).

 

([563]) ورد ذلك في حديث أبي اماممة المتقدم عند الطبراني في الكبير (8/134) بزيادة (وقل هو الله أحد) قال المنذري: وإسناده بهذه الزيادة جيد (2/453). وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/102).

 

([564]) أخرجه أبو داود (1523) والنسائي (3/58) والترمذي (2903) وقال: حديث حسن.

 

([565]) أخرجه مسلم (883).

 

([566]) شرح النووي على مسلم (6/420).

 

([567]) أخرجه أحمد (5/368) بإسناد صحيح، وأخرجه أبو داود (3/309 عون) مطولاً، ولم يذكر أنها صلاة العصر. انظر: تنبيه القارئ ص(164)، للشيخ عبد الله الدويش – رحمه الله -.

 

([568]) أخرجه عبد الرازق (2/416) وابن أبي شيبة (1/89) وإسناده صحيح.

 

([569]) انظر: إعلام أهل العصر ص(117).

 

([570]) انظر: رسالة "حكم الفصل بين الفريضة والنفل" ص(21).

 

([571]) أخرجه البخاري (731) ومسلم (781).

 

([572]) أخرجه البخاري (432) ومسلم (777).

 

([573]) أخرجه مسلم (778).

 

([574]) المفهم (2/411).

 

([575]) إعلام الموقعين (3/159).

 

([576]) مجموع الفتاوى (24/202).

 

([577]) نيل الأوطار (3/224).

 

([578]) سورة الدخان: الآية 29.

 

([579]) تفسير ابن كثير (7/239).

 

([580]) سورة الزلزلة: الآية 4.

 

([581]) تفسير ابن سعدي (5/445).

 

([582]) هذا قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (699) وفي مواضع أخرى، ومسلم (763).

 

([583]) انظر فتح الباري (2/192).

 

([584]) التمهيد (13/210).

 

([585]) انظر فتح الباري (3/14).

 

([586]) المرجع السابق. الحديث يأتي تخريجه – إن شاء الله -.

 

([587]) انظر: الحكم التاسع عشر.

 

([588]) انظر فتح الباري (2/131).

 

([589]) افتات عليه في الأمر: حكم، وكل من أحدث دونك شيئاً فقد افتات عليك فيه. "اللسان" (2/69).

 

([590]) أخرجه أبو داود (2/259)، والنسائي (2/104) وإسناده صحيح، قاله الألباني.

 

([591]) أخرجه أبو داود (2/282) وإسناده صحيح.

 

([592]) صحيح ابن خزيمة (3/57).

 

([593]) شرح السنة (3/438)، وانظر شرح المهذب (4/222).

 

([594]) انظر تحفة الأحوذي (2/11).

 

([595]) أخرجه البخاري رقم (619)، ومسلم (650).

 

([596]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/323). قال في بلوغ الأماني (5/344): إسناده صحيح.

 

([597]) أخرجه البخاري تعلياً (2/131 الفتح). قال الحافظ في تغليق التعليق (2/277): هذا إسناد صحيح موقوف. أهـ. وأخرجه ابن أبي شيبة (2/321)، وعبد الرازق (2/291).

 

([598]) معطوف على مقدر، أي: أيصلون فرادى أو يؤمهم أحدهم؟

 

([599]) المحلى لابن حزم (4/237، 238).

 

([600]) المصدر السابق، وانظر: فتاوى ابن باز (12/165 – 173) وابن عثميمين (15/93).

 

([601]) انظر الأم للشافعي (1/180).

 

([602]) مجموع الفتاوى (23/258).

 

([603]) المجموع شرح المهذب (4/222).

 

([604]) أخرجه الطبراني في الأوسط (5/304) وقال: "لهم لم يرو هذا الحديث عن خالد الحذّاء إلا أبو مطيع معاوية بن يحيى، ولا يروى عن أبي بكرة غلا بهذا الإسناد" قال في التقريب: "معاوية ابن يحيى الطرابلسي،أبو مطيع، . . . صدوق له أوهام" وانظر: مجمع الزوائد (2/45).

 

([605]) ميزان الاعتدال (4/139، 140).

 

([606]) انظر تحفة الأحوذي (2/9) وما بعدها.

 

([607]) أخرجه مسلم رقم (648).

 

([608]) شرح النووي (5/154).

 

([609]) بداية المجتهد (1/179).

 

([610]) تقدم تخريجه في الكلام على تحية المسجد وقت النهي.

 

([611]) جامع الترمذي (1/426).

 

([612]) حاشية السندي على النسائي (2/113).

 

([613]) عون المعبود (2/284)، وراجع مجموع الفتاوى (23/18).

 

([614]) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص(48).

 

([615]) نيل الأوطار (3/107).

 

([616]) المغني (2/521).

 

([617]) أخرجه البخاري (689) ومسلم (414).

 

([618]) المصنف(2/276).

 

([619]) المجموع شرح المهذب (4/269)، والمغني (3/67)، ومجموع الفتاوى (23/386).

 

([620]) رواه البخاري (668)، ومسلم (465). وانظر: فتاوى ابن باز (12/181).

 

([621]) رواه أبو داود (4/126)، والنسائي (3/178)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/232)، وانظر كلام ابن القيم عليه في تهذيب السنن  (4/126) بهامش عون المعبود).

 

([622]) تقدم تخريجه.

 

([623]) مجموع الفتاوى (23/385، 386).

 

([624]) حاشية السندي على النسائي (3/178).

 

([625]) انظر: المغني (3/68).

 

([626]) فتاوى ابن باز (12/182، 191).

 

([627]) انظر: المغني (3/69).

 

([628]) رواه أحمد (1/216)، وقال في إرواء الغليل (3/21): سنده صحيح.

 

([629]) رواه مسلم (5/204).

 

([630]) أخرجه ابن خزيمة (2/74).

 

([631]) رواه مالك في الموطأ (1/149)، وهو في صحيح مسلم في آخر حديث إتمام عثمان – رضي الله عنه – الصلاة بمنى، وفيه بيان أن المراد بالإمام: عثمان – رضي الله عنه -؛ لأنه أتم الصلاة بمنى (5/210).

 

([632]) تقدم تخريجه قريباً.

 

([633]) رواه البيهقي (3/157)، وقال في الإرواء (3/22): سنده صحيح.

 

([634]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/385).

 

([635]) انظر مجموع الفتاوى (23/243).

 

([636]) انظر المغني (3/145)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/156)، ومجموع الفتاوى (23/330، 333).

 

([637]) تقدم تخريجه.

 

([638]) مجموع الفتاوى (22/123)  و (23/410)، وانظر الفتاوى السعدية (ص184).

 

([639]) الحديث أخرجه أحمد (24/292) وأبو داود (862) والنسائي (2/214)، وابن ماجه (1429)، والحاكم (1/229) من طريق جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل. به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، مع أنه قال في الميزان (1/360) في ترجمة: (تميم بن محمود): "قال البخاري: في حديثه نظر، روى عنه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي" والحق أنه مجهول، فإنه ما روى عنه إلا جعفر الأنصاري – كما ذكر البخاري في تاريخه الكبير (2/154) وهو راوي الحديث السابق عنه، وقد ذكره العقيلي في "الضعفاء" (1/170) وذكر حديثه هذا. ثم قال: ولا يتابع عليه. أهـ. وذكره الدولابي، وابن الجارود في الضعفاء. على ما ذكره الحافظ ابن حجر، وأما قول الذهبي: "روى عنه عثمان. . " فهو وهم منه – رحمه الله – فإن الطرائفي هذا مات سنة اثنتين أو ثلاث ومائتين كما ذكر الحافظ في تهذيبه (7/123) فكيف يروي عن تميم وهو من التابعين؟ وقد ذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من التابعين. ومع هذا كله فقد تابعه غيره عند أحمد في المسند (5/446) فالحديث يكون حسناً كما قال الألباني – رحمه الله – فانظر الصحيحة (3/156) وانظر صحيح ابن خزيمة (2/208).

 

([640]) النهاية في غريب الحديث (5/204).

 

([641]) كشاف القناع (1/494).

 

([642]) شرح فتح القدير (1/422)، والدين الخالص للسبكي (3/203).

 

([643]) بدائع الفوائد لابن القيم (3/82)، وانظر في هذا الموضوع مجموع الفتاوى (2/189، 193، 195)؛ والفتاوى السعدية، للشيخ عبد الرحمن السعدي (ص182) وما بعدها.

 

([644])  انظر الفتاوى السعدية (ص186).

 

([645]) أخرجه مسلم رقم (2179)، وأبو داود رقم 04853).

 

([646]) شرح النووي على صحيح مسلم (14/412).

 

([647]) أخرجه البخاري رقم 05914)،ومسلم رقم (2177).

 

([648]) انظر بهجة النفوس لابن أبي جمرة (4/194).

 

([649]) أخرجه البخاري رقم (415)، ومسلم رقم (33).

 

([650]) فتح الباري (3/62).

 

([651]) أخرجه البخاري رقم (502)، ومسلم رقم (509).

 

([652]) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (4/472)، والقول المبين في أخطاء المصلين (ص78).

 

([653]) انظر فتح الباري (1/577).

 

([654]) انظر شرح النووي (4/472)، وفي اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/755، 756)، كلام ما تع حول هذا الحديث.

 

([655]) أخرجه الطبراني في الكبير (12/370)، والأوسط (6/82، 83) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5/234) و "صحيح الجامع" رقم (5332)

 

([656]) ذكرها ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/160) بإيجاز في كلامه على سد الذرائع، وللشيخ بكر أبو زيد كلام في هذه المسألة في كتابه (مرويات دعاء ختم القرآن) ص(80).

 

([657]) سورة المائدة: الآية 2.

 

([658]) المغني (3/9).

 

([659]) انظر الرسالة القيمة المذكورة: للشيخ بكر أبو زيد (ص54).

 

([660]) انظر بدائع الفوائد (4/149).

 

([661]) انظر: مجموع الفتاوى (23/342).

 

([662]) تقدم أول الكتاب.

 

([663]) تقدم الحديث في الكلام على تحية المسجد.

 

([664]) فتح الباري (2/392).

 

([665]) يأتي بتمامه، ويذكر تخريجه في أحكام الجمعة إن شاء الله تعالى.

 

([666]) فتح الباري (2/414).

 

([667]) المجموع شرح المهذب (4/546)، ونيل الأوطار (3/287).

 

([668]) الاختيارات (ص81).

 

([669]) بلوغ الأماني (6/74).

 

([670]) الإنصاف (2/411).

 

([671]) الإنصاف (2/411).

 

([672]) بلوغ الأماني (6/74).

 

([673]) المغني (3/231)، والإنصاف (2411)، والمجموع (4/545)، والمنتقى للباجي (1/203).

 

([674]) أخرجه أبو داود (13/173)، والترمذي (7/512)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3/916).

 

([675]) أخرجه أحمد (3/94)، وأبو داود (4/213)، قال الألباني: (وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين) انظر الصحيحة (4/134).

 

([676]) رواه مالك في الموطأ (1/80). ويشهد له حديث أبي سعيد المذكور قبله، وانظر: التمهيد (23/315).

 

([677]) مجموع الفتاوى (23/61).

 

([678]) المصدر السابق (22/205).

 

([679]) انظر التبيان للنووي (ص71).

 

([680]) أخرجه البخاري (9/84)، ومسلم رقم (788)، وانظر شرح النووي عليه (6/322).

 

([681]) التمهيد (4/187)، فتح الباري (

 

([682]) أخرجه البخاري رقم (509)، ومسلم رقم (507).

 

([683]) انظر: فتح الباري (1/585).

 

([684]) أخرجه البخاري رقم (509)، ومسلم (505).

 

([685]) أخرجه مسلم (506).

 

([686]) أخرجه البخاري (3274).

 

([687]) انظر: فتح الباري (1/582)، إتحاف الإخوة ص(153).

 

([688]) انظر: التمهيد (4/189)، شرح السنة (2/456).

 

([689]) أخرجه البخاري (2/284).

 

([690]) فتح الباري (2/287).

 

([691]) المصدر السابق.

 

([692]) المسجد في الإسلام (ص83).

 

([693]) أخرجه مسلم (670).

 

([694]) انظر: شرح القاضي عياض على صحيح مسلم (2/646)، والمفهم (2/295)، هذا وأما حديث: "الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" فلا أصل له. كما قال العراقي في تخريج أحاديث "الإحياء" (1/152) وكذا قال غيره من أئمة الحديث.

 

([695]) أخرجه البخاري (1/516) فتح.

 

([696]) فتح الباري لابن رجب (3/154).

 

([697]) فتح الباري لابن رجب (3/157) الحاوي (1/90) أحكام المساجد في الإسلام ص(269).

 

([698]) أخرجه أبو داود (1670) والحاكم (1/412) وعنه البيهقي (4/199) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال النووي في "شرح المهذب" (1/176) رواه أبو داود بإسناد جيد وتعقبه الألباني في "الضعيفة" رقم (1458) وحكم على الحديث بأنه منكر؛ لأنه من رواية مبارك بن فضالة. وقد ضعفه أحمد والنسائي، وكان يدلس، وقد رواه بالعنعنة. ثم هو ليس من رجال مسلم. والله أعلم.

 

([699]) انظر: الحاوي (1/89).

 

([700]) الفتاوى الكبرى (1/159).

 

([701]) المدونة الكبرى (1/300).

 

([702]) أخرجه أحمد (29/243)، والترمذي في "الشمائل" (166) وابن ماجه من طرق عن ابن لهيعة، وهو وإن كان ضعيفاً لكنه من رواية قتيبة بن سعيد عنه، وروايته عنه صالحة، ثم هو قد توبع كما في الحديث الآتي.

 

([703]) أخرجه ابن ماجه (300) وابن حبان (1657) من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سليمان بن زياد عن عبد الله بن الحارث.

 

وحسنه البوصيري في الزوائد لأنه من رواؤة يعقوب بن حميد وهو مختلف فيه. لكنه لم ينفرد بهن فقد رواه عنه ابن ماجه مقروناً مع حرملة بن يحيى، وحرملة ثقة، وعلى هذا فالإسناد صحيح. انظر: "تمام المنة" ص(296).

 

([704]) أخرجه البخاري (4375) ومسلم (1764) في حديث طويل.

 

([705]) انظر: صحيح البخاري (1/556 فتح).

 

([706]) انظر: أحكام المساجد (3/158).

 

([707]) انظر: إعلام الساجد ص(329).

 

([708]) أخرجه البخاري رقم (836)، ومسلم رقم (855). ومعنى "بيد": غير، فهو منصوب على الاستثناء في هذا الموضع.

 

([709]) أخرجه مسلم رقم (854).

 

([710]) زاد المعاد (1/398).

 

([711]) زاد المعاد (1/375).

 

([712]) أخرجه مسلم (865).

 

([713]) أخرجه مسلم (652).

 

([714]) أخرجه أبو يعلى (3/156) موقوفاً بإسناد صحيح، كما قال المنذري في الترغيب (1/511).

 

([715]) انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (1/508).

 

([716]) رواه البخاري رقم (856)، ومسلم رقم (849).

 

([717]) رواه البخاري رقم (854)، ومسلم رقم (844).

 

([718]) رواه البخاري رقم (855)، ومسلم رقم (846).

 

([719]) رواه ابن ماجه رقم (1098) بإسناد حسن، وانظر الزوائد للبوصيري (1/208).

 

([720]) انظر كتاب (في الصلاة صحة ووقاية) للدكتور: فارس علوان (ص31)، وانظر مجموع الفتاوى (21/307).

 

([721]) نسبه في كتاب (القول المبين) (ص 352) إلى كتاب: "اقتضاء الصراط المستقيم" ولم أعثر عليه فيه، وانظر زاد المعاد (1/386).

 

([722]) انظر: المغني (3/224)، المحلى (2/13)، معالم السنن (1/211)، فتح الباري (2/361).

 

([723]) نيل الأوطار (1/272).

 

([724]) انظر تمام المنة (ص120).

 

([725]) رواه مسلم رقم (857).

 

([726]) التلخيص الحبير (2/72).

 

([727]) فتح الباري (2/362).

 

([728]) رواه أبو داود رقم (354)، والترمذي رقم (497) وحسنه، ورواه أحمد (5/8، 11، 15، 16، 22) والنسائي (3/94)، ورواه ابن ماجه من حديث أنس (1091). قال الحافظ في الفتح (2/362): (ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها: رواية الحسن عن سمرة، أخرجها أصحاب السنن الثلاثة، وابن خزيمة وابن حبان وله علتان: إحداهما: أنه من عنعنة الحسن، والأخرى: أنه اختلف عليه فيه . . .). لكن من قال: عن الحسن سمع من سمرة؛ صحح الحديث، وعلة الاختلاف في وصله وإرساله منتفيه، فقد ورد وصله من طرق صحصحة، فقد ورد من طريق أبان بن يزيد عن قتادة عن الحسن عن النبي e مرسلاً. وورد من طريق سعيد الجحدري موصولاً، وتابعه يزيد بن زريع وهمام بن يحيى، وقد صحح الحديث مرفوعاً الدارقطني وأبو حاتم الرازي وابن خزيمة وابن حجر والألباني.

 

([729]) سورة آل عمران: الآية 110.

 

([730]) المحلى (2/14).

 

([731]) انظر فتح الباري (2/360) وما بعدها، ونيل الأوطار (1/272)، والرسالة للشافعي وتعليق أحمد شاكر (ص302) وما بعدها وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني (3/113)، والاختبارات (ص17).

 

([732]) فتح الباري (2/368).

 

([733]) انظر فتح الباري (2/366).

 

([734]) انظر: زاد المعاد (1/377) فتح الباري (2/363)، الإنصاف (1/247)، الاختيارات ص(17).

 

([735]) فتح الباري (2/358).

 

([736]) أخرجه أحمد (6/53)، والطبراني في الكبير (4/160 – 161) وابن خزيمة (3/138)، وصححه الألباني (صحيح الترغيب 1/360).

 

([737]) أخرجه أبو داود رقم (1078)، وابن ماجه (1095)، وهو حديث صحيح له شاهد من حديث عائشة – رضي الله عنها. انظر: الزائد للبوصيري (1/207).

 

([738]) انظر فتح الباري (2/374).

 

([739]) أخرجه البخاري (5787).

 

([740]) أخرجه البخاري (578) ومسلم (2087).

 

([741]) أخرجه أبو داود (4084) وأحمد (5/63) والحاكم (4/186) وصححه ووافقه الذهبي.

 

([742]) انظر: رسالة حدّ الثوب والأزرة، تأليف: بكر أبو زيد.

 

([743]) فتح الباري (2/375).

 

([744]) رواه مسلم برقم (7/846)، وانظر فتح الباري (2/364).

 

([745]) أخرجه البخاري (880) ومسلم (7/846).

 

([746]) بداية المجتهد (1/206).

 

([747]) شرح القاضي عياض على صحيح مسلم (3/236).

 

([748]) أخرجه البخاري رقم (841)، ومسلم رقم 0850).

 

([749]) انظر فتح الباري (2/268 –369)، والمجموع المهذب (4/541).

 

([750]) فتح الباري (2/367).

 

([751]) أخرجه البخاري رقم (898).

 

([752]) أخرجه ابن ماجه رقم (1094)، والطبراني في الكبير (10/96) وابن أبي عاصم في السنة (1/275)، وقد حسنه المنذري في الترغيب والترهيب   (1/503)، والبوصيري في مصباح الزجاج (1/364). وضعفه الألباني في تمام المنة (ص325)، وفي التعليق على السنة، ولعل من حسنه نظر إلى شواهده، كما في الحديث الذي بعده، والله أعلم.

 

([753]) أخرجه أحمد (5/11) وأبو داود (1108) والحاكم (1/289) والبهيقي (3/238) وهو حديث صحيح. انظر: الصحيحة (365) قد تعقبه الشيخ عبد الله الدويش. رحمه الله. في (تنبيه القارئ) له ص200

 

([754]) رواه البخاري (2/390)، والنسائي (6/14).

 

([755]) انظر فتح الباري (2/391).

 

([756]) مسائل الإمام أحمد (رواية ابنه) رقم (472).

 

([757]) أخرجه الشافعي في مسنده (1/154)، بدائع المنن، ومن طريقه البيهقي 03/187) وأخرجه عبد الرازق (3/250) وابن أبي شيبة (2/105) وإسناده جيد. وقال الألباني: سنده صحيح.

 

([758]) أخرجه عبدا لرازق (3/250) وابن أبي شيبة (2/105) قال الألباني: إسناده جيد "الأجوبة النافعة" ص(65).

 

([759]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/105) وإسناده صحيح.

 

([760]) انظر: المغني (3/247)، فضائل الجمعة ص(319).

 

([761]) سورة الجمعة: الآية 9.

 

([762]) انظر: المغني (3/247) الشرح الممتع (5/29).

 

([763]) انظر: أحاديث الجمعة ص(330).

 

([764]) انظر: السلسلة الضعيفة (1/253 – 254).

 

([765]) نيل الأوطار (3/261).

 

([766]) رواه البخاري (2/370).

 

([767]) نيل الأوطار (3/268).

 

([768]) فتح الباري (2/392).

 

([769]) أخرجه مسلم برقم (2178)، وتقدم حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في الحكم الثاني والعشرين.

 

([770]) شرح النووي على صحيح مسلم (14/410).

 

([771]) انظر فتح الباري (2/414)، والحديث يأتي بتمامه إن شاء الله.

 

([772]) انظر القول المبين في أخطاء المصلين (ص363).

 

([773]) تقدم تخريجه في المبادرة إلى حضور الجمعة.

 

([774]) شرح الطيبي (3/219).

 

([775]) مجموع الفتاوى (24/189)، وراجع الأجوبة النافعة للألباني.

 

([776]) الحديث مضى تخريجه.

 

([777]) انظر الصحيحة للألباني رقم (232).

 

([778]) المدخل لابن الحاج (2/239). وانظر: مجموع الفتاوى (24/192).

 

([779]) زاد المعاد (1/378).

 

([780]) أخرجه البيهقي (3/249) من طريق الحاكم من رواية نعيم بن حماد، وهو في المستدرك (2/368)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. قال الذهبي: (قلت: نعيم ذو مناكير) أهـ. لكنه لم يتفرد به كما ذكر الألباني في الإرواء (3/93) نقلاً عن البيهقي. قال الحافظ في تخريج الأذكار: (حديث حسن وهو أقوى ما ورد في سورة الكهف)، وقد أخرجه الدارمي في سننه (2/454) موقوفاً على أبي سعيد ورجاله ثقات. وذكره ابن كثير في تفسيره (5/131) عن أبي سعيد – رضي الله عنه -، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن مثله لا يقال بالرأي، فانظر التعليق على "زاد المعاد" (1/377)، وانظر "الأجوبة المرضية" للشيخ عبد الله بن يوسف الجديع (ص17) وما بعدها.

 

([781]) انظر مجموع الفتاوى (24/215).

 

([782]) أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (852)، وانظر الأذكار للنووي (ص80).

 

([783]) رواه أبو داود رقم (1047)، وابن ماجه (1/345) وغيرهما وهو حديث صحيح. انظر (فضل الصلاة على الرسول e) للجهضمي بتحقيق الألباني (ص37).

 

([784]) مضى تخريجه.

 

([785]) انظر: نيل الأوطار (3/284).

 

([786]) فتح الباري (2/402).

 

([787]) جامع الترمذي (3/28 –  مع التحفة).

 

([788]) زاد المعاد (1/430).

 

([789]) زاد المعاد (1/377).

 

([790]) انظر الأجوبة النافعة (ص59).

 

([791]) رواه مسلم رقم (857) (26).

 

([792]) أخرجه مسلم (857) (27).

 

([793]) رواه أبو داود رقم (347)، وابن خزيمة رقم (1810). قال الألباني: سنده حسن، صحيح أبي داود (1/71).

 

([794]) شرح النووي على مسلم (6/396).

 

([795]) انظر جامع الأصول لابن الأثير (9/429).

 

([796]) رواه البخاري برقم (892)، ومسلم (851).

 

([797]) شرح مسلم للنووي (6/387).

 

([798]) انظر: شرح المهذب (4/524)، وروضة الطالبين (2/29)، وانظر: الأم للشافعي (1/234).

 

([799]) بدائع الفوائد (3/278)، وانظر: المغني (3/198).

 

([800]) سورة الأعراف: الآية 204.

 

([801]) مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص58)، وراجع: بداية المجتهد (1/202).

 

([802]) شرح المهذب (4/523).

 

([803]) أخرجه البخاري (1015) ومسلم (897).

 

([804]) فتح الباري (2/506)، وانظر: المغني (3/197 – 198).

 

([805]) تقدم تخريجه عند الكلام على حكم تحية المسجد.

 

([806]) رواه مسلم رقم (874).

 

([807]) شرح مسلم للنووي (5/411).

 

([808]) نيل الأوطار (3/308).

 

([809]) الباعث (ص142)، والأمر بالاتباع (ص247).

 

([810]) الاختيارات (ص80)، وانظر فتح الباري (2/412).

 

([811]) أخرجه البخاري رقم (888، 1113)، ومسلم رقم (875).

 

([812]) شرح مسلم (6/412)، وانظر شرح المهذب (4/551 – 552).

 

([813]) انظر: كتاب"الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة (159 – 160).

 

([814]) الفتح (2/93).

 

([815]) شرح معاني الآثار (1/146).

 

([816]) نيل الأوطار (2/59)، والحديث أخرجه البخاري (2/90)، ومسلم (4/327).

 

([817]) أخرجه مسلم برقم (382)، وانظر شرح معاني الآثار (1/146).

 

([818]) انظر: فتح الباري (2/93)، ونيل الأوطار (2/59).

 

([819]) أخرجه البخاري (631) ومسلم (674) وتقدم ذلك في الحكم الرابع عشر.

 

([820]) انظر: الشرح الممتع (2/75).

 

([821]) أخرجه مالك في الموطأ (1/103)، وصححه النووي في شرح المهذب (4/550)، وانظر: تمام المنة (ص339).

 

([822]) شرح المهذب (4/550).

 

([823]) نيل الأوطار (3/293).

 

([824]) المغني (2/89).

 

([825]) تقدم تخريجه.

 

([826]) جامع الترمذي (2/402 – 403).

 

([827]) انظر: المغني 03/189 – 190)، الشرح الممتع (5/61 – 62).

 

([828]) انظر: المغني (3/190)، الشرح الممتع (5/61).

 

([829]) المغني (3/248).

 

([830]) رواه مسلم رقم (881).

 

([831]) شرح النووي على مسلم (6/418).

 

([832]) رواه البخاري (2/425)، ومسلم (6/418).

 

([833]) رواه أبو داود (3/477)، ونقل في نيل الأوطار (3/318) عن العراقي أنه قال: إسناده صحيح.

 

([834]) الباعث على إنكار البدع الحوادث (ص161).

 

([835]) عون المعبود (3/481).

 

([836]) انظر (سنة الجمعة) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – تحقيق: سعد المزعل (ص62)، وانظر المغني (3/249).

 

([837]) انظر تمام المنة (ص341 – 343).

 

([838]) تقدم تخريجه.

 

([839]) أخرجه أبو داود (1070) والنسائي (3/194) وابن ماجه (1/415) وهو حديث صحيح.

 

([840]) أخرجه أبو داود (1073) وابن ماجه (1311) قال في الزوائد (1/237): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".

 

([841]) أخرجه البخاري (5572).

 

([842]) سورة الجمعة: الآية 9.

 

([843]) أخرجه (2/76)، وأبو داود (2/274) وهو حديث صحيح بشواهده.

 

([844]) أخرجه أحمد (5/198) الفتح، وابن خزيمة (3/95) وإسناد أحمد حسن، قاله في فتح الباري (2/350)، وله شواهد.

 

([845]) فتح الباري (2/350).

 

([846]) بلوغ الأماني (5/199).

 

([847]) أخرجه البخاري رقم (826)، ومسلم رقم (638). و(أعتم) بمعنى دخل في العتمة، ومعناه: آخر صلاة العتمة. والعتمة: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق "عمة القاري" (4/214).

 

([848]) المحلى (4/196).

 

([849]) أخرجه البخاري رقم (827)، ومسلم رقم (442).

 

([850]) أخرجه مسلم (442)، وأخرجه البخاري بأطول من هذا رقم (858).

 

([851]) انظر أضواء البيان (6/236).

 

([852]) أخرجه مسلم رقم (443).

 

([853]) سورة النور: الآية 31.

 

([854]) تفسير ابن كثير (6/46).

 

([855]) شرح النووي على مسلم (10/353).

 

([856]) أخرجه مسلم رقم (440).

 

([857]) أخرجه البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (422).

 

([858]) أخرجه البخاري رقم (802).

 

([859]) فتح الباري (2/336).

 

([860]) انظر: الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/407).

 

([861]) أخرجه البخاري (727) ومسلم (658).

 

([862]) تقدم تخريجه مسبقاً.

 

([863]) أحكام الإمامة ص(321).

 

([864]) انظر: شرح النووي على مسلم (4/403).

 

([865]) مجموع الفتاوى (23/396)، أحكام الإمامة ص(330).

 

([866]) أحكام الإمامة ص(326).

 

([867]) أحكام الإمامة ص(322)، فتاوى ابن عثيمين (13/43).

 

([868]) انظر: إعلام الموقعين (2/357)، الإحكام (2/115) الممتع (4/198).

 

([869]) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (23/246).

 

([870]) أخرجه أحمد (6/405) وأبو داود (591) وابن خزيمة (3/89) والبيهقي (3/130) والدارقطني (1/403) والحاكم (1/203) وابن الجارود (333) من طريق الوليد بن جميع عن ليلى بنت مالك وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة الأنصارية.

 

وهذا سند حسن كما قال الألباني في "الإرواء" (2/256). وقد ذكره الحافظ في البلوغ (424) ونقل تصحيحه عن ابن خزيمة، وأقره، مع أنه قال في التلخيص (2/28): "وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد وفيه جهالة". وقال في تهذيب التهذيب (2/97) "وقد حسن الدارقطني حديث أم ورقة في كتاب السنن وأشار أبو حاتم إلى جودته".

 

وقد رجعت إلى سنن الدارقطني ولم أجد له كلاماً عليه، فالله أعلم.

 

وفي رجال الإسناد كلام. فالوليد بن جميع قال عنه المنذري في مختصر السنن(1/307): "فيه مقال: وقد أخرج له مسلم"أ هـ.

 

والحق أنه حسن الحديث. قال أحمد وأبو زرعة وأبو داود: لا بأس به، ووثقه ابن معين والعجلي وابن سعد. ذكر ذلك في تهذيب التهذيب (11/122) لكنه قد تفرد به عن شيخية: جدته ليلى، وابن خلاد.

 

وليلى بنت مالك لا تعرف، كما قال الحافظ في التقريب.

 

وعبد الرحمن بن خلاد قال في التقريب – أيضاً: مجهول الحال. وكذا قال ابن القطان. وذكره ابن حبان في الثقات (5/98)، وهو مقرون بليلى بنت مالك، فأحدهما يقوي رواية الآخر، لا سيما والذهبي يقول في "فصل النسوة المجهولات" كما في الميزان (4/604): "ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها".

 

وقد ورد في الباب آثار أخرى كلها فيها مقال، لكنها باجتماعها قد تقوى وتكون دليلاً على الجواز في مثل هذه المسألة، والعلم عند الله تعالى.

 

([871]) انظر مراتب الإجماع ص(35).

 

([872]) أخرجه البخاري (382، 514) ومسلم (512).

 

([873]) أخرجه مسلم (510).

 

([874]) الإحكام (1/419).

 

([875]) أخرجه ابن خزيمة (831) وابن حبان (2391).

 

([876]) انظر: زاد المعاد (1/306) الإحكام (1/420).

 

([877]) انظر: الإنصاف (2/107) تصحيح الفروع (1/474).

 

([878]) أخرجه أحمد (1/1347)، وأبو داود (703)، و(2/64)، وابن ماجه (949)، وصححه النووي في "شرح المهذب" (3/212).

 

([879]) انظر: إتحاف الإخوة ص(195).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نور الدغاء

  قلت المدون سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القديرالمقتدرالملك القدوس السلام المؤمن ال...